Alef Logo
يوميات
              

التغريّم الميداني

نشتمان خلف

خاص ألف

2013-07-17

لا يخفى على أحدٍّ أنّه منذ انطلاق الثورة بدأ النظام بخطة أمنية واسعة، لشلّ حركة المواطنين ومنعهم من التجمهر والاحتشاد في الميادين والساحات العامة والتضييق عليهم في حياتهم اليومية. فنشر حواجزه في مداخل كلّ الأحياء الدمشقية، وأخذ يضيّق على السوريين وينغّص عليهم حياتهم، من خلال طوابير الرعب التي أوجدتها تلك الحواجز. فترى الناس تخرج من منازلها في ساعات الصباح الباكر علّهم يصيبون وسيلةً لتقلّهم إلى أماكن عملهم أو دراستهم، أو ليتمكنوا من التخلص من الأزمات المرورية الخانقة نتيجةً لتلك الحواجز، حتى لا يدفعهم مللُ الانتظار والقهر المرافق له لارتكاب أي خطأ قد يودي بحياتهم ويدفعهم للقيام بأي عمل يعرّضهم للاعتقال أو في أفضل الأحوال إلى التغريّم الميداني. ومع استمرار الأزمة وتعقدها أكثر فأكثر ... أخذت هذه الحواجز بالتطور انطلاقاً من فكرتها القمعية طبعاً، وبدأ الجنود المسئولون عنها يبتكرون فنوناً وأساليب جديدة في تعميق المعاناة والغبن والظلم ...

فكما هو معروف إن مزاولة أيّ عملٍ يؤدي بصاحبه إلى إتقانه ومن ثمّ يسعى إلى إضفاء المزيد من الإضافات على عمله الأساسي الذي وكّل له... وبالفعل لم يحرك الجنود ساكناً أمام الروتين المعروف عن مؤسسات الدولة السورية سابقاً، ولكنهم أبدعوا مع مرور الزمن في تحقيق الهدف الذي كان يسعى إليه النظام من وراء إقامة تلك الحواجز ... فقد عشعش الخوف في مخيلة السوريين عندما يرون أزمة مرورية، فهم يعرفون بأنها ناتجة عن حاجزٍ يدقق في كل الماريّن، بحثاً عن مطلوبين في قوائم سوداء يعممها رجال المخابرات عليهم كل يوم، أو حتى لتدمير الروح المعنوية للمواطنين والتأكيد على أنهم باقون ومستمرون. كما أصبح للانتظار نكهة مختلفة وغريبة عن صورة الانتظار التي رسمها لنا نزار قباني ومحمود درويش في أشعارهم، فالوقت الذي يقضيه المواطن أمام تلك الحواجز يفوق الوقت الذي يقضيه في عمله أو في بيته. كما لم يعدّ من اليسير على أيّ شخصٍ في هذه البلاد أن يتنزّه أو يُفرّج عن نفسه وعن عائلته، فهو يحسب ألف حساب لأيّ خطوة يخطوها خارج بيته، خوفاً من الأمور التي قد تستجد فجأة، كأن يعمّم اسمه أو اسمُ أحد أفراد عائلته على الحواجز أو حتى خوفاً من التشابه في الأسماء والتي أصبحت ظاهرةً شائعةً جداً ... فكلّ هذه المشكلات تتطلب حلولاً من المواطن في مقدمتها حلُّ الرشوة، فعليه أنّ يحمل في جيبه مالاً وفيراً كي يغدقه على الجنود في حال حدوث أي طارئ ما...

لكن الأكثر حداثةً في المسألة كلها، هو ما يحدث الآن، فقد بدأت الحواجز عموماً بطلب فواتير الكهرباء والماء كوثائق ثبوتيّة أخرى من المواطنين، ولابدّ أن تكون هذه الفواتير مختومة بختم مختار الحي الذي يقطن فيه الشخص ومُصدّقة من البلدية المحليّة، وأنّ تكون هذه الفواتير حديثة. كما باتوا يطلبون عقود الآجار بالنسبة للمستأجرين وعقود ملكية المنازل بالنسبة للمالكين...

وفي أحد الأيام، أوقف حاجزٌ ما سرفيساً (ميكرو باص) فيه ثلاثة عشر مواطناً، وطلب الجندي من الجميع إظهار الهويات الشخصية ومن ثم طلب فواتير الكهرباء والماء، فاستغرب الجميع الطلب، وقالوا رداً على الجندي، ماذا!! أتريد منا فواتير الكهرباء والماء؟ ... قال: نعم لما أنتم مستغربون! قال أحدهم: لماذا الفواتير؟ قال: لأنكم لا تدفعون ما تدينون به للدولة، وبالتالي لا تستطيع الدولة أن تمنحنا رواتبنا المستحقة عليها، فكيف سوف نحصلّها؟ إنّ لم نفعل هذا! ... قال الكثير من المواطنين: لم نحمل معنا مثل هذه الأوراق! فقال الجندي: إذاً ليدفع كلٌّ منكم ألفاً وخمسمائة ليرة، أو ليترك هاتفه النقال وهويته الشخصية ويذهب ليحضر الأوراق المطلوبة! ... لم يكن من الجميع إلا أن استكانوا للأمر الواقع وأخرج كلٌّ منهم ألفاً وخمسمائة ليرة سوريّة من جيوبهم ووضعوها في يد الجندي، بينما كان قائد الحاجز يقف بعيداً وهو متلهف لاستلام كل تلك الأموال التي حصّلوها من سرفيسٍ صغير في يومٍ دمشقيٍّ عاديّ ...

لقد بات الأمر وشيكاً...

فهم لم يقفوا عند حدود الإعدامات الميدانية، بلّ إنهم ابتكروا طرقاً جديدة في المسائل والطرق الميدانية وهي التغريّم الميداني، لا استبعد أنهم قد يطوّرون نمطاً ميدانياً جديداً من أنماط القهر والظلم والتشفي وهو التزويج الميداني، أو حتى الاغتصاب الميداني، فكل الأدوات والظروف متاحةٌ لهم ... كما أنّ وحشيتهم ترشحهم لأن يقوموا بأكثر من هذا ...





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أرض الاستواء

28-تشرين الثاني-2015

أليكسا

21-كانون الأول-2013

لنا أوطانٌ أخرى لنلتقي

13-تشرين الثاني-2013

للأرض تناصٌ كالفاجعة

05-تشرين الثاني-2013

أشباه مُدن

28-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow