Alef Logo
يوميات
              

الميترو في لندن

أحمد نسيم برقاوي

خاص ألف

2019-06-29


تحتضن سكك قطار المترو،
في كل محطة انتظار في لندن،
تطل على الفضاء،
والسماء و الشمس و المطر و الريح،
مرجاً من الأزهار،
تحرسها أعشاب دائمة الخضرة.
أزهار السكة وأعشابها
لا تكترث بالعجلات الحديدية،
ولا تتأفف من هدير القطار،
وتنظر بعين الشفقة
لوجوه المنتظرين المتعبة.
لا أحد يجيبها عن سؤالها لهم:
لماذا تتعبون؟
أزهار السكة وأعشابها
تعيش عالمها غير مبالية بالعبث
المترامي على الأرصفة،
كما لو أنها في بيتها
على قمة رابية،
لا ترى أحداً ولا يراها أحد.
في كل مرة أنظر إليها أسائلها:
كيف احتفظتِ ا بألوانك الزاهية؟
أكاد أسمع سخرية الأخضر
من الجفاف الذي يمر بجانبه،
وهو صامت مبتسم .
حين كنت جالساً في المقعد الوثير
والقطار يدلل على صحة
ما قاله أنشتاين،
لم يمنعني هديره من سماع
صوت الزهر،
حين أجابني:
أعيش حراً
السكة المكهربة تحرسني
فما من أقدام بشرية قادرة على أن تدوس على رقابي
ولا صاحب قطيع يرمي بأغنامه الجوعانة لتلتهمني
وليس بمقدور عاشق أن يقطفني
كرمى لحبيبته.
في كل مرة أقف في انتظار المترو
أقيم حواراً مع الزهر والعشب،
وقبل أن أصعد لأحشر مع الناس،
يلوح الزهر لي،
ويقول كلاماً لا يسمعه أحد غيري .
********
محطات المترو في لندن،
وبقوة التداعي،
ذكرتني بمحطات مترو سان بطرس بورغ
المزخرفة و النظيفة،
وبالجالسين المنهمكين في القراءة
والتشابه الذي يفسده طالبو العلم
من فقراء العالم الثالث،
من شباب مكبوت،
ليس سوى قضبان تمشي على أقدام.
ليس في محطات المترو في سان بطرس بورغ
سان بطرس بورغ التي كان اسمها لينينغراد
شحاذون وسكارى ومبتسمون
فرجال الشرطة العلنيون و السريون لهم بالمرصاد.
وتستقبلك وتودعك صور ماركس وإنجلز ولينين وبريجنيف
ولافتات تمجد الشيوعية
والحزب الشيوعي والدولة السوفيتية،
التذكر بسبب التداعي
لم يبعث في أي حنين،
مع أني لست متحجر القلب،
لكن الروسي الذي جاء لحماية الطاغية
والحفاظ على عرشه القاتل،
أطلق على حنيني الرصاص
في اللحظة التي أطلقه على حنجرة الحرية.
*******
على رصيف محطة المترو
اصطنعت عدم الإنتباه
لعناق بين فتاة وفتى،
كان العناق كما لو أنه في خلوة
بعيدة عن أنظار الخلق،
العينان مغمضتان،
والثغران ملتحمان،
والسواعد متشابكة.
ساءلت نفسي ما إذا كان
علي أن أنبههما بوصول القطار،
فهذا الغرق
سيحول دون أن يفيقا من الحال.
ولكن الغريب أنهما انتبها لقدوم القطار من بعيد،
فعلاً غريب أمر العناق هنا
يُبقي العاشقين في صحو وانتباه.
**********
في محطة المترو
لم أر عساكر يصعدون إلى القطار،
ولم أر أحد يرتدي السفاري وبيده دفتر،
لم أر صورة الملكة،
وأسأل دائماً عن معنى أسماء المحطات،
الذين استفهمتهم نادراً ما يعرفون.
لكني انتبهت مرة إلى محطة باسم رسل،
تراءى لي رسل وهو يقهقه متسائلا:
من هذا الذكي الذي جاء بي من بيوتي
المنتشرة في الكتب،
وعقول الخاصة،
إلى مكان يمر به الجاهلون بي ،
ولا يعني لهم اسمي سوى أنه
اسم لمحطة مترو.
**********
أمام محطة مترو همرسميث
يتكاثر الشحاذون،
ولا أحد منهم يشبه الآخر في السؤال.
شحاذ صامت يفترش الأرض،
ولا ينظر بعيني أحد،
وآخر يجلس على كرسي صغير
ويقرأ كتاباً،
وثالث يتجول بين الداخلين و الخارجين
ويمد يده بصمت أحياناً،
وبتمتمات غير مفهومة أحياناً أخرى،
ورابع يضع أمامه آلة عزفه ومكبر الصوت.
بالأمس تجمهر الخلق حول زنجية
أسحرتهم بصوتها المنفعل،
وكنت واحداً منهم.
انهالت عليها النقود معدنية وورقية،
ونسي الجمهور توسلها.
المتسولون عند محطة همرسميث
متنوعون في الخِلقة،
ومختلفون بالأداء،
الأسود والأسمر والأبيض والأشقر،
ولَم أصادف أحداً بعد من العرق الأصفر،
حتى الشحاذون ،هنا، يكرهون التشابه،
ويحبون الإختلاف .
*******
عند مدخل محطة مترو همر سميث
يعرض بائعي الزهور باقاتهم،
دون أن يخالجهم خوف من شرطي
حاقد على المدينة والأرصفة،
وعليها سعرها،
بائع الزهور لا ينادي الزبائن،
العيون هنا لا تحتاج إلى أصوات كي تنتبه.
لا تمضي سويعات
إلا وتكون باقات الزهور قد رحلت
بأكف حنونة محبة.
تمنيت لو أني أحمل باقة،
ثم تذكرتُ،
بأن الغريب الذي لا تنتظره حبيبته
يحب الزهور لذاتها فقط.

تحتضن سكك قطار المترو،
في كل محطة انتظار في لندن،
تطل على الفضاء،
والسماء و الشمس و المطر و الريح،
مرجاً من الأزهار،
تحرسها أعشاب دائمة الخضرة.
أزهار السكة وأعشابها
لا تكترث بالعجلات الحديدية،
ولا تتأفف من هدير القطار،
وتنظر بعين الشفقة
لوجوه المنتظرين المتعبة.
لا أحد يجيبها عن سؤالها لهم:
لماذا تتعبون؟
أزهار السكة وأعشابها
تعيش عالمها غير مبالية بالعبث
المترامي على الأرصفة،
كما لو أنها في بيتها
على قمة رابية،
لا ترى أحداً ولا يراها أحد.
في كل مرة أنظر إليها أسائلها:
كيف احتفظتِ ا بألوانك الزاهية؟
أكاد أسمع سخرية الأخضر
من الجفاف الذي يمر بجانبه،
وهو صامت مبتسم .
حين كنت جالساً في المقعد الوثير
والقطار يدلل على صحة
ما قاله أنشتاين،
لم يمنعني هديره من سماع
صوت الزهر،
حين أجابني:
أعيش حراً
السكة المكهربة تحرسني
فما من أقدام بشرية قادرة على أن تدوس على رقابي
ولا صاحب قطيع يرمي بأغنامه الجوعانة لتلتهمني
وليس بمقدور عاشق أن يقطفني
كرمى لحبيبته.
في كل مرة أقف في انتظار المترو
أقيم حواراً مع الزهر والعشب،
وقبل أن أصعد لأحشر مع الناس،
يلوح الزهر لي،
ويقول كلاماً لا يسمعه أحد غيري .
********
محطات المترو في لندن،
وبقوة التداعي،
ذكرتني بمحطات مترو سان بطرس بورغ
المزخرفة و النظيفة،
وبالجالسين المنهمكين في القراءة
والتشابه الذي يفسده طالبو العلم
من فقراء العالم الثالث،
من شباب مكبوت،
ليس سوى قضبان تمشي على أقدام.
ليس في محطات المترو في سان بطرس بورغ
سان بطرس بورغ التي كان اسمها لينينغراد
شحاذون وسكارى ومبتسمون
فرجال الشرطة العلنيون و السريون لهم بالمرصاد.
وتستقبلك وتودعك صور ماركس وإنجلز ولينين وبريجنيف
ولافتات تمجد الشيوعية
والحزب الشيوعي والدولة السوفيتية،
التذكر بسبب التداعي
لم يبعث في أي حنين،
مع أني لست متحجر القلب،
لكن الروسي الذي جاء لحماية الطاغية
والحفاظ على عرشه القاتل،
أطلق على حنيني الرصاص
في اللحظة التي أطلقه على حنجرة الحرية.
*******
على رصيف محطة المترو
اصطنعت عدم الإنتباه
لعناق بين فتاة وفتى،
كان العناق كما لو أنه في خلوة
بعيدة عن أنظار الخلق،
العينان مغمضتان،
والثغران ملتحمان،
والسواعد متشابكة.
ساءلت نفسي ما إذا كان
علي أن أنبههما بوصول القطار،
فهذا الغرق
سيحول دون أن يفيقا من الحال.
ولكن الغريب أنهما انتبها لقدوم القطار من بعيد،
فعلاً غريب أمر العناق هنا
يُبقي العاشقين في صحو وانتباه.
**********
في محطة المترو
لم أر عساكر يصعدون إلى القطار،
ولم أر أحد يرتدي السفاري وبيده دفتر،
لم أر صورة الملكة،
وأسأل دائماً عن معنى أسماء المحطات،
الذين استفهمتهم نادراً ما يعرفون.
لكني انتبهت مرة إلى محطة باسم رسل،
تراءى لي رسل وهو يقهقه متسائلا:
من هذا الذكي الذي جاء بي من بيوتي
المنتشرة في الكتب،
وعقول الخاصة،
إلى مكان يمر به الجاهلون بي ،
ولا يعني لهم اسمي سوى أنه
اسم لمحطة مترو.
**********
أمام محطة مترو همرسميث
يتكاثر الشحاذون،
ولا أحد منهم يشبه الآخر في السؤال.
شحاذ صامت يفترش الأرض،
ولا ينظر بعيني أحد،
وآخر يجلس على كرسي صغير
ويقرأ كتاباً،
وثالث يتجول بين الداخلين و الخارجين
ويمد يده بصمت أحياناً،
وبتمتمات غير مفهومة أحياناً أخرى،
ورابع يضع أمامه آلة عزفه ومكبر الصوت.
بالأمس تجمهر الخلق حول زنجية
أسحرتهم بصوتها المنفعل،
وكنت واحداً منهم.
انهالت عليها النقود معدنية وورقية،
ونسي الجمهور توسلها.
المتسولون عند محطة همرسميث
متنوعون في الخِلقة،
ومختلفون بالأداء،
الأسود والأسمر والأبيض والأشقر،
ولَم أصادف أحداً بعد من العرق الأصفر،
حتى الشحاذون ،هنا، يكرهون التشابه،
ويحبون الإختلاف .
*******
عند مدخل محطة مترو همر سميث
يعرض بائعي الزهور باقاتهم،
دون أن يخالجهم خوف من شرطي
حاقد على المدينة والأرصفة،
وعليها سعرها،
بائع الزهور لا ينادي الزبائن،
العيون هنا لا تحتاج إلى أصوات كي تنتبه.
لا تمضي سويعات
إلا وتكون باقات الزهور قد رحلت
بأكف حنونة محبة.
تمنيت لو أني أحمل باقة،
ثم تذكرتُ،
بأن الغريب الذي لا تنتظره حبيبته
يحب الزهور لذاتها فقط.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الميترو في لندن

29-حزيران-2019

كاتب القفص

11-كانون الثاني-2016

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow