Alef Logo
ابداعات
              

كاميرا

محمد نور الله

2008-05-31


خاص ألف
كانت الريح تهز لباسه الملتف حول جسده وهو ينظر نحو الشارع إلى أسفل
- "كلا... كلا.. توقف".. صرخ من ورائه الحارس
لكنه لم ينبس بكلمة. تسلق حافة البناء بإصرار مفكراً "ثلاث طوابق وبضع درجات في الأسفل تجعل الارتفاع كاف".
وبدأ الناس بالانتباه والتجمع.
"يا إلهي.. أنظر"
"يا رب. سيرمي نفسه!"
"أين كاميرتي؟ لقد أضعت الكاميرا..!"
التفت ونظر إلى حارس البناء – كان يحمل بندقيه كبيرة، وفكر.. "لماذا يحتاج إلى بندقية ليحمي بناء من ثلاثة طوابق؟". تذكر أنه لا يعرف كل شيء.
كان الحارس يبكي "أرجوك .. لا.. ! لماذا؟ لديك الكثير لتعيش لأجله !"
ابتسم ابتسامة شاحبة وقال "مثلكم جميعا". فتح ذراعيه ... أغلق عينيه… أخذ نفسا عميقا وهو يسقط للوراء.
* * *
كان الحشد ملتفاً حول البقايا السوداء الدامية والمتناثرة على الأرض.
"هل مات؟"
"من يكون؟"
"أين كاميرتي اللعينة؟"
شق طبيب ثمل طريقه بين الناس. "ابتعدوا عن طريقي.. أنا طبيب". انحنى على البقايا المشوهة فور رؤيتها بتلك الحال شعر بالاقياء وعرفصاحب الجسد. حتى الملحدون يستطيعون تمييز الله.
تقدم من الجسد باضطراب فانزلقت رجله بسبب الدم وسقط على وجهه واضطربت الجموع... "أنا بخير، لا تقلقوا". وضع يده على عنق الجسد ليجس نبضه، واقترب الجموع أكثر وكأنهم يحاولون الاستماع الى شيء ما. "الحشد يملك غباء ليس بقليل" فكر في نفسه.
ثم وقف وصاح.. "يا إلهي.. انه ميت"
"يا إلهي !"
"هذا أمر فظيع"
"أين كاميرتي؟ لا بد أنها سقطت في مكان ما هنا ؟"
"أنا لا أصدق" صرخ صوت من بين الجمهور. وبدأ البعض بالهتاف متفقين مع صاحب الصوت الرافض. لا بد أن الطبيب على خطأ.
"وكيف عرفت أنه ميت؟"
"من طلب مساعدتك أصلاً؟"
"ماذا يعرف الأطباء أصلاً عن الآلهة؟".
رفع الطبيب يده قائلاً "أرجوكم يا جماعة، أنا طبيب وأستطيع تمييز الميت من الحي".
خرج شاب ثمل آخر من الجمهور صائحاً.. "هو طالب يدرس الطب ويعرف.. إنه صديقي"
زادت البلبلة في الجمهور
"أها، فأنت طالبا لازلت.. ".
وبدأ الثملان بتبادل الشتائم في اللحظة التي دخل فيها رجل دين هزيل البنية إلى دائرة المشهد ونظر إلى الجثة ثم همس في أذن أحدهم "من هذا؟ شكله ليس غريباً"
"إنه... إنه الله"
"ماذا؟ .. هذه سخافة" ألقى رداءه على الجمهور المحتشد وصاح مخاطباً "أيها الناس، لو كان هذا هو الله حقاً فستظهر علامة ما عند موته.. معجزة مثلاً.. أنا أعرف هذا فقد درسته أيضاً.. والطبيب ليس بأكثر علما مني"
صرخ الحارس الحزين من أعلى البناء في اشارة إلى الخطيب أن يسكت، فهو الله وقد شاهده على السطح قبل أن يرمي نفسه. "آآآآآه.. كم أتمنى لو لم يكن الله " قالها بحزن باك ورمى بندقيته على الجمهور.
"ها.. ها ها ها " ضحك رجل مقعد مقطوع الرجلين من البناء المطل على الجثة. كانوا يدعونه "صاحب الأرجل المجنونة". ربما لأن رجليه هربتا منه. "لقد مات الهكم.. اذا فديننا القديم قد انتهى، علينا أن نبحث عن دين جديد للبلد" قالها وهو يلوح بعصاه.
وعاد الجمهور من صمته
"هممم.. لا أعرف"
"لم أفكر بذلك من قبل"
"أحد السفلة سرق كاميرتي !"
صاح العاجز "سأقول لكم مالذي نحتاجه.. إنه الإسلام". وبدا كأن الجمهور قد أعجب بتلك الفكرة
"يبدو جيدا بالنسبة لي"
"إنه دين جاهز ولسنا بحاجة لاختراع دين جديد"
"التغيير جيد، مللنا من ديننا القديم على كل".
" سيكون ذلك مناسبا ..لدي العديد من الشراشف البيضاء وأستطيع أن أفصلها كأثواب.. "
"هذا السافل أخذ كاميرتي... أنت يا هذا.. أعد لي الكاميرا".
توقفت السيارات على جانب الطريق بينما كان الجمهور يزداد. حتى من لم يشاهد الجثة اقتنع أن الله قد مات. صرخت أبواق سيارات الشرطة مقتربة. وجاء رجل بسلم وهو يركض. أسند السلم إلى الحائط وصعد إليه صائحاً
"هناك أديان أفضل من الإسلام.. مثلا لديكم الهندوسية..!"
لم تعجب الفكرة الجمهور الذي هيأ نفسه للدين.
"أعرف رجل السلم.. إنه هندوسي"
"هكذا سنضيع.. اتفقنا على دين وانتهى الأمر"
"لا أريد الهندوسية.. أنا أحب لحم البقر"
قال الطبيب – الطالب - الثمل" أي الأديان يقدم لنا مشروباً؟"
تململ الهندوسي على السلم قائلاً "ليست غاية الدين أن نشرب، بل غاية الدين هي.."
صرخ العاجز مقاطعاً "نريد مشروباً مجانيا كل أسبوع" .. وازدادت الفوضى بين الجمهور.. فرد عليه الهندوسي "ماذا؟ يبدو أنك لا تفهم شيئا في الإسلام، متى كان الشرب مسموحا في الإسلام؟"
ضحك العاجز وقال "سنجعله منذ الآن مسموحاً. ما رأيكم أيها الناس؟"
"حسن جدا.. سنقدم لكم مشروباً كل اسبوع" قال الهندوسي باستسلام.
بدا الجمهور راضيا بالاقتراح وبدأ البعض بالتصفيق. والتف الجميع حول العاجز الذي لم يعد يعرف ماذا يقول لهم عن الدين الجديد. هل هو إسلام أم هندو أم ماذا؟
- "نريد كأساً كل اسبوع"
- "كل ليلة"
فصاح العاجز.. "كأس ونساء كل ليلة"
- "وماذا عن النساء؟" سأل الهندوسي
- "سنقدم لهم رجالاً أيضاً كل ليلة"
ابتهج الجمهور أكثر وهلل على المنافسة بين العاجز والهندوسي اللذان كانا يحاولان الترويج كل منهم للدين الذي اقترحه، لكن ما قدمه العاجز كان الأفضل، ولم يستطع الهندوسي التنازل اكثر ومشى مع سلمه وخيبته مفكراً "كان على فيشنو* أن يكون متساهلا أكثر في دينه". "لو عرف الله ما قام به العاجز من تخريب للدين لما كان ليقبل، لكنه مات. يستطيع أن يفعل ما يريد بأي دين الآن".
* * *
في الحانة.. جلس الهندوسي إلى جانب رجل آخر يشرب.
- "كان يوما صعباً أليس كذلك؟" قال الرجل للهندوسي وقدم له كأساً.
- "نعم.. هل أنت مسيحي؟"
- نوعا ما.. (ضاحكاً) ليس بعد الآن على ما أظن.
- من الصعب ان يخسر الإنسان إلهه.. أليس كذلك؟
- "ليس بصعوبة أن يخسر والده" رد المسيح عليه.
- فوجئ الهندوسي قائلاً "أنا آسف حقاً لخسارتك".
- "لا بأس، لا تعتذر. لقد قام بما يجب فعله. كان على الحرية أن تاتي يوماً، وكان الدين يخرب كل شيء.. أنظر الآن كم هم سعداء. لم تأت إلى المكان سيارة اسعاف واحدة، فقط الشرطة والتلفزيون".
- "وماذا سيحدث الآن برأيك بعد أن مات والدك؟"
-" بضعة حروب على الأغلب – أعني حروباً إعلامية.. سيبدا الناس بتقييم فكرهم، ثم سنعرف من سيربح."
- هل تعتقد أن الله أراد لكل هذا أن يحدث؟
- (ضاحكاً) كلا.. لقد قلت له أن المصائب ستأتي لكنه لم يستمع إلي. كان يثق بخلقه أكثر من اللازم. كان يعتقد أنهم سيحسنون التصرف. خاب أمله وانتحر.
- يحسنون التصرف؟
- نعم. لولا الدين لما قامت الحروب. أقول لك.. لا تهتم.. ربما كانت الحروب لتحدث بكل الأحوال. لكن الأكيد هو أنهم لا يحسنون التصرف.
- فشلت الفكرة فعلاً.
- نعم.. الكثير من الثقة بالخلق أمر خاطئ. كنت أعرفهم جيداً لكنه لم يستمع إلي.
فجأة... انطلق صراخ في الخارج "أنا المسيح ... أنا المسيح "، فأخذ المسيح الحقيقي في الحانة قنينة فودكا وكسرها على خشب الأرض.
- "حسن. علي أن أذهب أيها الهندوسي. حاول أن تكون لطيفا مع الناس"
- "مع الجميع؟"
- "لا مبدأ يمكن العمل به دائماً، لكن ابذل جهدك" وصاح مبتسماً وهو يخرج من الحانة "تذكر... لا تعاليم مطلقة" وتابع ملوحا بسلاحه الزجاجي "الحكمة تظهر في رسم الخطوط الأخيرة". واختفى بين الجموع متجها نحو المسيح الكاذب ليقتله.
رد الهندوسي "حظاً طيباً، وشكرا على الكأس".
* * *
في الحياة الآخرة... أومأ فيشنو إلى الله قائلاً..
- "لقد فشلت.. أليس كذلك؟"
- دفن الله رأسه بين يديه متمتماً بغضب "اللعنة.. !"
بالقرب منهما، كانت روحان تسيران وتنظران إليهما. دست إحداهما النقود في يد الأخرى
- "ألم أقل لك أن الله قد مات... "
- "فعلاً... كسبت الرهان يا نيتشه"
- "سأشتري بالنقود كاميرا"
* * *
* فيشنا (شكل من أشكال آلهة الهندوس).































































































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

المئذنة تعبير دينيّ حضاريّ ردّ على تعليق للأوان

18-كانون الأول-2009

عهر وقصائد أخرى

03-أيار-2009

نفحات مجنونة

02-آذار-2009

كاميرا

31-أيار-2008

سيشتري لي الله لاب توب

30-نيسان-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow