حوار بيني وبين عبد القادر الحصني / النقل جهل و إعمال العقل هو المنقذ.
2009-12-11
أثارت الافتتاحيتان اللتان كتبتهما عن الإسلام وسبل الوصول به إلى القرن الواحد والعشرين، والأحاديث النبوية التي استخدمتها كأمثلة، بسبب ما احتوته من كلمات يجدها البعض فجة، إذا رآها مكتوبة، مع أن معظمنا يستخدمها عشرات المرات بينه وبين أصدقائه، ذكورا وإناثا، في اليوم الواحد .
اللغة هي اللغة، و ما هو موجود في معاجم اللغة العربية، جاء من الكلام الذي استخدمه عرب الجاهلية والإسلام في الجزيرة العربية في حياتهم اليومية. وحين أقول حياتهم اليومية يعني في كل مجالات عيشهم، ومهما كانت صفة الآخر الذين يتحدثون معه.
من هذا الكلام، كلمات وتسميات تخص الجنس، ومعروف أن الجنس كان موضوعا هاما عند العرب، وكانوا يعتبرونه كما الأكل والشرب. وكان الزواج والطلاق ثم الزواج والطلاق لدى المرأة والرجل أمر بسيط وسهل ولا حرج فيه. كما لم يكن من حرج في استخدام لغة الجنس كما هي دون خجل منها أو تردد.
ما حدث خلال عصور، من تطور مديني، أن الأخلاق اختلفت، واختفت هذه الكلمات من قاموس اللغة اليومية والأدبية بل أن القبلة صارت تقطع من المشاهد السينمائية والتلفزيونية في القنوات العربية، بسبب من رجال الدين الذين تمسكوا بحرفية القرآن والحديث النبوي دون أي محاولة للنظر إليه كموضوع قابل للنقاش والاجتهاد والإضافة.
تحدثت في الافتتاحيتين المذكورتين عن اللغة التي كانت مستخدمة فيما يخص الجنس في صدر الإسلام، ومن قبل النبي دون أن يشعر بحرج من تلك الألفاظ. وسقت أمثلة على ذلك. تلك الأمثلة هي التي كانت مثار جدل في أوساط المثقفين بين مؤيد لي ومعارض. وكنت حيثما توجهت يبادرني أحدهم ما هذا الذي فعلته؟ أقول وماذا فعلت؟ يقول تلك المادة!!!؟ ملمحا ومتلاعبا بعينيه يريد أن ينال مني.
فندخل في نقاش لا نصل به إلى نتيجة. طبعا كثيرون كتبوا مؤيدين لما ذهبت إليه وكثيرون واجهوني ممتدحين ما كتبت.
من الأشخاص الذين اعترضوا على العنوان " أنكتها " كان الشاعر عبد القادر الحصني فحين رآني بادر قائلا بلطف يا رجل أنسيت كل ما صنعه النبي من معجزات عسكرية وحضارية أنسيت كيف استطاع أن يؤسس إمبراطورية إسلامية هزت عروش الإمبراطوريات التي كانت تحكم عالم تلك الأيام ولم تجد سوى حديث قاله بشكل عارض لرجل سأله.
قلت له، هذا لا يلغي ذاك، وأنا لا أنكر ما حققه الرسول من انتصارات في مجال بناء الدولة، والانتصارات العسكرية, ولكن موضوعي كان محددا، وكان يحتاج إلى هذه الأمثلة ولم أسقها اعتباطا، بل كانت ضرورية للوصل إلى النتيجة التي وصلت إليها.
تناقشنا مطولا، ولا أنكر أن نقاشنا هذا هو ما دفعني للكتابة مجددا في هذا الموضوع. فلا أحد يشك ببراعة النبي في تأسيس الدولة، وكما يحتاج تأسيس الدولة إلى حروب واتخاذ قرارات سياسية ذكية. كانت الحياة اليومية تاخذ من وقت النبي ما يكفي حاجتها، وكان على النبي أن يكون حاضرا فيها، ليفتي في كثير من الأمور التي تخص حياة الناس ومنها على سبيل المثال لا الحصر الجنس. وكان دائما يريد أن يعلمهم أمورا في الدين ومن ضمنها ما يتعلق بتفسير آيات محددة لم يتضح لهم معناها في حديث صحيح ( قال الشافعي ) رضي الله عنه قال الله عز وجل } نساؤكم حرث لكم { الآية ( قال الشافعي ) احتملت الآية معنيين أحدهما أن تؤتى المرأة من حيث شاء زوجها لأن" أنى شئتم" يبين أين شئتم لا محظور منها كما لا محظور من الحرث ، واحتملت أن الحرث إنما يراد به النبات وموضع الحرث الذي يطلب به الولد الفرج دون ما سواه لا سبيل لطلب الولد غيره فاختلف أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن فذهب ذاهبون منهم إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه، وأحسب كلا الفريقين تأولوا ما وصفت من احتمال الآية على موافقة كل واحد منهما ( قال الشافعي ) فطلبنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا حديثين مختلفين أحدهما ثابت وهو حديث ابن عيينة عن محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كانت اليهود تقول من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم. )
" أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع قال أخبرني عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح أو عمرو بن فلان بن أحيحة بن الجلاح أنا شككت ( يعني الشافعي ) عن خزيمة بن ثابت { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو إتيان الرجل امرأته في دبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي حلال فلما ولى الرجل دعاه أو أمر به فدعي فقال كيف ؟ قلت في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن } قال فما تقول ؟ قلت عمي ثقة وعبد الله بن علي ثقة وقد أخبرني محمد عن الأنصاري المحدث بها أنه أثنى عليه خيرا وخزيمة ممن لا يشك عالم في ثقته فلست أرخص فيه بل أنهى عنه" .
والنبي لم يتوان عن الإرشاد في كل ما يخص أمور المسلمين حتى أظن أنه افتعل حادثة ليعلمهم منها ما يريد وأن يكون قدوة لهم. في حديث صحيح ومروي في جميع كتب الحديث قال:"حدثنا عمرو بن علي, حدثنا عبد الأعلى, حدثنا هشام بن أبى عبد الله, عن أبى الزبير, عن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهى تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: إن المرأة تقبل فى صورة شيطان وتدبر فى صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما فى نفسه".
ولا أحد منا يستطيع أن ينكر أهمية الحياة الجنسية في الجاهلية ومن ثم بالإسلام. وقد كان واضحا أن الرسول حين كانت تعرض أمامه مشكلة تخص الزنا كان يحاول أن يتهرب منها، ويترك مجالا لمن سأله أن يتراجع عما يعرضه. ففي حديث صحيح سأذكر مراجعه لمن يريد وحتى لا يأتي جاهل ويقول لم يقل رسول الله هذا ولم يفعل النبي ذلك " حدثنا وكيع حدثنا هشام بن سعد أخبرني يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال [ ص: 217 ] كان ماعز بن مالك في حجر أبي فأصاب جارية من الحي فقال له أبي ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرج فأتاه فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله فأعرض عنه ثم أتاه الثانية فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله ثم أتاه الثالثة فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله ثم أتاه الرابعة فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك قد قلتها أربع مرات فبمن قال بفلانة قال هل ضاجعتها قال نعم قال هل باشرتها قال نعم قال هل جامعتها قال نعم قال فأمر به أن يرجم قال فأخرج به إلى الحرة فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس وقد أعجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله قال ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه قال هشام فحدثني يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي حين رآه والله يا هزال لو كنت سترته بثوبك كان خيرا مما صنعت به".
أن يُعرض النبي عن رجل جاءه معترفا بالزنا ثلاث مرات وفي الرابعة يحاول جعله ينفي واحدة من التهم التي تستدعي الرجم ولكنه لا يفعل، ويضطر النبي أن يقيم عليه الحد. أليس معنى ذلك أن النبي يريده أن يتراجع عن اعترافه رحمة به، ألم يكن النبي يعرف كم من الزناة يرونه كل يوم ولا يعترفون بما فعلوه فلم يرد لهذا الصادق أن يرجم. ألم يكن في حزنه على مقتله دليل أنه لم يكن راضيا عما فعله عبد الله بن أنيس فقال لمن نقل له الخبر هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب عليه الله.
ماذا يمكن أن نستدل من هكذا حديث ومن أحاديث كثيرة تقودنا إلى أن النبي لم يرغب أن يكون متشددا في تطبيق الأحكام الجائرة، وكان يجهد في أن يترك لمن يريد أن يتراجع عن اعترافه الخيار. وذلك كما يرى النبي يمكن أن يترك أمره لله لعله يتوب عليه.
هذه الأحاديث، تعطينا فكرة عما يمكن أن نفعل في حاضرنا، تعطينا درسا في أنه ليس كل ما جاء به القرآن وفي حديث النبي لا يمكن الرجوع عنه. فطالما النبي رجع عن كثير منه في حياته، في آيات تنسخ آيات أخرى.. فحين غادرنا النبي من أين لنا بوحي ينسخ كثيرا من الآيات التي لو عاش فترة أطول لنسخ كثيرا منها.
كل ما أكتبه في هذا الشأن أقصد به الوصول بالإسلام لمرحلة حضارية تجعلنا شعوبا محترمة وحضارية. وطالما مازال كثير من المسلمين يسأل على سبيل المثال أسئلة مثل "أين يضع الطاسة أثناء الوضوء على يمينه أو شماله" فلن نتطور عما نحن عليه قيد أنملة، وسيظل الإرهاب معتمدا على الدين، بل على ما يختاره بعناية من الآيات القرآنية ومن حديث النبي، حين يحرض على القتل والإرهاب مساكين يؤمنون بأنهم سيلاقون حور العين في الجنة إذا قتلوا آلاف الأبرياء.
فكروا كثيرا أيها المسلمين الخاضعين دون تفكير لشيوخكم الجهلة .. فكروا بأنفسكم وخذوا القرارات .. أقرأوا دينكم بأنفسكم ولا تعتمدوا على شيوخ جهلة، أو مدفوعين. ألا يستحق دين كالإسلام أن يكون طليعيا كبقية الديانات .. سيكون ذلك حينما نقرر أن النقل جهل وأن إعمال العقل هو المنقذ.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |