Alef Logo
يوميات
              

حكاية من " كليلة ودمنة

دلور ميقري

خاص ألف

2013-06-04

يُحكى أن زوجَيْن من اللقلق انتقلا من داخل المدينة إلى سورها، فابتنيا عشهما هناك وخلّفا البنين والبنات. المكان، كان يسوده الهدوءُ والدِعَة؛ فلا جَلبة لسوقٍ ولا ضجّة لخلقٍ، بل عَرَصَة مخضوضرة تمتدّ تحت السور، تكتنفها الأشجار والخمائل والأجمات. فضلاً عن ذلك، أسعد اللقلقُ حقيقةَ أن الرزقَ كان مبذولاً هنا، لكثرة الأفاعي والزواحف الأخرى.
ذات ليلة ربيعية، معتدلة الهواء، مثخنة السماء بغيوم حَجَبت القمرَ والنجوم، أفاق ذكرُ اللقلق من هناءة النوم وهو يشعرُ بالقشعريرة. أراد تعديلَ رقاده، حينما لفتَ نظره سحابة سوداء، تزحف حثيثاً من ناحية البادية، البعيدة. ما أن تمعّن ملياً في ذلك المشهد، حتى انتفضَ مذعوراً: إنّ ما بدا لعينيه، لوهلةٍ، أنها فلولُ الريح الشرقيّ، لم تكن في واقع الحال سوى جيش لجب. وما جعل اللقلق على يقين من رؤياه، هوَ توقف هذا الزحف، على حين فجأة، ما أن صارَ بمحاذاة التلال القريبة من السور.
" انهضي، يا هذه..! "، همسَ الطائرُ لقرينته بصوتٍ يجلله الحذر والرهبة. بدورها، انتفضت انثى اللقلق ما أن علِمَت بداعي الازعاج. ثمّ ما لبثت أن تساءلت، بعدما استعادت بصرَها من ناحية الخلاء: " لا بدّ أنهم من الأعداء! ". هز رجلها رأسَهُ موافقاً، وهوَ ما يفتأ مستغرقاً في التفكير. عندئذٍ، تململت الأخرى: " ها، ماذا يدور في رأسكَ؟ " سألته في خوف. أفاق ذكرُ اللقلق من سبات الفكر، وما عتمَ أن أجاب رفيقته: " لطالما اتهمنا الإنسانُ بالحماقة والغفلة.. "، قالها بنبرَة أكثر ثقة، ثمّ أضافَ " واليوم، علينا أن نثبت للناس بأننا لسنا مثلما يدّعون! "
" ماذا يدور في رأسك، يا رجل؟ "
" لا تخشي شيئاً، فما علينا إلا العودة للنوم "
" كيف!.. كيف لنا أن ننام مطمئنين، والأعداء لا يلبثون حتى يطبقوا على سور المدينة؟ "، هتفت الأنثى بارتياع. فما كان من ذكرها سوى تنبيهها: " صه! لا ترفعي صوتك، فتوقظين الحراسَ ". فعادت هيَ لتستفهمَ وقد أشكِلَ الأمرُ عليها: " ولكننا سنوقظ هؤلاء الحراسَ، على كل حال.. أليس كذلك؟ ". وعلى الرغم من العتمة، البهيمة، فقد خيّل لأنثى اللقلق أنها رأت بارقاً من الابتسام على منقار رجلها، الدقيق والمتناسق. إثر هنيهة صمتٍ، أجابَ هوَ بنبرة منتصرة " لا، سندعهم في سباتهم يعمهون! إن إيقاظنا لهم، سيؤدي إلى نهوض المدينة مع جيشها للتصدي للغزاة. وعند ذلك، من الصعب أن نواصلَ حياتنا هنا في هذا المكان المزدهر، الآمن..! "
" ربّاه! ماذا تقول؛ أمن الحكمة أن نغض أبصارنا عن جيش العدو وهو في سبيله لأخذ مدينتنا وإهلاك أهلها؟ "
" ومن قال أنها كانت مدينتنا، أو أن أهلها كانوا يوماً أصدقاء لنا؟ "، أجابها بسؤال فيه ما فيه من السخرية والمرارة. ثمّ أردفَ قائلاً بشيء من الهدوء " ما علينا سوى النأي بأنفسنا عن هذا الصراع، وفي التالي، الركون إلى نتيجته! ".
ثمّة، خلف صخور التل، القريب من سور المدينة، كانت طلائعُ الغزاة ما تزال متوارية، وقابعة بلا أي حركة أو نأمة. حتى إذا انتهى مقدَّمُها من تقدير الموقف بعينيه الضيقتين، المتفحصتين، فإنه التفتَ إلى مساعده ليقول بصوت خافت: " مثلما ترى، فإن الجنودَ نائمون. ولم نلحظ هناك، على السور، أيّ شيء يدلّ على تبديل نوبة الحراسة "
" أجل. لم ألحظ أي حركةٍ مريبة ثمّة، اللهمّ سوى لزوج من طائر اللقلق.. "
" ولكي لا نزعج خاطرَ هذا الزوج فيوقظ الحرسَ بطيرانه أو صوته، فإننا سنقوم برميه بالنبال قبيلَ لحظة تسلقنا السور! "، قالها المقدّمُ متبسّماً بخفةٍ. ثمّ ما عتمت طلائع الغزاة، على الأثر، أن اعطيت لأفرادها إشارة الانطلاق للتسلل نحو سور المدينة، النائمة.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

حكاية من كليلة ودمنة 8

04-آب-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 7

27-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 6

18-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 5

11-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 4

06-تموز-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow