"فَيْـــــرُوزُ"، رفيقةَ عُمْرِنَا .. لَنْ نتخلَّى عنكِ.
2010-08-06
ما مِنْ مسرحيَّةٍ مِنْ مسرحيَّاتِ فيروزَ والرَّحابنةِ إِلا وتحدَّثَتْ عنِ الفسادِ، وحُبِّ المالِ، والسُّلطةِ المُستبِدَّةِ؛ ما مِنْ مسرحيَّةٍ لمْ تنتقِدِ الأوضاعَ الاجتماعيَّةَ والسِّياسيَّةَ الَّتي سادَتْ في تلكَ المراحلِ الَّتي عاشُوا فيها.
مَنْ كانَ يُصَدِّقُ أَنَّهُمْ هُمْ أَنْفُسُهُمْ سيصيرونَ موضوعاً قابلاً لِيكونَ مسرحيَّةً، هُمُ الأشرارُ فيها.؟.!.
المالُ مَفْسَدَةٌ، وأولادُ منصورَ أفسدَهُمُ المالُ، وأعمَى بصائرَهُمْ عنْ تاريخِ العائلةِ المُتَمَثِّلِ في الأرشيفِ الكبيرِ مِنَ الأعمالِ الفنِّيَّةِ الَّتي قامُوا جميعاً بإنجازِها لِتكونَ مُتكاملةً، فيما هؤلاءُ الأولادُ كانُوا لا يزالونَ في عالَمِ الغَيْبِ.!.
تلكَ الأعمالُ الَّتي تَرَبَّتْ عليها أجيالٌ تَلَتْ أجيالاً، وكانَ الاستماعُ إلى صوتِ "فيــروزَ" في الصَّباحِ يعني بدايةَ يومٍ مليءٍ بالتَّفاؤُلِ.
مَنْ مِنَ السُّوريِّينَ ينسَى برنامجَ "مرحباً يا صباحُ" الَّذي كانَ يُبَثُّ وَقْتَ استيقاظِ العائلةِ، وبَدْءِ النَّشاطِ اليومِيِّ استعداداً لِلذَّهابِ إلى العملِ أوِ المدرسةِ. أكادُ أجزِمُ أَنْ ما مِنْ بيتٍ كان يمتلكُ "الراديو" إلا ويكونُ أوَّلُ ما يفعلُهُ هُوَ فَتْحُهُ على صَوْتِ شارةِ البرنامجِ، وصَوْتِ "فيــروزَ". أجيالٌ تَرَبَّتْ على أَنْ تستيقظَ على صوتِها الصَّباحِيِّ، أجدادٌ وآباءٌ وأبناءٌ. تُرَى كيفَ تنظرُ تلكَ الأجيالُ إلى هؤلاءِ العاقِّينَ.؟. وأيُّ شعورٍ يُكِنُّونَهُ لَهُمْ.؟.
كيفَ يُمْكِنُ لأولادِ "منصورَ" أَنْ يتخلَّوْا عنْ تاريخِهِمُ الفنِّيِّ، عنِ اسْمِ عائلتِهِمُ الفّنِّيِّ، عنْ كونِهِمْ كباراً، وكباراً جدَّاً لأَنَّهُمْ أبناءُ الرَّحابنةِ.؟. تُرَى لو ملكُوا مالَ الدُّنيا كُلَّهُ، مالَ "قارونَ"، أوْ كَنْزَ "علي بابا"، وكُلَّ أموالِ النِّفطِ الَّذي أَوْصَلَنَا إلى ما نَحْنُ فيهِ مِنْ تراجعٍ في الأخلاقِ،وفسادٍ، وعُقُوقِ الآباءِ؛ هلْ كانَ أَحَدٌ في العالمِ يهتمُّ بِهِمْ.؟. هلْ سيُعرَفُونَ إِلا في موسوعةِ "جينيس" لِلأثرياءِ.؟. أو في قائمةِ أغنَى أغنياءِ العالمِ.؟. هلْ يُساوِي ذلكَ نَظْرَةَ حُبٍّ مِنْ عُشَّاقِ "فيــروزَ" والرَّحابنةِ.؟. وهُمْ بِالمُطْلَقِ كُلُّ الشُّعوبِ العربيَّةِ، حينَ يَرَوْنَهُمْ، يُحَيُّونَهُمْ بِحُبٍّ، لا لأنهم "مروانُ"، وغَدِيُّ، وأسامةُ"؛ وإنَّما لأَنَّهُمْ مِنْ عائلةِ الرَّحابنةِ، تلكَ العائلةُ الَّتي قَدَّمَتْ فَنَّاً رفيعاً يَنْدُرُ أَنْ يتكَرَّرَ.
موضوعاتُ مسرحيَّاتِ الرَّحبانِي متناقضةٌ تناقضاً تامَّاً معَ ما يجري على السَّاحةِ الآنَ، فبينَما أمضَى الرَّحابنةُ حياتَهُمْ يُناضلُونَ ضِدَّ الفسادِ، والظُّلْمِ، والحُروبِ الأهليَّةِ، ونَهْبِ الثَّرَواتِ، داعِيْنَ إلى البساطةِ؛ يأتي أولادُ "منصورَ"، وهُمْ أبناءُ جيلِ النِّفْطِ لِيتصرَّفُوا وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يتعلَّمُوا شيئاً مِنْ مسرحيَّاتِ أبيهِمْ وعمِّهِمْ، وسيِّدةِ الكُلِّ "فيــروزَ"، بَلْ على العكسِ، تصرَّفُوا كالأشرارِ في مسرحيَّاتِ الرَّحابنةِ.!.
في مسرحيَّةِ "هــالةَ والملكِ" يُريدُ الملكُ أَنْ يتزوَّجَ "هالــةَ" الفقيرةَ، ويُقِيمُ احتفالاتٍ تستمِرُّ أربعينَ يوماً، يُقَدِّمُ فيها الطَّعامَ والشَّرابَ لِشَعبِهِ المِسكينِ، يُقَدِّمُ الطَّعامَ مِنْ نَهْبِهِ أموالَ هذا الشَّعْبِ، أَيْ "مِنْ دِهْنُو سَقِّيلُو". ولكنَّ "هـالةَ" عندما يحينُ موعِدُ الزَّواجِ ترفضُ أَنْ تتزوَّجَ؛ ويدورُ هذا الحديثُ بينَها وبينَ المَلِكِ الَّذي تَنَكَّرَ في هيئةِ شَحَّاذٍ لِيعرفَ سَبَبَ رَفْضِهَا، نقتطفُ مِنْ مُلخَّصٍ لِلمسرحيَّةِ:
"جاءَ يومُ العُرْسِ, وأَمَرَ الملكُ أَنْ تَحْضَرَ الأميرةُ. أخبرُوهُ إِنَّها تُعِدُّ نَفْسَهَا لِلاحتفالِ, لِكِنَّ شَحَّاذَ المدينةِ أخبرَهُ بحقيقةِ أَنَّ "هـالةَ" ترفضُ الزَّواجَ منهُ؛ تَنَكَّرَ المَلِكُ بثيابِ الشَّحَّاذِ, وقابلَ "هـالةَ", لِيعرفَ مِنْهَا سَبَبَ الرَّفْضِ.
عَرَفََ الحقيقةَ مِنْهَا, أَخْبَرْتُه عَنِ الفَقْرِ في المدينةِ, وعَنْ غِشِّ مُساعِدِيْهِ؛ كَرَّرَتْ رَفْضَهَا الزَّواجَ مِنَ المَلِكِ، وَعَبَّرَتْ عَنْ كُرْهِهَا استِغْلالَهُ. ثُمَّ اكتشفَتْ أَنَّها تتحدَّثُ معَ الملكِ ذاتِهِ, وكانَتْ مُنْدَهِشَةً كيفَ تكلَّما بهذه البَساطَةِ.
نصيحتُها الأخيرةُ لِلملِكِ كانَتْ ألَّا يُحاكِمَ، أَوْ يَسْجِنَ جَمْعَ المُخادِعِيْنَ الَّذينَ يُحيطُونَ بِهِ, لأَنَّهُ عندَها لَنْ يبقَى مَنْ يَحْكُمُهُ. تنتهي المسرحيَّةُ بِأَنْ تُغادِرَ "هــالةُ" المدينةَ كما دَخَلَتْهَا: غيرَ مُتزوِّجةٍ, فقيرةٍ, وشريفةٍ."
نصيحتي الأُولى وليسَتِ الأخيرةَ لـِ "مروانَ، وغَدِيٍّ وأسامةَ": خُذُوا إِجازةً، واعتكِفُوا في مكانٍ لا تَرَوْنَ فيهِ أحداً مِنَ النَّاسِ، وأَعِيْدُوا الاستماعَ إلى مسرحيَّاتِ الرَّحابنةِ؛ أبيكُمْ وعَمِّكُمْ، والنُّورانِيَّةِ "فيــروزَ"، لَعَلَّكُمْ تأخذُونَ مِنْهُمْ درساً، هُمُ الَّذينَ ربَّما انشغلُوا عنكُمْ - وقَدْ يكونُ هذا خَطَؤُهُمُ الوحيدُ – بِالكتابةِ، والتَّلْحِينِ والغِناءِ مِنْ أَجْلِ جِيْلٍ يَمْتَدُّ مِنَ المُحيطِ إلى الخليجِ، وهذا يغفِرُ لَهُمْ هَذَا الخَطَأَ، وعليكُمْ أَنْ تستدرِكُوه حِفاظاً على سُمْعَتِهِمْ.
تَعَلَّمُوا مِنْهُمْ .. وَاتْرُكُوا شَرَّ المالِ.
عِيْشُوا مثلَ "هالـــةَ" فقراءَ، وَلَكِنْ شُرَفَاءَ.!!.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |