Alef Logo
يوميات
              

حكاية من " كليلة ودمنة " 5

دلور ميقري

خاص ألف

2013-07-11

يقال، أن امرأة عجوز كانت تقيم في كوخ صغير على طرف إحدى المدن، وأنها امتلكت قوى خارقة، بدنية وسحرية. إلا أن هذه العجوز، لسوء الحظ، كانت شريرة بحسب ما تمّ تداوله عن مسلكها. وربما أن الأمرَ يتعلق بمنع الناس من ارتياد نبع الماء العذب، الوحيد، المتفجر من صخرة منيفة تشرف على التلة المخضوضرة، أين يقبع ذلك الكوخ، الذي تقيم فيه هذه المرأة الساحرة. وإذن، اضطر الخلق لتأمين حياتهم بوساطة تجميع ماء المطر في برك عشوائية، مما جعله عرضة للتلوث، وفي التالي، لتفشي الأمراض وحتى الأوبئة. حينما لم تجدِ الأدعية والصلوات، اتجه بعضهم إلى الملك وتجرأ على ابداء سخطه لعجز السلطة عن حمايتهم من هذا الشر المستفحل، المقيم.
" قسماً برأسي، سأجعل من يخلصنا من العجوز الساحرة صهراً لي، وأيضاً ولياً للعهد بما أنني لم أنجب سوى ابنتي الوحيدة، الحبيبة "، هتف الملك أخيراً بقنوط أمام وفد الأهالي المحتجين. " كلام جميل؛ ولكن، من هو هذا الأحمق الذي سيفوز بابنة ولي نعمتنا، الجميلة؟ "، ردد بعض الحضور في سرّه. وعلى أي حال، لم يلبث الحمقى أن تكاثروا، ما أن تناهى اليهم عرضُ الملك، المغري. غير أن هؤلاء، كما كان متوقعاً من صفتهم، أخذوا بالتساقط صرعى، الواحد بإثر الآخر، تحت ضربات العجوز الرهيبة.
ذات يوم، مشرق بشمس الربيع الحيية، ظهر شخصٌ غريب على الطريق الجبلية، الوعرة، المفضية للمدينة المنكوبة. كان فتىً في مقتبل العمر، وسيماً، فارع القوام ومتينه. بدا من مشية الشاب وحركاته، المطمئنة وغير المكترثة، أنه على غير ذي صلة بهمّ البلد، الموصوف. هذه الملاحظة، للحقيقة، تبادرت أولاً للفتاة المعترضة سبيل فتانا، الغريب، والتي التقت معه عَرَضاً حينما كانت ترعى بقرة الكوخ. ولا ندري، تحديداً، ما إذا كانت الشفقة على شباب الرجل أو شعور آخر، هو ما دفع الخادمة إلى التوجه إليه طالبة منه العودة على أدراجه. بيْدَ أن الآخر، إذ علِمَ بداعي التحذير، فإنه أبدى استهانته به. ولكي يؤكد للفتاة عزمه على التحدي، فإنه بادرَ إلى امساك البقرة بيديه القويتين ثم رفعها إلى أعلى رأسه: " هاكِ صديقتك.. "، قال للخادمة بنبرة ساخرة وهو ينزل الحيوان إلى الأرض برفق.
" هاكَ أيضاً.. أيها الأحمق، المغتر "، صدرَ صوتٌ خشن من خلف الفتى. ما أن رأى هروب الفتاة إلى ناحية الكوخ، حتى أدرك بأن هذه المرأة العجوز هي معلمتها؛ الساحرة. حينما نطقت هذه الأخيرة كلمتها، كانت قد شرعت بانتزاع شجرة سرو، عظيمة الهامة، تظلل الكوخ السعيد، لتقتلعها من جذورها بعنف وتقذفها من ثم باتجاه الفتى. إلا أن هذا، لم يكن أحمق على ما يبدو. فإنه تجنب العاصفة الغاضبة، بأن انبطح أرضاً في سرعة ورشاقة. ثم ما عتمَ أن قفز باتجاه غريمته وتمكن من شل حركتها بقوة ذراعيه، الجبارتين. عند ذلك، صدر عن العجوز تأوه العجز والاستسلام. كان الفتى يهمّ برفع هذه الساحرة، لإلقائها في هوة الوادي، العميقة الغور، حينما فتحت هي فاها لترجوه: " لا تفعل ذلك، أيها الشاب الشجاع، وفي المقابل، سأجعلك أغنى من الملك نفسه "، قالتها بنوع من الثقة.
" وكيف ستجعلينني كذلك، أيتها المرأة الشريرة؟ "، سألها متهكّماً من عجزها وقلة حيلتها. أومأت العجوز إلى ناحية منزلها، وأجابته " البقرة تلك، التي كانت ربيبتي ترعاها، تبرز مؤخرتها ذهباً؛ فسأهبها لك". عاد الفتى إلى شد عضلاته، وما لبث أن طوّح بغريمته نحو هوّة الهلاك تلك، هاتفاً بسخرية: " وإذن، فإنها ستكون لي على أيّ حال ".
فرحُ أهل المدينة بموت العجوز الساحرة، وتأمين نبع المياه العذبة، لم يطل كثيراً. إن من اعتُبرَ " المنقذ "، ما لبث أن اقترن بابنة الملك وصار ولياً للعهد، ثمّ خلّفه على العرش بعد أشهر قليلة. الأمراض، بقيت تفتك بالأهالي وأولادهم حتى مع شربهم للمياه الرقراقة. ناهيك عن جور الحاكم الجديد، الذي فاق سلفه بمراحل، وخصوصاً في فرضه الضرائب وحتى الأتاوات لكي يرضي أقاربه وحاشيته، الطماعين والجشعين.
ويقال، أن الأثر الوحيد، المتبقي من حكم ذلك الملك، المنقذ، لم يكن سوى أطلال التمثال الهائل العلو، المنحوت من البرونز، المقام في مدخل المدينة، والذي يمثله وهو يحمل العجوز الساحرة ويهمّ برميها إلى قرارة الهلاك.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

حكاية من كليلة ودمنة 8

04-آب-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 7

27-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 6

18-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 5

11-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 4

06-تموز-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow