Alef Logo
يوميات
              

"القارئ والكاتب واللغة ثالثهما"

رنا سفكوني

2014-01-12

أفكر بالقارئ..

ذاك الذي يتلصص على محابر الأدباء.. وعلى نصال الشعراء وأوراق المفكرين.

هو باحث أبدا.. يخدش عناوين الكتب كمن يبحث عن رقم سري تحتها ليقبض على رصيده من الكلام.. وهو أي أيضا يستحيل في بعض الأحيان كما السناجب الصغيرة، يقضم جذع اللغة ليطال المعنى الذي قد يحاكي جدله الداخلي.. وأحيانا أُخر قد يكبر فجأة بالعمر فيصير كما الجدات اللواتي تشغلن أصابعهن بمخارز صغيرة وخيطان دقيقة فينهال على حياكة الصورة اللغوية وينشغل بالربط وفك عقدة يتركها الكاتب أسفل عباراته.

يخطر لي أن أصنف القارئ بحسب مزاجي العابث.

مثلا: أن يكون القارئ شخصا مصابا بمجاعة معرفية، ينظر إلى كل الوجبات اللغوية من خلال نوافذ المكتبات أو من أمام أكشاك الجرائد أو ربما من بين سطور النشرات الثقافية فيسيل لعابه ليبلل الواجهات ويترك أثرا للدهشة أو الخيبة تحت شفته السفلى.

أوقد يكون متخما بالعلوم والمعارف فيذهب بتخمته إلى حد جفاف الحلق.

أو قد يكون مكترثا لدرجة أن ينقش العبارات التي تستحوذ عليه كوشم على لسانه يرددها على مسامع العابرين به.

أو قد يكون عبثيا فيشكك بمطلقات العلوم والفنون مازحا مع موت أصحابها وغيابهم.

أو قد يكون عاطلا عن العمل فيبحث عن عطالة الروح بين السطور.

أو قد يكون خصما شرسا فترتبك معه حروف الكاتب.

وتكثر الاحتمالات لدرجة أنها تصير لعبة ذكاء بين الكاتب والقارئ.

كاتب يرمي حجر النرد وقارئ يراهن على الكسب.

كثيرا ما يخطر لي أن أنصب فخا للقارئ حين أقف موقف الكاتبة أو الشاعرة.

لو أني كتبت:

"بدراً تنيرُ إنْ تَفْتحْ على الترحالِ مِشيتها

فتمشي من خلفِها الأعرابُ ركباً، وتُفتَتَنٍُ"

سيظن القارئ أن البيت للأعشى.. هو ليس كذلك.

ولو كتبت:

"جميلة كنبع ينام تحت يد النسيم

أو كغصن يحنو على الأرض من أعلى الشجر"

سيظن القارئ أن المقطوعة لأنسي الحاج.. هي ليست كذلك.

ولو كتبت:

"تعالي نرتب أصابعنا

تعالي نترك للكمنجات وترا خائبا

حتى يقول الغريب:

أعرف اللحن

كما أعرف أسماء الحبيبات النائمات"

سيظن القارئ أن القصيدة لمحمود درويش.. هي ليست كذلك.

ولو كتبت:

"أصحيٍ على وش الدني

بتقوم قيامتو للّيل

وبينجلي عتم الخوابي

تــ الخمرمن شفتّا..

ينزل علينا بسيل"

سيظن القارئ أنها قصيدة لطلال حيدر.. هي ليست كذلك.

ولو أني كتبت:

"التاريخ لا يرمي شيء.. لأنه نتيجة اسمها _الكل_"

سيظن القارئ أنها عبارة لإميل سيوران.. هي ليست كذلك.

ولو كتبت:

"تعالي أيتها السابلة

سأحدق بضعة ثوان بك

قبل أن يأتي المغيب"

سيظن القارئ أنها سوناتا لتيوتاما تسونو.. هي ليست كذلك.

ولو أني استمر في اللعب مع القارئ بسرقة مواضع الكتّاب والأدباء واستخدام روحهم الإبداعية أو الفكرية وجعلها كحبر يسيل من قلمي.. لصدق لعبتي بعض الشيء.

ذلك ليس استخفاف بالقارئ ولا براعة من الكاتب، ذلك اسميه فخ المعرفة.

فخ يصطاد القارئ ليفكر بطريقة ما للخروج منه، طريقة مفادها أن يصير هو الصياد والكاتب يستحيل فريسته.

لعبة قلب الأدوار ماهي إلا تحريض على الإبداع، استفزاز لقلة معرفة القارئ وضبط تذاكي الكاتب، لعبة قد تأخذنا غلى حافة الخطر، لكن المشهد على الحافة وحده من يدفع الدهشة والارتباك بنا نحو الصحوة.

أفكر مجددا بالقارئ..

لو أنه لم ينقر يوما باب المكتبات، لو أنه لم ينفخ الهواء من رئتيه ليبعثر غبار الكتب، لو أنه لم يحب اللغة كامرأة غيره، لو أنه لم يشتر بضعة أمتار من الخشب كبيت للكلام، لو أنه لم يكن الصورة الأولى في حدقة الكاتب والاسم الأول في مخيلته، لما كان للغة عمرٌ ولما كان للكاتب اسمٌ ولما كان هذا العالم سوى أخرس يشير إلى أعمى.
















































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

"القارئ والكاتب واللغة ثالثهما"

12-كانون الثاني-2014

صار الجرح مقبرة

16-كانون الأول-2012

السيدارة والفولار والصدريّة.. لعنةٌ أبدية

24-تشرين الثاني-2012

العمر حصتنا من هذا... العبث

18-تشرين الثاني-2012

ويسألني جبران عنها

11-تشرين الثاني-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow