السياسي والمثقف
2008-07-17
منذ بدايات التاريخ المديني، في الوقت الذي بدأت تتأسس فيه المدن والعواصم والإمبراطوريات، كان المثقف هو الذي يصنع الحضارة، الفن، الأدب، الموسيقى، العمارة وكل ما هو جميل. وكان السياسي هو الذي يدمر كل ما فعله المثقف ليعود الأخيرمرة أخرى وفي إمبراطورية ناشئة لبناء حضارة جديدة وثقافة جديدة وفيما بعد فلسفة جديدة .وتتكرر الآية المثقف يبني والسياسي يدمر ، المثقف يبني دون أية غاية سوى مصلحة الوطن وطنه، والسياسي يدمر لمصلحة الوطن.. وطنه.
لست أتكلم من فراغ . كم من حضارة دمرت وزالت بفعل العسكري الذي يأخذ أوامره من السياسي؟!! قد لا يدمر حضارته هو، قد يدمر حضارة إمبراطورية أخرى، ولكن الدمار يحصل والخراب يعم..
لم نسمع عن مثقف قام متعمدا بتخريب ثقافة أخرى، ما سمعناه أن المثقف كان يقتبس ، يترجم، ينقل من ثقافات الذين قبله ليطورها ويعممها على أبناء جيله.. وأيضا لم نسمع عن عسكري إلا ودمر كل ما فعله المثقف عامدا متعمدا.
ما دفعني إلى هذا الحديث هو المؤتمر الدولي الذي أقيم بدمشق بين 12ـ 16 تموز 2008 بمناسبة الانتهاء من الحمامات التقليدية حول حوض البحر الأبيض المتوسط. بمشاركة من احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية بمناسبة ختام هذا المشروع وبالتعاون مع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى ومعهد فيينا لدراسة العمران المستدام والاتحاد الأوروبي بالتعاون مع رئاسة جامعة دمشق والمديرية العامة للآثار والمتاحف .
المشروع هو باختصار تطوير سيناريوهات مناسبة لإعادة استخدام الحمام التقليدي كمركز خدمة للمدن الإسلامية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط .
لن أطيل في الشرح عن المشروع فليس هذه غايتي ولكن ما أردت الحديث عنه هو هذا الجهد الكبير من تلك الجهات رفيعة المستوى من حيث صلتها بالثقافة في دولها وفي العالم، والتي تدخلت في أمر قد يعتبره معظمنا أمرا لا أهمية له.. ولكنها الثقافة، الثقافة التي تبحث عن صغائر الأشياء التي تدل على حضارة معينة في زمن معين فتؤرشف لها وتحقق فيها وتكرسها لتكون مستدامة في مناطقها الأساسية.
السؤال الذي خطر ببالي وأنا أحضر حفل افتتاح هذا المؤتمر هو من يضمن أن لا يزول هذا الجهد وأن لا تحرق تلك الدراسات بأمر من سياسي في منطقة من المناطق الست التي تمت فيها الدراسة، متطرف إرهابي إسلامي في واحدة متلك الدول الإسلامية يقوم بتفجير تلك الحمامات لأنها .. سيجد سببا حينها لتكملة الجملة. أو يقوم سياسي من خارج تلك الدول بتوجيه جيوشه وطائراته وأسطوله البحري وكل ما يملكه من أسلحة وهذا ينطبق تماما على أمريكا وشواهد تدميرها لثقافة العراق لايتطرق إليها الشك. وهذا يمكن أن يتكرر في تركيا أو سوريا أو أية دولة أخرى من تلك الدول فيزول هذا الجهد.
الحقيقة هي أن المثقف عندما يقوم بمثل هذا العمل لا يفكر إلا بما سيقدمه للإنسانية من مكاسب ثقافية .. والسياسي لا يهتم إلا بما سيحققه لدولته .. أو لجماعته من مكاسب مادية تزيد من غنى أغنيائه وفقر فقرائه..
ماطرحته هنا ليس دعوة لوقف الأعمال الثقافية .. ولكنه سؤال مشروع .. متى يصبح المثقف قادرا على الدفاع عن نفسه في وجه وحوش السياسة أينما وجدوا؟
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |