Alef Logo
يوميات
              

كاتب القفص

أحمد نسيم برقاوي

خاص ألف

2016-01-11

ليس هناك كائن بلا أجنحة يشبه الطير أكثر من الكاتب والفنانين، بل قل الكاتب والفنان وحدهما من بين الكائنات هما اللذان يشبهان الطير. فالكاتب جناح يطير في فضاء الجمال والأفكار واللغة، ويقوم هو ذاته بصناعة الفضاء للآخرين. وإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك فإن الشعور بالحرية روح الكاتب الحقيقي.
والكاتب الذي تُسلب حريته بأية صورة من الصور يعيش الاغتراب الفاجع. فمن شيمة الكاتب أن يأنف العيش في قفص، وأن حُمل على العيش فيه فإنه يصاب بالصمت القاتل، ولا يقوى على التغريد شأنه شأن بعض الطيور التي تفقد القدرة على التغريد وهي مأسورة خلف القضبان.
هذا كلام لا جدة فيه، وليس عن الكاتب المأسور من سلطة غاشمة أتحدث، إنما هي مقدمة للحديث عن كاتب القفص الذي اختار أن يكون مأسوراً وسعيداً بأسره ويتكدر خاطره إن سمع نداء الحرية في الخارج.
كيف يتأتى أن يظهر في عالم الكتابة الكاتبُ القفص؟
القفص هنا ليس إلا الأسر داخل قضبان الأيديولوجيا سواء كانت هذه الأيديولوجيا تعبيراً عن مصلحة شخصية - فردية أو عن عصبية جماعية ضيقة، أو عن الانتماء إلى فكرة على أنها ذات حقيقة مطلقة، فإيثار القفص على الفضاء رغبةً في الاحتفاظ باستمرار مردود موقف ما لا يعني سوى الاعتداء على ماهية الكتابة بوصفها انتصار الأنا النبيل المتمرد على العادي المبتذل.
إذ تتحول الكتابة تأسيساً على هذه النزعة الرغبوية الضيقة ابتذالاً ما بعده ابتذال، انها تتحول إلى لغو ليس إلا. فضيق المصلحة لا ينتج إلا ضيق النص، لا ينتج إلا النص الخلو من الأفق. ولعمري إن هذا النوع من القفص لهو أشد الأقفاص ضيقاً. لكنه يسمح بالرؤية لما هو خارج، وهذه الرؤية تسمح له بدورها أن يخرج من قفصه ويعود إليه متى شاء.
أما الإقامة في قفص الجماعة الضيقة فهو السجن داخل هوية جماعة تحولت إلى هوية فردية موعى بها على نحو تعصبي. وتحول هذا المثقف إلى موقف داخلها ليس إلا، ولا يرى العالم إلا من زاوية هذا الانتماء التعصبي والتعبير عنها.
وهذا النمط من القفص أسوأ أنواع الأقفاص الأيديولوجية، لأنه قفص كتيم لا يسمح لصاحبه أن يرى إلا ما كان داخل القفص. ومثقف القفص هذا يظهر في حالات الصراعات الهوياتية أو التي تتزيف بصراعات هوياتية، فيكون لسان الهوية عبر خطاب يتسم بشدة الزيف وبخاصة إذا تنكر خلف قيم رفيعة.
فيما قفص الفكرة، وبخاصة الفكرة المطلقة، فمثقفه رغم حضوره داخل قفص واسع جداً وانطوائه على قدرة لرؤية العالم لكنه لا يرى العالم إلا بعيون الفكرة دون أي حس نقدي، ودون أي شعور بالتاريخ.
فغياب النقد والحس التاريخي يحول الفكرة مهما كانت عظيمة إلى أداة اغتراب، والأخطر من ذلك قد تعمي صاحبها عن رؤية الجديد ومعاداته.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الميترو في لندن

29-حزيران-2019

كاتب القفص

11-كانون الثاني-2016

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow