Alef Logo
يوميات
              

حكاية من " كليلة ودمنة " 3

دلور ميقري

خاص ألف

2013-06-22

يقال أن أهل الغابة اجتمعوا يوماً ( وهم نادراً ما كانوا يفعلون ذلك )، وتداولوا في مشكلتهم مع الأسد. كان الثعلبُ أول المتكلمين، هز ذيله تعبيراً عن الألم وقال: " ها أنتم ترون الوضع، كان ملك غابتنا يصيد لكي يأكل، مكتفياً ببضع طرائد لنفسه ولأهله. أما الآن، فإنه وجماعته يقتلون لمجرد الرغبة بالقتل والانتقام! ". حرك الخنزير البريّ رأسه موافقاً، وعقّب بالقول: " صدقت، كان وضعنا أفضل ". كبيرُ جماعة الغزلان، المعروف بسداد الرأي عند الآخرين، أبدى الامتعاض مما سمعه: " هل أفهمُ، مما تفضلتما، أننا كنا على خطأ حينما تمردنا على جور الأسد وجشعه؟ "، قالها متوجهاً للخنزير والثعلب. هذا الأخير، تلوّى مجدداً مُظهراً تأثره، وبادر مجيباً: " ليسَ تماماً، يا صديقي المبجّل! "، ثم أردفَ وقد لمعت عيناه ببريق غامض " ولكنني كنتُ أتساءل عن البديل، المفترض أن يكون الأفضل للجميع ". الغزال العجوز، واصلت ملامحه التعبير عن الضيق. قال إثر وهلة صمت: " لن نقبل سوى برحيل الأسد! وبعد ذلك فقط، يمكن الاتفاق على البديل... "

" رحيل الأسد..! "، هتف الثعلب مقاطعاً مجادله باستنكار. كذلك كان أمر الخنزير، الذي دمدم ساخطاً: " كنا نتوسّل ملكنا أن يمنحنا بعض حرية الحركة في الغابة، والآن سنطالب بطرده منها؟ ". بدا أنّ معظم الحاضرين، حسبما نطقت ملامحهم، يؤيدون كبير الغزلان. هذا، حافظ على هدوئه، شاملاً بقية المجتمعين بنظرة عينيه، العميقتيّ الغور. وكان الكبيرُ أكثر تصميماً، عندما توجّه أخيراً إلى الخنزير والثعلب بالقول: " أجل، وأنتما من سينقل طلبنا إلى الأسد بأن يرحل على الفور..! ".

مرات كثيرة أشرقت الشمس وغربت، وكان الأسد ما يني في عرينه ساخراً من اولئك الملحّين على إبعاده عن الغابة؛ طالما أن الكثير منهم أضحوا بأنفسهم طريدي الديار خوفاً على حياتهم. أما الخنزير والثعلب، فإنهما واصلا الوساطة بين المتخاصمين وتناول الطعام على موائدهم. غير أنّ الولائمَ، هنا وهناك، ما عتمت أن تناقصت كثيراً بسبب التمرد وما نجم عنه من شحّة الموارد والطرائد سواءً بسواء. ذات يوم، تعمّد الثعلبُ الذهابَ إلى مليكه وحيداً، فانتبه إلى أن هذا قد أصبحَ أكثر رشاقة. وها هوَ الأسدُ بدَوره، يُلاحظ أن ثمّة حصاة في فم الثعلب. عندئذٍ قالَ يستنطقه: " ها، أراكَ على غير المألوف بدون صحبة صديقك؟ ". كعادته، تلوّى الآخر مُفصحاً عن التأثر، قبل أن يجيب: " يا مولاي، لا وجود لشيء اسمه الصداقة؛ بل الإخلاص ". سرّ الملكُ من حكمة تابعه، المخلص، فهز رأسه بإطناب كأنما يهتفُ: " مرحى! ". بيْدَ أنه ما لبث أن تفكّر قليلاً، قبل أن يضيّق عينيه مُستفهماً عن مقصد الآخر.

" يا مولانا الملك، إن هذا الخنزير هوَ في آخر الأمر آكلُ عشبٍ، مثله في ذلك مثل الآخرين المعلنين الثورة على جلالتكم "، قال الثعلبُ في نبرة خضوع متماهية بالحذر. مندهشاً، تفرّسَ الأسدُ في تابعه ملياً ثمّ تساءلَ: " ولكنني لم أجدَ منه ما ينبأ عن الخيانة، فضلاً عن كونه ما يفتأ محلّ ثقة أهل مملكتي من الموالين والجاحدين على حدّ سواء؟ "

" إنه يتحايل بإطالة الأزمة، لكي يحصل على مهل زمنية، عديدة، فيطعن بالسن ويصبح لحمه غير مرغوب فيه "

" عجباً. إنني أنا من استفادَ، حتى الآن، من هذه المهل المتواترة، التي أتاحها طول الأزمة..! "

" وإذن، فإن خيرَ دليل على إخلاصه لكم، هوَ أن يقطع الشكّ باليقين؛ فيضع حياته بتصرف مولاه "، قالها الثعلبُ بغير قليل من التعظيم. أخذ الأسدُ يتلمظ شفتيه، فيما هوَ يتخيّل جرمَ الخنزير، المتخم باللحم والدهن. ولكنه ملكٌ، قبل كل شيء، ولديه أنفة وليسَ معدة حَسْب. ويبدو أنّ الآخرَ، التابعَ، أدركَ ما يجول في ذهن مليكه، فما لبث أن استطردَ قائلاً " تتساءل جلالتك عن البديل، أليسَ كذلك؟.. فاعلم يا مولاي أنه موجودٌ وفي رهن إشارتكم "

" من هوَ..؟ "

" إنه صديقكم الدبّ؛ الذي يحكم الغابة البعيدة، الأكبر! "، أجابَ الثعلبُ وبوارق الفوز تتراقص في عينيه كجذوة النار.

الشمس، أشرقت وغربت مرات كثيرة، على الأثر. حتى حان، أخيراً، وقتُ زيارة الدبّ الأكبر لعرين صديقه. ما أن اختلى الأسدُ بضيفه، حتى بادره هذا في لهجة ممتعضة: " هذا الثعلبُ، والحق يقال، لا يعجبني..! ". إذاك، راحَ الأسدُ يعدد مناقب من صارَ وزيره والخدمات التي أسداها للمملكة خلال الأزمة. فقال الضيف بخفة: " لديك العديد من الأقارب، وهم ليسوا أقل ذكاء وخبثاً من الثعلب! "

" وماذا سأستفيد من قتله؛ فإن لحمه غير صالح للأكل على أيّ حال؟ "، ندّت عن الملك على سبيل الدعابة. إلا أن الآخرَ كان جاداً، بل وفظاً أيضاً، حينما أجابَ: " لقد وعدتُ امرأتي بفراء ثمين، كي تتوسّده تحت رأسها حينما تنام!.. وأنت تعرف، بأنني لا أتراجع عن وعدي قط؛ فما بالك مع رفيقة حياتي، الحبيبة؟ ".










تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

حكاية من كليلة ودمنة 8

04-آب-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 7

27-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 6

18-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 5

11-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 4

06-تموز-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow