محنة النسيان
2006-08-14
انتهت الحرب، أو هكذا نظن على الأقل، وبدأ المهجرون اللبنانيون يعودون إلى مدنهم وقراهم، سيبدؤون بالبناء، والإعمار، وسيعودون إلى حياتهم الطبيعية شيئا فشيئا. ونحن الذين كنا نراقب ما يجري في منازلنا مشدودين أمام شاشة التلفزيون، نصفق للانتصارت الكبيرة التي تحققها المقاومة، وتدمع عيوننا أسفا على ما يجري أمامنا من قتل للأبرياء المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، من يقتلهم، يقتلهم ببرودة أعصاب شديدة، بالنسبة له هؤلاء ليسوا بشرا، لأن حكامهم لا يعاملونهم كبشر، لذلك فبالأحرى به هو أن لا يعاملهم كبشر، فيصطادهم كما الحيوانات بمدافعه ورشاشاته ومدافعه دون أن يلومه أحد، حتى أولياء أمورهم الزعماء العرب.
انتهت الحرب، سيدفن أهل الشهداء شهداءهم، ويعودون إلى بيوتهم المستأجرة بعد أن يشتروا ما يلزمهم من مفروشات وأشياء أخرى للعيش، وشيئا فشيئا .. سينسون ، سينسون شهداءهم، وسينسون ما جرى، ومن كان المتسبب. سينسون أن أمريكا والصهيونيين هم من فعلوا ذلك، وسيبدؤون بالتقاتل فيما بينهم من جديد، ولماذا أتحدث عنهم. نحن أيضا سننسى، ونعود إلى طمأنينتنا السعيدة، ونعود لنلهث خلف الاستهلاك لنشتري البضائع الأمريكية دون أن يرف لنا جفن، وسنستمر بمقاطعة البضائع الدانيماركية ، من أجل الإساءة التي لحقت بالرسول، وكأن كل هذه الإساءات التي لحقت بنا لا معنى لها، وليست بمستوى الإساءة للرسول، سوف نرسل الأموال من أجل إعادة بناء لبنان، السعودية تحديدا ستكون كريمة جدا لأنها تريد أن تخفي جرائمها بحق اللبنانيين وبحق حزب الله تحديدا ، ولأنها ستتلقى أوامر من أمريكا لكي تدفع وتدفع وتدفع. لكن لمن ستذهب هذه الأموال بالنهاية، ستتدفق إلى لبنان أعداد هائلة من الشركات الأمريكية لتعيد بناء ما دمر من بنى تحتية ، ومنازل وجسور، وستخرج بحصة الأسد من كل تلك الأموال وستعطي الفتات لفرنسا ولبعض التابعين لها من عرب وغربيين.
أمريكا تعيش أزمة اقتصادية دائمة ومستفحلة ولا شفاء منها، وهي من أجل التخفيف من حدتها محتاجة إلى أن تعمل شركاتها، شركات الأسلحة تعمل في الحرب، وشركات التعهدات بمختلف أعمالها تعمل في السلم، هي كالمنشار تأكل بالطالع وبالنازل ، وهي والمنشار بيدها، تطلع به حينما تريد فتخترع حربا ما ، وتنزل به حينما تشاء فتوقف الحرب وتسن أسنانها أو أسنان شركاتها التي ستتحول لها الأموال التي بالأساس قد دفعتها ثمنا لبترول السعودية والدول العربية الأخرى.
لعية تقوم بها من زمان، وكلنا نغض الطرف عنها، كلنا نصمت أمام الإغراءات التي دفعتنا إليها، نحن تعودنا على الرفاهية، تعودنا على أن نشتري كل مانرغب به، تعودنا أن نبيع ضمائرنا من أجل حفنة من الدولارات تمكننا من المزيد من الرفاهية التي لامعنى لها، تعلمنا أن نصمت عما تفعله، وتعلمنا أن نصمت على ما يفعله سياسيونا وزعماؤنا وملوكنا ورؤساءنا، وكل من هو أعلى شأنا منا.
هذه الحرب يمكن أن تعلمنا، هؤلاء الذين استشهدوا يمكن أن يعلمونا، أنه ولشهر ونيف بدأ الناس ، الآخرين، بعدين أو قريبين ، ينظرون إلينا بشيء من الاحترام، نحن لا نراه في أنفسنا، نحن لا نرى سوى صورة مشوهة عن دواخلنا، ولكنهم يرون رجالا قاتلوا ببسالة ، أمريكا وإسرائيل، ودون اهتمام بأي شيء سوى بكرامتهم أولا ثم بالكرامة العربية.
همسات تجول بالخفاء أن لحزب الله أهداف خفية لحربه تلك، قد يكون الأمر كذلك، وهو ليس كذلك، ولكن يكفي تلك المشاعر الجميلة التي لا يعرفها أي ممن ولدوا بعد عام 1970 حيث مشاعر القومية والوطنية لم تعد موجودة في قاموسهم، ونحن حذفناها من قاموسنا، وحذفنا جميعا كلمة كرامة، وتركنا كلمة الذل الذليل المهانة، الاحتقار، فهكذا يرانا العالم ، وهكذا نرى أنفسنا، دون أن يرف لنا جفن.
الشهر ونيف لا يعوض لأمريكا سوى الأموال ، ولكنها خاسرة فما جرى في هذه الحرب أعتقد أنه سيغير كثيرا، كثيرا جدا فلننتظر.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |