Alef Logo
يوميات
              

السيدارة والفولار والصدريّة.. لعنةٌ أبدية

رنا سفكوني

خاص ألف

2012-11-24

في الصّف الأول: لم أكنْ أعرف "ماجي فرح"، كانت فقط معلمة الصّف هي التي تشير بإصبعها إلى النجوم وتقول: (المستقبل بعيدٌ، في الأعلى). لم نكن بذلك العمر نفهم معنى تلك الجملة، لذلك في حصّة الرّسم، كان معظمنا يرسم سلّماً مسنوداً إلى الفراغ.
في الصّف الثاني: طردتني المعلمة من حصّة التربية الدينية، حين سألتها: (ٍبيصير نقول:صدق الشاعر العظيم؟). الطرد جاء بعد أن تلقيت ست ضربات على أصابعي من المسطرة الدينيّة.
في الصّف الثالث: تعرّفت على (جُبِّ الفار). ذلك المستودع المُعتم المليء بالفئران والخردوات أسفل مبنى المدرسة، وتعرّفت أيضاً على تهديد الزيت المغلي الذي سيتم سكبه في أذن الطلاب الأطفال إن لم يمتثلوا لأوامر المعلمة.
في الصّف الرابع: دخلتُ مسابقةً للفصاحة والخطابة، ففاز في المرتبة الأولى "محمود" ابن المديرة، وفي المرتبة الثانية "شيرين" ابنة معلمة الرياضيات، وفي المرتبة الثالثة "مريم" ابنة معاونة المديرة، وفي المرتبة الرّابعة غير المحتسبة أساساً "أنا" ابنة أبي الذي بقي إلى هذه اللحظة يُداوم على كتابة القصائد الغزليّة لأمي.
في الصّف الخامس: أشركتني معلّمة الرياضة ضمن مجموعةٍ راقصةٍ لنُحيي حفلاً وطنياً، فرقصنا _بتنورات الكورنيش_ التي بدأت تتساقط أمام أعين طلاب المدارس لسوء صناعتها على أغنية فيروز (دبكة لبنان) بينما كانت مناسبة الاحتفال _الحركة التصحيحية_. وفزنا بالمرتبة الأولى للرقص،حيث كنّا الفرقة الوحيدة الرّاقصة في الاحتفال. أما ما تبقى من المشاركين..! فكانوا يغنّون لقائد الأبد ويلقون القصائد له.
في الصّف السادس: حزِنتُ على صديقتي التي تُجاورني في المقعد، حين زوّجها والدها من رجلٍ يكبرها بعشرين عام. بالإضافة لأني كنت أصدّق أنَّ القائد لا يموت. أو ربما رُحتُ بظني إلى أنّه الخالق الذي علينا أن نقدِّم له قطع الحلوى كعطايا. وكنت في ذلك العمر وقبله أفكر بقطع الحلوى كما أفكر بالوطن تماماً.
في الصّف السابع: تطورت مرحلة أدلجتنا، فارتدينا الزيّ العسكري، وبدأنا نتعرف على الرُّتَب. عدّتُ بدهشتي للمنزل وقلتُ لأبي: (صرت بشبيبة الثورة)، بعد أن دخلتْ علينا المدرّبة العسكريّة إلى الصّف وأخبرتنا بلهجتها التي هي أيضاً عسكرية، أننا أصبحنا شبيبيّات، ثم خرجت وصفقت الباب في وجه سؤالٍلم نحصل على إجابته.
في الصّف الثامن: كانت باحة المدرسة نظيفةٌ، لكثرة ما _مسحناها_ ببدلاتنا العسكرية، وكانت أيضاً الرُكَبُ والأكواع مهترئةٌ، لكثرة احتكاكها بخشونة الباحة وبرد الشتاء.
في الصّف التاسع: كانت الطالبات تبتسمن لأستاذ العلوم، بينما كنت أرسم السلّم القديم مسنوداً إلى الفراغ بدل أن أرسم صورةً للبنكرياس.
في الصّف العاشر: تمَّ تهديدي بالفصل إن لم أحضر الاجتماع الحزبي وأدفع الاشتراكات المتراكمة كدين يستحق الدفع. حتى أنّ المدرّبة العسكريّة عمِلت خارج أوقات الدّوام كجابيةٍ للضرائب الحزبية.
في الصّف الحادي عشر: بقيتُ أتلصص على واجهات بائعي الحلوى، وأتهرّبُ من دفع الضرائبوالاجتماعات، وأكرّر جملة أبي: ( الدفء في الصمت، لا تكثري من الكلام البارد).
في السنة الأخيرة (البكالوريا): صار السلّم المسنود إلى الفراغ، عتبة مسرحٍ. انتظرت نتيجة الامتحان لألتحق برُكب النّقاد المسرحيين، وظننتُ أنَّ الحلم بسيطٌ، كأن تفتح النافذة وتقطفه من الهواء الخارجي.
بعد كل تلك السنوات، دخلت إلى دكان جارنا "أبو عبدو"، والذي كان قد انتقل مؤخراً إلى حيّنا، فسألني بشكل مفاجئ: ( ليش ما عم تحضري اجتماعات حزبية؟).
خرجت من دكان "أبو عبدو" مذهولةً، بعد قرارٍ بمقاطعة بضائعه، وصرت أمشي بمحاذاة الدكان أتساءل: (ما هو منصب أبو عبدو؟).
كبرت عن طفولتيبتواريخ كثيرةٍ، انتقلت إلى دمشق بعد سنواتٍ طويلةٍ في مدينة حلب التي أصبحت الآن بمثابة الخراب. اشتريت سلّماً. صعدتُ إلى آخر درجةٍ فيه، وألقيت نظرةً إلى ما سبق من ذاكرتي.
على الدرجة الأخيرة من سلّمي، رأيتُ_السيدارة_ قبعةً تُغلق على عقولنا.و_الفولار_ حبل مشنقةٍ للطفولة، أغلقوه على أنفاسنا، وأحكموا القفل بجوزةٍ بلاستيكيةٍ صغيرة. أما الصدريّة، فكانت بمثابة دمغةٍ على أجسادنا، تؤكد على وحدتنا كقطيعٍ صغير العمر، يَهِشّونَ له بالعصا فيتحرك مردداً الشعار (أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة).
هنا تماماً، حملنا الأخطاء الشائعة في تعريفاتٍ تخدم مصالحهم. فصرنا نرددها ككلابٍ صغيرة مُدربةٍ تنبح كلّما رمى لها أحدٌ ما قطعة عظمٍ خاليةٍ من اللّحم.
الأمة: ليست عربية.. هي أكثر من واحدة. أمةٌمصابةٌ بفصام وتوحد وشيزوفرينا، أمةٌ تمشي نائمة في الليل. أمة تقتل ابنها البار وتحتفي بالقاتل، أمة لَعِبَ السياسيّون بتعريفها فصفّقنا لهم طلائعياً.
أما الرسالة الخالدة..! فلم نقرأها. رسالة لم تُكتب بعد، أشبه بنقشٍ على حجرٍ يدل على بابٍ خلفه مغارة تحتضن كنزاً أسطورياً، فمن دخل المغارة.. فُقِدَ.. أو مات إلى الأبد.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

"القارئ والكاتب واللغة ثالثهما"

12-كانون الثاني-2014

صار الجرح مقبرة

16-كانون الأول-2012

السيدارة والفولار والصدريّة.. لعنةٌ أبدية

24-تشرين الثاني-2012

العمر حصتنا من هذا... العبث

18-تشرين الثاني-2012

ويسألني جبران عنها

11-تشرين الثاني-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow