شكرا لأنك أشعرتني ماذا يعني أن يخون الكاتب قلمه
2008-08-10
كثر هم الأصدقاء الذين ماتوا، سبقون بثوان وماتوا، خلفونا وراءهم ننتظر موتنا ، ونحن محاصرون، محاصرون بالخيانات والمؤامرات والسجون والأمن والحروب والمجاعات .. الوحيد محمود درويش هو الذي جعل قلمي يخونني .. أمصيت يوما ونصف أكتب وأمحيو .. دون جدوى .. كان الحزن أقوى من قلمي .. لهذا اخترت أن انقل هنا ماكتبه في إحساسه بموته القادم ..
مقاطع شعرية
من الجدارية
... آية الكرسي، والمفتاح لي. والباب والحراس والأجراس لي.
... لي ما كانلي. وقصاصة الورق التي انتزعت من الإنجيل لي، والملح من أثر الدموع على جدار البيتلي..
واسمي، إن أخطأت لفظ اسمي، بخمسة أحرف أفقية التكوين لي:
ميم / المتيموالميتم والمُتَمم ما مضى
حاء / الحديقة والحبيبة، حيرتان وحسرتان
ميم / المغامر والمعد المستعد لموته
الموعود منفيا، مريض المشتهى
واو / الوداع،الوردة الوسطى
ولاء الولادة أينما وجدت، ووعد الوالدين
دال / الدليل،الدرب، دمعة، دارة درست، ودوري يدللني ويدميني
وهذا الإسم لي... ولأصدقائي،أينما كانوا،
ولي جسدي المؤقت حاضراً أم غائباً...
متران من هذا الترابسيكفيان الآن... لي متر و٧٥ سنتيمتراً... والباقي لزهر فوضوي اللون، يشربني علىمهل.
ولي ما كان لي: أمسي، وما سيكون لي، غدي البعيد، وعودة الروح الشريد كأنشيئا لم يكن...
... أما أنا وقد امتلأت بكل أسباب الرحيل ـ فلست لي. أنا لست ليأنا لست لي... جدارية ١٩٩٩
ومن الجدارية أيضا
سطراً سطراً أنثرك أمامي بكفاءة لم أُوتهاإلا في المطالع
وكما أوصيتني، أقف الآن باسمك كي أشكر مشيعيك إلى هذا السفرالأخير، وأدعوهم إلى اختصار الوداع...
ولنذهبن معاً أنا وأنت في مسارين: أنتإلى حياة ثانية وعدتك بها اللغة، في قارئ، قد ينجو من سقوط نيزك على الأرض.
من حالة حصار
وأنا إلى موعد أرجأته أكثر من مرة، مع موت وعدته بكأس نبيذ أحمر في إحدىالقصائد...
فلأذهب إلى موعدي، فور عثوري على قبر لا ينازعني عليه أحد من غيرأسلافي، بشاهدة من رخام لا يعنيني إن سقط عنها حرف من حروف أسمي، كما سقط حرف الياءمن اسم جدي سهواً. ... يقول على حافة الموت: لم يبق بي موطئ للخسارة،حر أنا قرب حريتي وغدي في يدي... سوف أدخل، عما قليل، حياتي، وأولد حراً بلا أبوين،وأختار لإسمي حروفاً من اللازورد.
من أثر الفراشة
وإن قيل لي ثانيةً: ستموت اليوم،
فماذا تفعل؟ لن أَحتاج الى مهلة للرد:
إذا غلبني الوَسَنُ نمتُ. وإذا كنتُ
ظمآنَ شربتُ. وإذا كنتُ أكتب، فقد
يعجبني ما أكتب وأتجاهل السؤال. وإذا
كنت أتناول طعام الغداء، أضفتُ إلى
شريحة اللحم المشويّة قليلاً من الخردل
والفلفل. وإذا كنتُ أُحلق، فقد أجرح
شحمة أذني. وإذا كنتُ أقبِّل صديقتي،
التهمتُ شفتيها كحبة تين. وإذا كنت
أقرأ قفزت عن بعض الصفحات. وإذا
كنتُ أقشِّر البصل ذرفتُ بعض الدموع.
وإذا كنتُ أمشي واصلتُ المشي بإيقاع
أبطأ. وإذا كنتُ موجوداً، كما أنا الآن،
فلن أفكِّر بالعدم. وإذا لم أكن موجوداً،
فلن يعنيني الأمر. وإذا كنتُ أستمع الى
موسيقى موزارت، اقتربتُ من حيِّز
الملائكة. وإذا كنتُ نائماً بقيتُ نائماً
وحالماً وهائماً بالغاردينيا. وإذا كنتُ
أضحك اختصرتُ ضحكتي الى النصف احتراماً
للخبر. فماذا بوسعي أن أفعل؟ ماذا
بوسعي أن أفعل غير ذلك، حتى لو
كنتُ أشجع من أحمق، وأقوى من
هرقل؟
(من «أثر الفراشة» ــــ «دار الريّس»، بيروت 2008)
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |