مرحلة زرقاء .. مرحلة وردية

كل الألوان جميلة وكلها يحبها . لكن ضابط دائرة الأقامة الذي وجه له مجموعة من الأسئلة الشخصية , يريد لونا واحدا مفضلا جوابا لسؤاله .

أعرف هذه اللوحة .. حدث نفسه وهو يتامل صورة لأحدى لوحات بيكاسو توسطت الجدار المقابل له , عرفها وقرأ عنها مرة في مجلة حين كان ينتظر دوره في الحلاقة . وجود هذه الصورة هنا مطمئن , غير مألوف , لكنه مطمئن .

الوردي .. هو لوني المفضل . رد على سؤال الضابط بعد لحظات تفكير قصيرة .

قلب الضابط في الاوراق التي بين يديه مرارا , بوجه تعلوه ملامح الجد والشك . وكان هو يتابع حركات الضابط بقلب مضطرب ويجول ببصره في انحاء الغرفة ويعود يتامل من جديد في لوحة بيكاسو . لم يتغير شيء في هذه الغرفة سوى الضابط . وكان ذاك الذي منحه رخصة الأقامة الأولى ودودا هاديء الملامح , أما هذا , فقد رأى في ملامحه وطقطقة اصابعه ما يكمل سوء الحظ الذي لازمه منذ سنوات رغم ان الضابط لم يوجه اليه سؤالا يمكن أن يثير قلقه .

لا غبار على بياناتك الشخصية واوراقك متطابقة في كل شيء , ولكن فسر لي كيف أن الوردي كان لونك المفضل في السابق , واليوم انت تفضل اللون الأزرق .

ناقص واحد

تحت شمس واسعة نثرت ذهبها فوق رؤوسهم الصغيرة وفوق رصيف اهتز تحت أقدامهم , توهجت الحياة في ضحكات صبية خطفوا انظار شاغلي الرصيف وقلوبهم . كانوا يقفزون ويركلون الهواء والعافية تشع من وجناتهم ويغمزون ببراءة تماحكها شيطنة تطل من عيونهم , جمهورا وقف يتفرج على صور من عمر جميل انقضى . مباركون الصغار , تحبهم السماء , ومن على الأرض يحب حتى صخبهم . وعلى بعد خطوات منهم وقف صبي آخر مسندا ظهره الى شجرة انبثقت من أرض الرصيف . لم يشاركهم لعبهم , لأن راسه الصغير كان منشغلا بفروضه اليومية , فهو يتعلم في مدرسة غير مدرستهم .

لم يتوقف العرض الطفولي الساحر حتى وصلت حافلة المدرسة فحمل الصبية حقائبهم على ظهورهم وتسابقوا اليها ومضت بهم لينصرف الجمهور كل الى شأنه . وبلمح البصر وبخفة روح غير مرئية اندفع الصبي الآخر نحو زجاجات " كولا " فارغة كانت ملقاة بجانب حاوية صفيح . التقطها ووضعها في شوال لونه طيني بلون ثيابه وجلده ثم حمله على ظهره وبهدوء مضى .