Alef Logo
يوميات
              

حكاية من " كليلة ودمنة " 6

دلور ميقري

خاص ألف

2013-07-18

يقال، أن درويشاً رث الهيئة وغريب الأطوار قد ظهرَ ذات يوم في سوق المدينة، دونما أن يتمكن أحد من تقدير عمره أو تحديد موطنه الأصل. اختار الرجلُ مدخلَ المسجد مستقراً له نهاراً، فما أن يحلّ الغروب حتى يتجه هوَ إلى خارج الأسوار فلا يلبث أن يذوب ثمّة في العتمة المتكاثفة، البهيمة. وإذ اهتمّ أهلُ الفضول بمعرفة أصل وفصل هذا الدرويش، الملتحف خرقة الصوفية، فإنهم حاولوا أيضاً تقصّي مكان مبيته الليليّ. ولكن، عبثاً كانت جهود هؤلاء الناس اللجوجين.

" من يجعلني وريثه، فإنني سأقاسمه كنزي..! "، هكذا دأبَ الدرويش على القول في كلّ مرة. وكان المتصدقون يتبسّمون بخفة، عندما يخاطبهم بذلك القول الغريب. الحق، فلم يكُ الرجل يمدّ يده للناس متسوّلاً، بل كان يقبع في مكانه متهالكاً على أعضائه الهزيلة. حتى جاء أحد الأصباح، فمرّ من أمام مسجد السوق محتسبُ الولاية لكي يشرف بنفسه على أعمال الخلق من تجار وباعة وحمالين ومتسوقين. حينما تناهى إلى الفارس ذاك، العظيم الشأن، القولُ المتعلق بالكنز المزعوم، فإنه شدّ أعنة الخيل ثم راح يلقي نظرات فضولية على صاحبه.

ثمّة، في قصر السلطان، عمّ الهرج والتندّر بين الحاشية ما أن نقلَ المحتسبُ ما سمعه بأذنيه في السوق. عاين المجتمعون علاماتِ الاهتمام على ملامح مولاهم، فلم يكن منهم إلا الخلود للصمت وتصنّع الوقار. دمدمَ السلطان بنبرة جديّة، تفصح ولا شكّ عن مدى تأثره بالحكاية: " ولكن، أيها الموقرون، خزانتنا شبه فارغة ونحن بحاجة ماسّة للأموال ". والي الحسبة، رفع رأسه شامخاً، وهوَ من كان يشعر قبيل هنيهة بأن بعضَ أهل البلاط قد أهان كرامته. على ذلك، تجرأ وقال مؤيداً مولاه " لعمري، فإنني قرأت في صفحة وجه ذاك الدرويش، المجذوب، ما يدلّ على صدقه.. "

" وإذن، ما عليك أيها المحتسب سوى أن تقبض عليه حالاً، لكي يقرّ عن مكان الكنز! "، خاطبَ السلطان تابعَهُ في نفاد صبر. بيْدَ أن المخدوم، حسبما ظهرَ من الضيق في قسماته، لم يكن متحمّساً لهذا الإجراء. وها هوَ يبالغ في ثقته بنفسه، فيقول لمولاه معترضاً " أيها المليك، العظيم! لتأذنوا لي بلفت نظركم إلى مسألة هامة. فبحسب تجربتنا الطويلة في إقرار المشبوهين وإجبارهم على الاعتراف، فإنني لحظتُ أن بعضهم يعتقدُ بأنه لا يخسر شيئاً حينما يقضي في التعذيب أو على النطع. وهذا الشخص المجذوب، هوَ من ذات الصنف، الموصوف "

" وهل تريدني، إذن، أن أجعله وارثي..؟ "

" أعوذ بالله، يا مولانا! "، أجاب والي الحسبة بنبرة خضوع وخشوع ثمّ استطرد بالقول " بل نأتيه بالحيلة؛ كأن تقسم له، مثلاً، بأنك موافق على شرطه ". حدّق السلطان ملياً في ملامح تابعه، وقد بدا على حيرةٍ بيّنة مما يسمع. هنا، بادر الآخرُ إلى توضيح فكرته " ستقسمون له، يا مولانا، بأنكم ما دمتم سلطاناً فلن تحنثون بوعدكم في جعله وريثاً. قبل ذلك، نكون قد دبرنا الأمرَ بحيث يستلم أمير الجند منصبَ السلطنة مؤقتاً ليوم أو نحوه ". ما أن سمعَ المليك باسم الأمير المعنيّ، حتى أشاح وجهه وقد اعتراه مظهرُ السخط والتبرّم. أخيراً، وبعد طول تفكير، وافق السلطان على الخطة مشترطاً بدَوره أن يكون المحتسب هوَ الحاكم المزعوم، الصوريّ.

رواة الحكاية، اختلفوا فيما يخصّ خاتمتها. ولكن رواية أحدهم هيَ الأقرب للحقيقة، بما أنها الأبعد عن المنطق. إذ يجزم هذا الراوي، بأن المحتسب قد صارَ سلطاناً شرعياً على البلاد والعباد إثرَ واقعة اكتشاف الكنز. وبحسب تلك الحكاية دائماً، كان المحتسب يعرف سلفاً بأن السلطان لا يثق بأيّ من أمرائه؛ وأنه لهذا السبب، تحديداً، قدّم ذلك الاقتراح بخصوص تزوير القسَم.

من جهته، يبدو أن الدرويشَ، المجذوب، كان قد أصرّ على أن يصطحبَ السلطانَ إلى كهفٍ في قلب الجبل، ثمّة أين من المفترض أن يكون الكنز الموعود مخفياً. كوكبة من أشداء الحرس، كانت تحيط بالموكب السلطانيّ حينما وصلَ إلى المكان المطلوب. فما أن ترجلَ الرجال قدّام باب المغارة، حتى فاجأ المجذوبُ مولاه، حينما طلبَ بنبرة حاسمة أن يدخلا لوحدهما للتنقيب عما دعاه " صندوق قارون ". إثرَ وهلة تردد، وافق السلطان على الطلب ثمّ ما عتمَ أن رافق الآخر إلى مجاهل الكهف.

تلك، كانت المرة الأخيرة، التي سيقدّر فيها لأحد أن يَرى صاحبَ المُلك أو وريثه.








تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

حكاية من كليلة ودمنة 8

04-آب-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 7

27-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 6

18-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 5

11-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 4

06-تموز-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow