Alef Logo
ابداعات
              

قصة / بنات الرياض (الفصل الثاني)

رجاء عبد الله الصانع

2006-04-24

البنات يحتفلن بقمرة على طريقتهن

(إما أن تكون الحياة تحدياً ومغامرة، أو ألاّ تكون شيئاً أبداً.)
هيلين كيلر
في البداية، رسالة صغيرة لكل من الإخوة حسن وأحمد وفهد ومحمد وياسر، الذين أسعدوني بمداخلاتهم الجادة: لا... ما يمكن نتعرف.
بعد أن وضعت أحمري الصارخ، أكمل من حيث توقفت.
***
بعد زفاف قمرة، وضعت صديقاتها الجرار الفخارية الصغيرة التي نُقش عليها اسما العروسين كتذكار إلى جانب التذكارات التي وزعت عليهن في أعراس زميلاتهن، وكل واحدة منهن تتمنى أن يضاف تذكار زفافها إلى جانب بقية التذكارات عاجلاً غير آجل كي لا تموت بحسرتها.
أعدت الشلة ترتيباتها الخاصة قبل حفلة العرس لعمل ما يشبه الباتشلوريت بارتي التي يقيمونها للعروس في الغرب قبل زفافها. لم يردن إقامة حفل دي جي كما جرت عليه العادة مؤخراً، حيث تقوم صديقات العروس بعمل الحفل الراقص الضخم الذي قد يشتمل أحياناً على وجود مطربة (طقاقة)، ودعوة جميع الصديقات والقريبات والمعارف بدون علم العروس (أو في الغالب بعلمها مع إدعاء العكس). وتتكفل الشلة التي تقيم الحفلة بجميع التكاليف التي لا تقل عن بضعة آلاف من الريالات. أرادت الفتيات شيئاً جديداً هذه المرة، صرعة من اختراعهن لتقلدهن الأخريات في ما بعد.
وصلت قمرة محمرة الوجه والجسم بعد الحمام المغربي وفتلة الوجه والحلاوة. كان الاجتماع في منزل ميشيل التي ارتدت بنطالاً فضفاضاً فيه الكثير من الجيوب مع سترة ضخمة لتخفي معالم الأنوثة منها، وطاقية «بندانة» خبأت تحتها شعرها، ونظارة شمسية ملونة لتبدو كمراهق أفلت من رقابة والديه. وارتدت لميس ثوباً أبيض رجالياًَ مع شماغ وعقال. فبدت لطولها وجسمها الرياضي شاباً وسيماً ناعماً بعض الشيء. أما بقية الفتيات فارتدين العباءات المخصرة والمطرزة مع لثمات تغطي ما بين الأنف والنحر، وتُبرز جمال أعينهن المكحلة وعدساتهن الملونة ونظارتهن الغريبة.
تولت ميشيل التي تحمل رخصة قيادة دولية قيادة جيب الإكس فايف ذي النوافذ المعتمة كلياً، والذي تدبرت استئجاره من أحد معارض تأجير السيارات باسم السائق الحبشي. اتخذت لميس مكانها إلى جانب ميشيل بينما تراصت بقية الفتيات وهن خمس في المقاعد الخلفية، وارتفع صوت المسجل مصحوباً بغناء الفتيات ورقصهن.
كان محل القهوة الشهير في شارع التحلية أول محطة توقفن عندها ومن الزجاج المظلل أدرك الشبان بفراستهم أن في الإكس فايف صيداً ثميناً، فأحاطوا السيارة من كل جانب! بدأ الموكب يسير نحو المجمع الجاري الكبير في شارع العليا الذي كان محطتهن الثانية. دونت الفتيات ما تيسر لهن من أرقام الهواتف التي جاد بها الشبان، إما بترداد المميز منها، أو باللوحات المعدة مسبقاً لتعليقها خلف نوافذ السيارة بحيث تراها الفتيات في السيارات المجاورة بوضوح، أو بالبطاقات الشخصية التي يمد الجريئون من الفتيان أيديهم بها عبر النوافذ لتلتقطها الجريئات من الفتيات أيضاًَ.
عند مدخل السوق، نزلت الفتيات تتبعهن مجموعة لا يستهان بها من الشبان، الذين وقفوا حائرين أمام رجل الأمن «السيكيورتي» الذي لا يسمح بدخول العزاب إلى السوق بعد صلاة العشاء. انصرف المستضعفون ولم يبق سوى شاب واحد، تجرأ وتقدم نحو ميشيل التي بدا واضحاً له ولغيره من المطاردين منذ البداية ـ لجمال وجهها ونعومة تقاطيعه التي عجزت عن إخفائها ـ أنها ولميس فتاتان جريئتان تبحثان عن المغامرة، وطلب منها أن تسمح له بالدخول معهن كفرد من العائلة مقابل ألف ريال. ذهلت ميشيل لجرأته إلا أنها وافقت سريعاً، وسارت وبقية صديقاتها إلى جانبه كأنه فرد من المجموعة.
داخل السوق، تفرقت الفتيات إلى مجموعتين: مجموعة البنات تترأسهن سديم، ومجموعة الشبان المكونة من لميس وميشيل وإلى جانبهما ذلك الشاب الوسيم.
كان يدعى فيصل. ضحكت لميس وقالت له إنه ما من شاب اليوم يدعى عبيد أو دحيم! الكل اسمه فيصل أو سعود أو سلمان! ضحك الشاب الوسيم معهما ودعاهما إلى العشاء في مطعم فاخر خارج السوق إلا أن ميشيل رفضت الدعوة.
أعطاها ورقتين من فئة الخمسمئة بعد أن خط رقم هاتفه الجوال على إحداهما. واسمه الكامل على الأخرى: فيصل البطران.
كانت أعين النساء في السوق تتابع قمرة وسديم وبقية البنات بصورة مزعجة. كانت الواحدة منهن تتفحصهن من وراء نقابها بجرأة وتحدّ كأنها تقول لهن «عرفتكن وما عرفتوني». هذه هي الحال لدينا في الأسواق، يحملق الرجال في النساء لأسبابهم الخاصة، وتحملق النساء في بعضهن لإشباع غريزة «اللقافة»! لا يمكن لفتاة أن تسير في أسواقنا بأمان الله من دون أن يتفحص الجميع (وخاصة بنات جنسها) العباءة التي ترتديها، والطرحة التي تغطي بها شعرها، وطريقة سيرها، والأكياس التي تحملها، وفي أي اتجاه تلتفت، وعند أي بضاعة تقف! هل هي الغيرة؟ صدقت مقولة ساشا غيتري: «النساء لا يتجملن للرجال، بل نكاية في النساء»!
بعد السوق وكمية مناسبة من المغازلات البريئة وغير البريئة، اتجهت الفتيات نحو أحد المطاعم الراقية لتناول العشاء، ومن ثم توجهن إلى محل صغير لبيع الشيشة والجراك والمعسل واشترين شِيَشاً بعددهن واختارت كل منهن مذاق المعسل الذي تفضله.
بقية السهرة تمت في بيت لميس، داخل خيمة صغيرة في ساحة المنزل يقضي فيها أبوها وأصدقاؤها أماسيهم مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع. يدخنون الشيشة ويتناقشون في مختلف الأمور، بدءاً من السياسة و انتهاءً بزوجاتهم، أو العكس. كانت العائلة قد سافرت منذ بداية العطلة الصيفية إلى جدة وبقيت لميس وأختها تماضر لحضور زفاف قمرة.
وُزّعت الشّيَش الجديدة في الخيمة لأن شِيَش الأب تنتقل معه حيثما يسافر. أعدت الخادمة الفحم وأخذت الأغاني تصدح وبدأ الجميع بالرقص والتعسيل ولعب الورق، حتى قمرة جربت المعسل هذه المرة بعد أن أقنعتها سديم بأن «الواحدة ما تتزوج كل يوم»، وأعجبها معسل العنب أكثر من غيره.
أحكمت لميس شد ربطتها المدندشة حول ردفيها، وأبدعت في الرقص الشرقي كعادتها، وخاصة على عزف حديث لأغنية أم كلثوم «ألف ليلة وليلة». لم تكن تشاركها الرقص أي من البنات الموجودات. وذلك لأسباب وجيهة؛ أولها أنه يستحيل على أي من الفتيات مجاراة لميس في رقصها المتقن، وثانيها أن الجميع يحببن مشاهدة لوحاتها الراقصة، حتى أن البعض أطلقن أسماء على كل حركة من حركاتها، فهناك حركة فرامة الملوخية وحركة عصارة البرتقال وحركة ورايا ورايا. تؤدي لميس هذه الحركات باستمرار نزولاً عن طلبات الجماهير، أما ثالث الأسباب فهو أن لميس ترفض الاستمرار في الرقص ما لم تلاقِ التشجيع والتصفير والتصفيق والهتافات التي تليق بمقامها أثناء أداء «النمرة بتاعتها».
تشاركت لميس مع ميشيل تلك الليلة في شرب زجاجة الشامبين الغالية التي أخذتها الأخيرة من خزانة والدها للمشروبات الخاصة بالمناسبات الهامة. زفاف قمرة كان جديراَ بزجاجة من الدون بيرنيو. كانت ميشيل تعرف الكثير عن البراندي والفودكا والواين وغيرها من أنواع الكحول. علمها والدها كيف تقدّم له النبيذ الأحمر مع اللحوم والأبيض مع الأطباق الأخرى، لكنها لم تكن تشاركه الشرب إلا في المناسبات. أما لميس فلم تتذوق أياً من تلك المشروبات قبل ذلك إلا مرة واحدة في منزل ميشيل إلا أنها لم تستسغ الطعم، ولكنهما اليوم تحتفلان بزفاف قمرة ولا بد من أن تشارك ميشيل الشرب حتى تجعلا من تلك الليلة ليلة متميزة في كل شيء!
عندما علت أغنية عبد المجيد عبد الله «يا بنات الرياض... يا بنات الرياض... يا جوهرات العمايم... ارحموا ذا القتيل... اللي على الباب نايم»، لم تتبق في الخيمة أي من البنات إلا وقد قامت ترقص.



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

رواية / بنات الرياض (الفصلين الخامس والسادس)

07-أيار-2006

قصة / بنات الرياض (الفصل الثاني)

24-نيسان-2006

قصة / بنات الرياض (الفصل الثالث)

24-نيسان-2006

قصة / بنات الرياض (الفصل الرابع)

24-نيسان-2006

قصة / أنتم على موعد مع أكبر الفضائح السعودية

09-نيسان-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow