Alef Logo
مقالات ألف
              

الدراما السورّية : دراما عمياء في وَضَح النهار.

عمرو حاتم علي

خاص ألف

2013-07-27

لم أستطع الانتظار لتلقي المزيد من الاستخفاف و الاستهتار الذي تحمله الدراما التلفزيونية المُنتَجة في سوريا لشهر رمضان هذا العام، أي الدراما في زمن الأزمة أو الأزمات و المآزق التي مُنيت بها والتي جرتها واستجلبتها هذه الدراما بجدارة إليها.

لم أصدّق أن الشاب السوريّ كما تصوره دراما التلفزيون هذا الموسم هو على شاكلة شب البستوني المدمن على الحشيش الذي يظهر في مسلسل اسمه "فتت لعبت" !،أو أن الفتاة السوريّة هي اليوم على شاكلة بنت البستوني التي تظهر في المسلسل ذاته و كأنها مُصابة بالصرع أو هاربة لتوّها من مشفى الأمراض العقلية؛ و يبدو أن هذه الدراما قد تناست بوقاحة وعن قصد الشاب و الفتاة السوريين المثخنين بجراحهما روحاً و جسداً، و قد فقدا أخاً أو حبيباً أو زوجاً جرّاء الحرب الدموّية التي تدور رحاها في المكان عينه، الذي يسرح و يمرح فيه شب و بنت البستوني وهو دمشق 2013!

هكذا يتنصّل صنَّاع المسلسلات التلفزيونية في الداخل هذا العام من استحقاقاتهم التاريخية و الأخلاقية لصالح التزوير و الدجل، و خداع أنفسهم قبل خداع من قد يتلقى ما صنعوه على أنه دراما سوريّة صنِعت في الداخل السوريّ لهم.

و من المؤكد أن الشرط والمستوى الفنّي الذي يعملون في فلكه، لا يتناسب أصلاً إلا مع تفاهة و جهل من هذا النوع، و لا يمكنه أن يرفع سقفه ولو قليلاً كي يطاول مستوىً فكرياً أرقى وأهم ، أو يحمل في طياته قضية في أبسط تجلياتها على الأقل.

فيما سبق، كان مخرجون سوريون آخرون يعملون بجدٍّ و تعب كي يقولوا ما يريدون قوله تلميحاً أو تصريحاً،مباشرةً أو عبر كودات دسّوها في كوادرأو جمل في حوارات تؤَّول أكثر مما تقول في محاولاتٍ مضنية للتحايل على مقصّات الرقابة ومحظوراتها، ليتركوا في المحصلة إرثاً و تاريخاً مشرّفاً من الدراما التلفزيونية ، كماً و نوعاً، جعلها في مقدمة المُنتَج التلفزيونيّ العربيّ لعقود.

سبق وأن شتمني صحفيّ سوريّ عبر صفحته الشخصية على "الفيسبوك" تعقيباً على رأي كتبته على جداري في الموقع الأزرق، لم تسعفه فيه حصافته و لا حرفيته الإعلامية المُفتَرضة في تجاوز الشخصيّ و الارتقاء عن المستوى الرديء و المتدني في الحوار!، و العجيب، أن ترى من يدافع حقّاً و عن اقتناع عن هذا التسطيح والتفاهة في الدراما السوريّة التي جعل صنّاعها و المدافعين عنها من صعوبة التصوير في الداخل، شمّاعة يعلقون عليها فشلهم وهروبهم من الواقع باتجاه مخارج معيبة وغير مسؤولة، ثم يجعلون من ذلك بطولة وهو أبعد ما يكون عن البطولات.

كمخرجٍ سوريّ عملت فيما مضى في السينما في بلدي، و كشابٍ سوريّ قبل ذلك، لم تمثلّني - و الكثيرون غيري- دراما التلفزيون التي صنعها شباب، من المفترض أنهم يحملون نفس الهموم و القضايا، أو ما يزيد عنها بحُكم تواجدهم الجغرافيّ على أقل تقدير،الأقرب إلى الواقع المؤلم و القاسي و الحقيقيّ في الداخل السوريّ، و الذي من الممكن لهم أن يقولوا عنه الكثير، لأنهم أصحاب كاميرات تجعل ذلك متاحاً أمامهم.

إلا أن البون سيبقى شاسعاً، بين من يعمل لتحقيق مكاسب مادية و شخصية بحتة، عبر كل أنواع التلفيق و الاشتراك في لعبة التزوير و النأي بالنفس عن أكثر الاستحقاقات ضرورة وإلحاحاً، و بين من يؤمن بانتمائه إلى واقعٍ غائب أو مغيّب عن قصد،خاصة حين نكتشف أن العاملين في بعض هذه المسلسلات سبق لهم و أن عملوا في مسلسلات سابقة لا أتذكرها في بدايات الحرب في سوريا و جعلوها عنواناً لدراما الشباب و كانوا قبل ذلك يتواجدون في المقاهي و في المستويات الخلفية من الكادرات في انتظار فرص جاءت و للأسف على حساب ماضٍ مشرفٍ تعب فيه مخرجون كبار لتأسيس دراما تلفزيونية لائقة و ناصعة، والأهم : دراما واقعية وحقيقية؛ فما كان منهم إلا أن دمروها و أحكموا الربطة الأخيرة من حبل الإعدام على عنقها.

أؤمن أنه ليس من مهام الدراما - خصوصاً مسلسلات التلفزيون- أن تصّور الواقع كما هو تماماً فهذه مهمة مستحيلة لم تفلح فيها حتى أفلام الواقعية الإيطالية الجديدة في أوجها،إلا أنه لا بأس و لو بنذرٍ يسير من واقع غنيّ و دراميّ، في جوهره بعض من الجدية والالتزام و الوعي بالمسؤولية الأخلاقية و التاريخية الملقاة على عاتق العاملين في الإعلام و التلفزيون في سوريا 2013 ، و لا بأس أيضاً بهم ٍ أو قضية مهما كانت بسيطة، شرط أن تُعَالج بقدرٍ قليلٍ من الفهم و الوعي في مسلسلات صُنِعَت للترفيه والتسلية، فتحولت بسذاجتها و جهلها، إلى مسلسلاتٍ مملة مقززة من الصعب مشاهدتها، ولا تستحق أن تُعرَض سوى على القنوات التي تبنتها.

من المؤسف أن تمسي الدراما التلفزيونية السوريّة التي أسسها و عمل فيها أساتذة من طراز هيثم حقي و حاتم علي و الليث حجو و رشا شربتجي، دراما سخيفة و فارغة، تغرد في عوالم أخرى كأنها دراما عمياء ترى بعين واحدة ما لا يستحق أن يُرى أساساً.









تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الاعتذار

14-أيار-2014

من شاشة السينما إلى كاميرا الموبايل.

02-تشرين الأول-2013

الدراما السورّية : دراما عمياء في وَضَح النهار.

27-تموز-2013

بيروت، بار ما بعدَ الظهيرة.

20-نيسان-2013

لشعرها الأسود الطويل

03-تشرين الثاني-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow