Alef Logo
دراسات
              

وجهة نظر - هكذا يمكن أن نفهم العلمانية (1)

خليل صارم

2008-03-29


تعريف العلمانية : لم نلاحظ أن هناك اتفاقاً واضحاً على تعريف مفهوم العلمانية لدى الباحثين العرب وحتى بالنسبة للأوربيين هناك بعض التباين ولكنه غير ملحوظ بمثل هذه الحدة لدى العرب ضمن الأحزاب العلمانية وبينهم وبين الإسلاميين .
في الغرب فان أصل الكلمة باللاتينية هي SECULARISM وتعني معجمياً
الدنيا أو الدنيوية أوالواقعية .. الحقائق .. اللاغيبية ..واستعملت كمصطلح يشير إلى الدولة اللادينية (وهي غير الملحدة) والمقصود بهذا المصطلح هو: الدولة الغير محكومة برموز دينية وليس الدولة التي تحظر الأديان كما يحلو لغالبية المتشددين ترداده وهم يعلمون قبل غيرهم أنه غير صحيح .
SECULAR = ( الدنيوي ) العلماني : العلم بمعنى العالم . العالموي .. الدنيوي خلاف الديني أو رجل الدين . أي عكس اللاماورائي . وقصد به الغير متمسك بالغيبيات .أو بمعنى أدق هو : المتعامل مع الواقع كما هو بعيدا ً عن الغيبيات
في قاموس أكسفورد توضيح معنى المصطلح بالانكليزية على الشكل التالي :
The view of morality and education should not be based on religion . بمعنى أن :
( العلمانية مفهوم يرى ضرورة / واجب أن تقوم التربية و الأخلاق والتعليم على أسس غير ذات أبعاد دينية أو غيبية ) بمعنى مستمدة من الواقع . يصونها ويحميها القانون . أي المنسجمة مع الحياة والواقع .وتوصل إلى منع الاتكاء على مبررات غيبية لمخالفتها . أي التعليم المفيد والذي يساهم في تطور المجتمع ورفاهيته ويكون مستمداً من الحاجة والواقع ولايتكيء على مسلمات غيبية لايمكن مطابقتها مع الواقع
يبدو أن البعض قد نقل تعريف العلمانية SECULARISM عن دائرة المعارف البريطانية بشكل محدود وحرفي يوحي بمعنى خاطيء وهو ( اللاديني ), (وهذا الخطأ هو تحريف مقصود ) يقف خلفه عدد من رجال الدين المتشددين : فالتعريف الحقيقي هو : إن العلمانية هي حركة اجتماعية تهدف إلى دفع الناس للاهتمام بشؤون واقعهم ( الدنيوية ) وتنظيم أمور حياتهم وفق المعطيات الحقيقية المتوفرة والأكيدة . وهذه الحركة أو ( المفهوم ) جاءت رداً على انصراف الناس إلى شؤون الآخرة والتي قسرهم عليها رجال الدين لإلهائهم عن واقعهم المظلم والظالم الذي مارسه بحقهم حكام القرون الوسطى ورجال الدين الأمر الذي منع تطور المجتمع والذي بدوره اتجه إلى الاتكالية والتطلع نحو الغيب . والابتعاد عن الاهتمام بشؤون حياته إلا بأدنى الحدود الكافية للبقاء على قيد الحياة: بمعنى أنه
( يعيش على الحد الأدنى من الطعام واللباس والنوم كحياة الحيوانات الداجنة ) ويقدم مابقي له من جهد وعرق لمستغليه . والواقع أن هذه النزعة تنامت لتصبح اتجاهاً مضاداً للدين الذي كان يمارسه رجال الكهنوت والذي كان حقيقة ً منحرفاً عن مضمون الدين الصحيح ولا علاقة له به .
والعلمانية لاتتناقض مع الدين : بالطبع فأنا أقصد الدين السليم والصحيح كما هو أي الذي يتطابق والرسالة السماوية . بغض النظر عن إضافات الفقهاء وتفسيراتهم الخاصة . ولنتابع مع الإسلام وهو ما يهمنا في بلادنا :
( في الإسلام والثقافة الإسلامية هناك حديث متداول وأساسي يقول ) *إعمل لدنياك وكأنك تعيش أبدا وإعمل لآخرتك وكأنك تموت غدا ً *من الواضح أن هذا الحديث هو :معادلة علمانية متكاملة . فهي تطالب الإنسان الاهتمام بشؤون دنياه أي أن يرى واقعه جيدا ً ويتعامل معه دون الابتعاد عن(المنظومة الأخلاقية )وهو المقصود بـ..إعمل لآخرتك وكأنك تموت غدا ً . ولا أرى أن أي مفهوم آخر لهذا الحديث يمكن أن يكون مقنعا ً . لذا فإنه يتوجب على الإنسان أن يحدد أنماط عيشه وأسلوب حياته وأن يحسن التكيف مع محيطه وواقعه . فالرزق يتأتى بالعمل ونوع العمل الملائم لكل إنسان والتخصص فيه ولا يأتي بالجلوس والتقاعس والدعاء. وأن يكون كل شيء منظما ً بشكل مسبق دون أن يترك نفسه للأقدار أو الصدف تسوقه على هواها . حتى علاقاته مع المجتمع الذي يعيش فيه يجب أن تكون محكومة بمبادئ وأنماط محددة مستمدة من هذا الواقع إلى جانب قواعد القانون وقواعد الحياة الأخلاقية المتفق عليها . حتى هذه العلاقة تكون محكومة بتطور المجتمع والعادات الطارئة والمستجدة بحكم هذا التطور . وهذا هو أساس الثقافة الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم المدفونة والمعتدى عليها عبر التاريخ . ولو تم إبراز حقيقة هذه الثقافة لتطابقت تماما ً مع العلمانية .
والواقع يؤكد أن العلمانية هي حركة اجتماعية اقتصادية سياسية حملت الأفراد داخل المجتمع الغربي من المجتمع ( الثيوقراطي ) الديني المتزمت المظلم والظالم إلى الحالة العلمية الدنيوية ( المدنية الأرضية ) وفي هذا السياق لم يعد الإنسان مجبراً على تنظيم أفكاره وأعماله وفق معايير غيبية فرضت عليه مسبقاً ووضعها رجال الدين لصالح السلطة ثم ربطوها بالدين على أنها إرادات إلهية , بل أنه يجد مباديء ومقاييس وجوده وعلاقاته في ذاته لا خارجها , على اعتبار أن المنطلقات الماورائية تنفي حس المسؤولية لدى الكائن البشري . ( وتحوله إلى كائن اتكالي مستسلم ) .
( الحديث أعلاه )
- إن العلمانية .. تعني إبعاد المجتمع عن سيطرة الرموز والمؤسسات الدينية . *
( مقتبس ) .
 وهذا في حد ذاته .. مفهوماً ..غير الإلحاد الذي يحلو للمؤسسات الدينية ورجال الدين التمسك به وإلصاقه بالعلمانية . ولاندري ماهو الرابط بين سيطرة رجال الدين ورموز المؤسسة الدينية على المجتمع ..وبين الإيمان .أو الكفر ..؟ إلا إذا كان رجال الدين يرون في أنفسهم أنهم ( الدين كله ) وليسوا فقط من يقومون بتوضيح الدين أو التبشير به وتوجيه وإرشاد المجتمع حفاظا ً على المنظومة الأخلاقية وعلى تطوير الحالة الإنسانية والارتقاء بها , ولما كانت هذه هي رؤيتهم لأنفسهم لذا فإنهم قد احتلوا عبر العصور مكان الإله ومارسوا كل ماتفتقت عنه عقولهم من قسر وعنف وإلزام بمفاهيمهم وبأنفسهم وبالتعاون مع السلطة والسلطان . أي أنهم الآلهة الجدد أو البديلة . أليس هذا تطابقا ً مع مفهوم الشرك كما في الإسلام . بل في كافة الرسالات السماوية ..؟ !!هذا واقع لايستطيع رجال الدين التملص من مسؤولية آثاره التاريخية على المجتمع والتسبب بعرقلة تطوره .
- وأوضح هنا أن هذا الاستبعاد لرجال الدين لايكون قسرياً ولكنه يتم من خلال ضمانة القانون الذي يصون الحرية الشخصية في ظل نظام ديمقراطي سليم يضمن حرية المعتقد ولايوفر أي تفضيل لمعتقد على آخر الأمر الذي يترافق مع القسر والقمع والإلزام . ولا أعتقد أن العقيدة السليمة سواء كانت سماوية أو أرضية بحاجة إلى القوة والقسر, لأن سلامة العقيدة أو النظرية أو الآيديولوجية ..  بحد ذاته يضمن سعة قاعدة المؤمنين أو الملتزمين أو المقتنعين بها وسعة انتشارها . أما العقيدة أو النظرية أو المبدأ الذي يحتاج إلى القوة , فهو مشتبه ويشوبه انحراف لا يتلائم والطابع الإنساني الأخلاقي لذلك فان حاجته إلى القوة التي تدعمه يؤكد عدم سلامته وانحرافه عن مجراه الطبيعي السليم كي يكون في خدمة السلطة أو لإنتاج سلطة تبحث عن استمراريتها بالقوة وخلافاً للواقع الإنساني والأخلاقي بل وخلافاً لمنطق الطبيعة ذاته ..
من هنا يتبين لنا أن استبعاد سيطرة المؤسسات الدينية ورجال الدين على سياسة الدولة الداخلية والخارجية وإيجاد الدولة المحايدة بين كافة قطاعات وأطياف المجتمع هو المطلوب في حد ذاته حفاظا ً على نقاء الدين والمفاهيم الاجتماعية الايجابية  وعدم تشويهه من قبل من يريدون استغلاله لمكاسب ذات طبيعة تسلطية وحفاظا ً على تطور المجتمع الطبيعي .
ويلاحظ الباحثون والمتتبعون للتاريخ أن إزاحة تلك السيطرة قد خلقت مناخاً من الحرية في الغرب مكنت العلم من أن يقفز قفزات واسعة دون أية عراقيل بعد أن كان مكبلاً بعقلية رجال الدين المتخلفة التي كانت ترى في التطور العلمي( في أوربا العصر الوسيط) وخاصة الفيزياء والكيمياء والرياضيات شكلاً من أشكال السحر والإلحاد فتحاكم العلماء وتحرقهم بزعم تطهيرهم من السحر.. حتى الطب لم يسلم من براثنهم وامتد ذلك إلى كافة أشكال العلوم وأساسها (الفلسفة ) وحتى الأدب . وبنتيجة استبعاد تلك السيطرة تطورت المجتمعات الغربية بهذا الشكل السريع منذ الثورة الفرنسية وحتى الآن . وهذا دليل على أن الدين كان قد استخدم في غير مكانه السليم ووضع في خدمة السلطة فقط وكان رجال الدين هم الأداة الفعالة ليحولوه وفق رؤيتهم إلى أكبر عائق أمام تطور المجتمعات . وقد سبقهم فقهاء السلطة في العالم الإسلامي بذلك عندما اتهموا رجال العلم بالزنادقة عبر مقولة من تمنطق تزندق.( إن هذا ما يفسر توجه الحركات المتشددة التكفيرية عندنا إلى اضطهاد العلماء والمفكرين والباحثين واغتيالهم حفاظا ً منها على نفوذها وسيطرتها القسرية ) . كما يفسر الهجوم الشرس لرجال الدين من المسلمين وغير المسلمين المتشددين على العلمانية من خلال تأويلهم المنحرف لمضمونها ومقاصدها .
* ولقد أوضح الكثير من الباحثين أن عملية العلمنة لم تكن موجهة في أصلها أو جوهرها ضد الدين كعقيدة روحية بقدر ماكانت موجهة إلى السلطة الدنيوية لرجال الدين وللكنيسة والى المفاهيم والتصورات التي أشاعوها منذ القرن الرابع الميلادي لتأكيد تلك السلطة على المجتمع .. دولة وأفراد.. وعلى مصادر الثروة والطبيعة , وجهود وثمرة تعب المجتمع  باعتبار أنهم يملكون سلطة تقرير مصائر الأفراد في الدار الآخرة .
من ناحية أخرى فقد أجمع الدارسون على أن عملية العلمنة وأساسها المتمثل في النزعة العقلانية لم تكن موجهة إلى سلطة رجال الدين وحدهم وإنما كانت في مسارها التاريخي حتى الآن  موجهة إلى كل سلطة تعتمد أيديولوجيا مغلقة تتجاهل تطورات الحياة الاجتماعية وتضع قيودا ً على حرية البحث العلمي وحرية المعرفة وكل ما يعرقل تطور المجتمع وهي أي العلمنة تعمل على تأكيد الحريات الاجتماعية والسياسية وحقوق الإنسان ( وهذا ما يفسر تلازمها المطلق مع الديمقراطية . بل أنها هي التي أسست للمفهوم الديمقراطي )   , وقد ارتبطت منذ القرن السادس عشر في أوربا الغربية بعملية التحديث بما تضمنته تلك العملية من مستجدات لمست وغيرت جذور كل من البنيات المعرفية ( ثقافيا ً اجتماعيا ً اقتصاديا ً ) . إضافة إلى البنية الإنتاجية والمالية والسياسية والسلوكية . وكافة أوجه العلوم والإنتاج العقلي المعرفي المختلفة * ( مقتبس بتصرف ) .
- بعيداً عن آراء المنظرين الغربيين وعن التعاريف التي صدرت في الغرب عن العلمانية فأنا لا أرى ضرورة الاتكاء على آراء الباحثين الغربيين بالمطلق , لأن هذا التوجه يسيء لنا ويدل على عدم قدرتنا على إنتاج مفاهيمنا العلمانية الملائمة لحاجاتنا وبالتالي قصورنا العلمي والثقافي , وهذا غير سليم وغير صحيح وإساءة لمفكرينا وباحثينا الذين نعتز بهم . ذلك أن وجهة النظر الغربية جاءت وفق حاجة وواقع المجتمعات هناك وبالتالي فان هذه الرؤيا قد لاتنطبق وواقعنا وثقافتنا والتجربة أكدت ذلك مع النظرية الاشتراكية العلمية عندما كانت الأحزاب الاشتراكية القومية أو الشيوعية( الأممية ) تستدعي النظرية وتطبيقاتها من خارج محيطها , لنكتشف بعد مرور عقود أنها لم تكن ملائمة لنا من حيث التطبيق الكامل وكان من المفترض أن يكون التطبيق وفق حاجاتنا أو وفق الثغرات الموجودة في مفاهيمنا وواقعنا المعاشي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وقد تبين أن تبنينا لها كان من قبيل التقليد والإعجاب معطلين عقولنا عن العمل والإبداع والقبول بالتلقي فقط . وكان من الواجب والضروري أن نعيد فهمها وصياغتها وفق واقعنا من كافة جوانبه لتأمين عملية ملائمة صحيحة , والغريب أننا حفظناها كما هي في موطنها وكان لدينا القدرة على مجادلة أصحابها بمفاهيمها دون أن نقترب ولو قيد أنملة من واقعنا ., الأمر الذي خلق ردة فعل ضدها بين غالبية مجتمعاتنا , ولو أنها طبقت وفق الواقع انطلاقاً مما نحن فيه لكانت قد حظيت بتأييد شامل ولوفرت العدالة التي كنا ننشدها على الأقل كانت قد وفرت دفعات كبيرة من التطور تؤسس لما بعد وفق التطور الانساني المتسارع  . على كل حال هي لم تطبق بالشكل السليم حتى في مكان ظهورها .
- هكذا حالنا الآن مع العلمانية بتطبيقاتها الديمقراطية والليبرالية , فنخبنا جاءت بها كما هي بتطبيقاتها الكاملة في الغرب دون وعي أو دراسة لما يتناسب ولما لا يتناسب منها مع ثقافتنا وواقع مجتمعاتنا .. وواقعنا الاقتصادي وقدراتنا على التعامل والتكيف معها حضارياً . الأمر الذي ترك ثغرات كبيرة في مفهومها لدى عامة المجتمع وهذا ما أتاح لكثير من رجال الدين وخوفاً على مواقعهم..من مهاجمتها وتحميلها مالا تحتمل من تكفير واتهام بالإلحاد , في الوقت الذي لا علاقة للعلمانية بذلك كله  , وبنفس الأسلوب الذي هاجموا فيه الاشتراكية التي دخلت مع رجال الدين في معركة غير متكافئة عنوانها الإلحاد والإيمان . وخاصة مع المسلمين وليس الإسلام كما كانت مع المسيحيين وليس المسيحية . بسبب عدم الالتفات إلى الفوارق الحضارية والثقافية والاقتصادية وخاصة  من حيث التنظير الذي خرج به رواد الاشتراكية من ضمن مجتمعاتهم  عبر واقع يختلف عن واقعنا في كافة الجوانب تقريبا ً .
- من جانب آخر فقد لوحظ حالة من الضعف والتردد والقصور في فهم العلمانية لدى الكثير من القوى العلمانية .. ساعدت القوى المتشددة في تطوير هجومها ضد العلمانية .. بحيث لاحظنا أن البعض من هؤلاء العلمانيين قد سجلوا تراجعا ً أمام مطالب البعض من المتشددين الذين قالوا بأنه لامانع لديهم من الأخذ بالمفهوم العلماني شرط تغيير الاسم لما له من حساسية في مفهوم المجتمع حسب مزاعمهم .. والواقع.. أن هذا الزعم غير صحيح وإنهم يريدون تسجيل أول نقطة تراجع ليطوروا هجومهم فيما بعد . وهناك خطأ آخر ارتكبه بعض الذين يزعمون العلمانية والذين فهموها على أنها تفلت كامل وموقفا ً سلبيةً من الدين كله بمنظومته الأخلاقية  وليس من غالبية رجال الدين الذين عرقلوا تطور المجتمع فركزوا هجومهم على الدين بحد ذاته  معتبرين أنه هو سبب التخلف في شكل من أشكال ردود الفعل المتطرفة . بدلا ً من أن يكون هجومهم ضد الفهم المنحرف للدين وضد رموز هذا الانحراف .. موفرين الذرائع لرجال الدين لتأليب المجتمع ضد العلمانية ..والحقيقة أن هؤلاء ليسوا علمانيين ..ولكنهم ( لادينيين ) كما يصفون أنفسهم في بعض الأحيان فقد قرأوا الدين قراءة خاطئة بعد أن اختلط الموروث بالأصل وذلك بسبب ارتكابات فقهاء السلطة .

                            العلمانية .. حاجتنا إليها .
قبل المتابعة أرغب بالاشارة الى أن ماجاء أعلاه ليس بالضرورة ملتزماً بقواعد محددة مسبقة الصنع  ولكن مع الاتكاء على مفاهيم متداولة هنا وهناك بمعنى أن الغاية هي الخروج برؤية  ومفهوم خاص بنا قد يميزنا عن الآخرين من حيث واقعنا الحالي كماهو ومن حيث سماتنا وثقافتنا  وذلك دون التزام بنص محدد مع الحفاظ على المنهجية العلمانية بشكل عام  في البحث والفهم والاستنباط   واعتماد مقاربة جزئية أو اكثر بقليل حسب الحال .. من جانب آخر يتوجب الابتعاد عن الالتزام بالمصطلحات ومايتفرع عنها على اعتبار أن النقاش المفترض يتوجب أن يكون ضمن الشارع بلغته المبسطة واستشرافاً لمصطلحات قد ينتجها هذا الشارع  بمرور الوقت بحيث يتولد الاحساس لديه بالنتيجة أن هذه المفاهيم هي من انتاجه بغض النظر عن منشأها الأصلي حتى ولو اكتشفنا تاريخياً ( حسب عادتنا ) أنه قد يعود لنا بشكل من الأشكال.
- للعلم فإن العلمانية ليست وليدة مدرسة فلسفية بعينها كما يدل عليه ظاهر الحال .. لذا فإنه من الخطأ نسبها الى هذه الجهة أو تلك .. ولكن يمكننا القول بالتطبيق أو المنهج أو المنحى أو التوجه  العلماني وننسب هذا التطبيق الى من يأخذ به .
إن المدقق والباحث والمتابع يكتشف بسهولة أن العلمانية تعني الاتفاق على تطبيق أو مجموعات تطبيقات ومفاهيم محكومة بقواعد اجتماعية انتجها التطور التلقائي والتجارب السابقة للإنسانية وهي قواعد في حركة وتطور وتعديل دائمين تنبثق عن الحاجة المجتمعية . فالقول بضرورة تعامل الانسان مع واقعه بشكل عقلاني بعيد عن الغيبيات ..وأن قواعد التربية والحياة الأخلاقية تستمد من حالة المجتمع وواقعه وماوصل اليه وبشكل منطقي . فإن هذا ليس  كشفاً وليس قاعدة جرى تركيبها . انها تعبير عن ضرورة وحالة فهم لما وصل اليه المجتمع وترجمة أو قراءة لواقعه  ووجه الضرورة هنا هو نقل هذا المجتمع من حال إلى حال أفضل . لأن الاتكاء على الخرافة والغيبيات من شأنه تعطيل قدرات الأفراد وعدم رؤيتهم الصحيحة لواقعهم وكيفية التعامل معه وتحسينه وهذا مايتنافى تماماً مع جوهر وحقيقة الدين الذي طالب بفهم الواقع  .. ( اعمل لديناك وكأنك تعيش أبدا ).
 بعد أن أوضحت ( في الجزء الأول )  ومن خلال ماهو متداول ومنطقي حقيقة مفهوم العلمانية الذي يوفر الحرية المطلقة  لابراز الوجه النبيل والإنساني لكافة الرسالات السماوية ولموروث المجتمع الأخلاقي ولكافة المعتقدات وفق ما هية حقيقتها وبمعاييرها التي ترتقي بالحالة الإنسانية للمجتمع وليس وفق المفاهيم التي يضخها القسم الأعظم من مزيفي العلمانية من السياسيين الذين يستغلون كل شيء لمآرب خاصة أوالكثير من رجال الدين (دون استثناء لدين بعينه ) الذين سعوا لتحويل الدين إلى أسس وقواعد سلطة بقصد السيطرة على المجتمعات لصالح الظلم والسلطات الظالمة عبر التاريخ  في حالة من التحالف معادٍ للإنسانية والدين بحقيقته وتغييب الانسان وحريته عن دائرة الفعل . في حالة من التفاهم والتناغم بينهم وبين الأنظمة الأوتوقراطية وأنظمة الديمقراطية المزيفة . وهذا من أهم أسباب ماوصلنا من الانحراف الفظيع والاختلاق والأكاذيب في مفاهيم الأديان الذي نعيشه عبر الأجيال والذي تعاظم في السنوات الأخيرة , حتى أوصلونا إلى مرحلة من ازدحام المفاهيم الخاطئة والمخالفة للمنطق أنتجت كل هذه الموبقات التي تفكك المجتمعات وتدفع بها نحو الانهيار وأهم هذه الموبقات هي حالة العداء والتعصب والتنابذ الديني الطائفي والمذهبي بين أبناء الوطن أو المجتمع الواحد والتي ماكانت لتظهر لولا جريمة تحريف الديانات وتجزئتها واغراقها بتفاصيل لاتنتهي  وهذا الأمر يمكن ايقاظه متى وجدت القوى المعادية والقوى المنحرفة والمرتبطة بها ومتى رأت أن ذلك موافقاً لمعايير مصالحها الخاصة وبذلك تكون قد قدمت أسوأ أنواع الموبقات التي أنتجت قوائم طويلة من الأخلاقيات الدونية  السيئة المخالفة للمنظومة الأخلاقية بكافة قيمها النبيلة . لقد بات الكذب والنفاق والانتهازية والشذوذ والظلم وكافة القبائح الأخرى أموراً أكثر من عادية تمور تحت السطح في المجتمعات التي تشهد تشدداً دينياً وخلافات وصراعات قائمة على قاعدة أو خلفية دينية أو مذهبية أو اثنية .
 وهي قيم قابلة للتبرير من وجهة نظر البعض اذا كان في ذلك مصلحة للسلطة أولفريق بذاته وحتى للمحتل والمغتصب ( العراق – باكستان – افغانستان – لبنان ) في المرحلة الحالية ..وانظر كيف تتطابق أفعال هؤلاء مع مصالح القوى المعادية للمنطقة ( النظام الأمريكي والصهيونية العالمية )  .. هذه حقيقة يتوجب الاعتراف بها اذا توفرت الارادة لدينا للخروج من هذه الحالة والانتقال الى عتبات التطور الحضاري مع متلازمته الأخلاقية  .
إن هذا الواقع قد يؤدي بمن يستمر بتجاهله ويكابر عليه إلى تفكك المجتمع السريع والانهيار الذي لا رجعة فيه والواقع يؤكد ( أن مجتمعاتنا العربية تخفي من التفكك والقابلية للانهيار مايسبب الصدمة لأي متفائل )   ذلك أن الخوف على الحياة والحاجة إلى اللقمة في ظل انقلاب المعايير والتسلط  وممارسات السلطات المتشددة تاريخيا ً وماتضخه من فساد دفعت بالإنسان الذي يعيش بهكذا بيئة تتوارث الخوف والرعب  إلى التمسك بهذه القيم المتدنية ضماناً  للسلامة  واستمرارية الحياة في أدنى الحدود انطلاقاً من هذا الواقع  يمكن أن ندخل في مفهوم  العلمانية التي يمكنها أن  تعيد صياغة المجتمع الواعي لمنطوق الواقع الحقيقي المحسوس والملموس ضمن محيط العدالة والحرية وحقوق الانسان مع التركيز على القيم الأخلاقية التي تسمو بالانسان حيث أن مناخ العدالة يعيد انتاج القيم النبيلة بشكل تلقائي على عكس القسر والظلم وانتفاء العدالة التي لمسنا ماتنتجه من انحراف ونفاق وقيم ساقطة منحطة .
 ان العدالة واحترام حقوق الانسان في الحرية والعمل والعيش الكريم والتعبير والمعتقد والمشاركة  والحفاظ على وجوده   وفق مايراه تحقيقاً لقيمته وانسانيته وبشكل منطقي عقلاني وتشجيعه على فهم واقعه وكيفية تعامله مع هذا الواقع بعيداًَ عن السفسطة والخرافة والهرطقة والوهم  من شأنه الدفع به نحو خطوات أكثر حضارية ورقيا ً.
لما كانت العلمانية تساوي بين كافة المعتقدات وتبرز الوجه النبيل لها ملغية بذلك أهم عوامل تشظية المجتمع وتفكيكه  وهي أي العلمانية ..تتعامل معها عبر الديمقراطية من خلال الاقرار بحق  حرية المعتقد والرأي وتقف منها على قدم المساواة دون أي تحيز أو تمييز والأهم من ذلك أنها تقف بوجه أية محاولة فرض لرأي أو معتقد على الآخر .. من خلال رفضها تدخل رجال الدين أو القوى النافذة الأخرى في سياسة الدولة وسلطتها الدنيوية عبر قوانين تفرض المساواة بين مواطنيها وتعتني بأدق تفاصيل حياتهم وكيفية حمايتها .. وتعتبر أن حق المواطنة وماينتج عنه  هو السقف الذي يتحرك تحته الجميع بحرية مطلقة دون أي فرض أو إكراه مادي أو معنوي أو بأي شكل آخر ذي طابع قسري ..اكراهي  . الأمر الذي يتيح للانسان التقاط انفاسه واجراء مراجعة شاملة تترافق مع تغيير النظرة الى محيطه وواقعه فيعيد اكتشافه انطلاقاً من حاجاته الحقيقية لينتقل اوتوماتيكياً الى برمجة شؤونه باسلوب منطقي . واقعي ..عملي ..مقبول .. يستند إلى امكانياته العقلية والجسدية والاجتماعية والمادية الحقيقية ومباديء الأخلاق .
- لقد لاحظت القوى العلمانية المتنورة والتي استفادت من التجارب الخاطئة السابقة  .. إن الانسان لايمكنه الاستغناء عن فضاء روحي يأخذه بعيداً عن ضغوط الحياة المادية التي سيطرت تماماً على بعض المجتمعات فحولتها الى آلة كبيرة يكون الفرد فيها مجرد قطعة صغيرة للغاية بدون أية أحاسيس ومشاعر تؤكد انسانيته . هذا الفضاء الروحي من شأنه المساهمة في تخفيف الضغط النفسي بما يمكن الانسان من اعادة التفكير في محيطه بالتلازم مع انتاج قيم أخلاقية جديدة تتلائم وهذا الواقع   بحيث يستعيد معها جانباً مهما ًمن  حياته ومشاعره العاطفية الانسانية  فتجدد رؤيته وطاقته وتعيد تنظيمها بشكل أرقى بحيث يصبح الفضاء الروحي محطة لابد منها لمن يريد إسترداد هذه القيم الأخلاقية النبيلة والتخلص من قسوة وجمود الحياة المادية التي تؤثر سلباً على العلاقة الانسانية السليمة وتعزل الفرد ضمن شرنقة قاسية الغلاف من الأنانية  مع أن هذا يدخل ضمن الحرية الشخصية للفرد في اعتقاد مايشاء   لذا فإنها أي) العلمانية) وبهذا الشكل والمفهوم  تصبح هي الدواء الأفضل والأكثر نجاعة الذي يوفر الشفاء الحقيقي من كافة العلل التي تعاني منها مجتمعاتنا وأسوأها على الإطلاق.. الطائفية والمذهبية والاثنية وما يقع تحتها من قوائم الانحراف الأخلاقي المضمر .
- إن علمنة المجتمع لايمكن أن تتم بقرار أو بمرسوم صادر عن السلطة مهما كانت هذه السلطة شفافة وصادقة في نواياها وإلا فإن العلمانية تنقلب الى ديكتاتورية وتتحول الى آيديولوجية, وهذا غير صحيح ويتعارض مع حقيقة العلمانية كونها مفهوم يتأتي عبر المراكمة للوعي والثقافة   وليست نظرية أو آيديولوجية. إلا أنه يمكن التأسيس لهذه العلمنة عبر مراكمة الثقافة العلمانية الصحيحة المتلازمة مع المنظومة الأخلاقية  ضمن المجتمع وجعلها موضع بحث ونقاش دائم بحيث يضيف عليها هذا المجتمع ونخبه الواعية  الكثير من سماته لتطبع بطابعه من حيث التفاصيل وان كانت في اطارها العام واحدة  لدى كافة الشعوب .ويترافق ذلك مع التأسيس  لقوانين واضحة ودقيقة تعتني بأدق التفاصيل التي تمس حياة المجتمع وحقوق أفراده ( مع التركيزالأهم على حرية وحقوق الفرد ) باعتبار أنه كيان مستقل بذاته يتوجب الاعتراف به قبل كل شيء  وحماية  حريته التامة وضمان حقه في الحياة والعمل ومعها بالطبع حرية المعتقد, والتعبير والرأي ..الخ . وتوفير الحماية التامة لهذه الحقوق بحيث تكون هذه الحماية قادرة على الاستمرار والتطور الموازي لتطور المجتمع ومن خلال القوانين الدقيقة كما أسلفت  .
 و (لاأرى في هذا أي تناقض مع الدين وفق النص المقدس عندما يفهم بشكل صحيح ).ويبقى أن السلطة مهما تبدلت وتغيرت عبر السبل الديمقراطية تكون عاجزة عن المساس بهذه القوانين والدساتير  بل أنها تأخذ دور الحارس الأمين على تطبيق هذه القوانين ومساواة الجميع أمامها. وبحكم القانون نفسه . وبدون ذلك يصبح أي كلام عن العلمنة والديمقراطية والحرية هو مجرد هراء وسفسطة لاقيمة حقيقية لها .
 - إن هذا ما يؤكد تلازم الديمقراطية مع العلمانية لابل أن الديمقراطية   والحرية وحقوق الانسان خارجة من رحم العلمانية   بحيث لايمكنها أن تعيش دون العلمانية  مهما كانت المحاولة وبغير ذلك تكون المناداة بالديمقراطية هي عملية خداع للمجتمع لا تتعدى تسويق الوهم., والتحايل على المجتمع لايقاعه في قبضة قوى تعمل للسيطرة وفرض رؤاها الحقيقية التي تخبئها تحت قناع الديمقراطية .
- إن محاولة الفصل بين العلمانية والديمقراطية التي تقوم بطرحها القوى المتشددة دينياً أو القوى العالمية المزيفة لها  والتي مارستها باقي الايديولوجيات من خلال السلطة وكلها تتظاهر بالاعتدال الذي يخفي الطموح إلى السلطة والسيطرة
إن تسفيه العلمانية وتكفيرها والزعم بالتمسك بالديمقراطية ليست سوى كذبة كبيرة وخدعة لا أخلاقية تطمح القوى الطامحة الى السلطة  أن يبتلعها المجتمع لتنسف كافة أسس وأشكال الديمقراطية عند وصولها إلى السلطة واعادة محاصرة المجتمع ومعاملته معاملة قطعان البهائم  . فأية ديمقراطية يمكن للقوة الأكبر دينياً أو قومياً أو أي شكل من أشكال الأيديولوجيات أن تطبقها طالما أنها تعتمد على الكثرة العددية أو القوة  في الاستيلاء على السلطة وتطبيق رؤاها بحيث يكون الأمر بالنسبة  لها مجرد مسلمة بديهية وتحصيل حاصل .. إنه ومهما كانت الانتخابات التي أو صلتها إلى السلطة نزيهة وشفافة فانه لا علاقة لهذه الانتخابات بالديمقراطية كونها محسومة مسبقاً وبالتالي فان ممثليها لن يأبهوا إطلاقا باعتراضات ومطالبات القوى والأطياف المجتمعية الأخرى,,  ولاحتى بآراء ناخبيهم  بمعنى أنهم يقصون  حتى المجتمع بكليته ويتنكرون بسهولة لمطالب المساواة وضمان الحقوق الأمر الذي يدفع بالجميع  إلى المطالبة بحقوقهم عبر أساليب وطرق أخرى أقلها ذات طابع صدامي سلبي  . وهكذا تبطل المزاعم الديمقراطية في هذه الحالة لتتحول إلى صراعات وتشظي للمجتمع .
 - إن الديمقراطية الصحيحة والسليمة لايمكن الوصول اليها إلا ضمن الإطار العلماني وعبر اعتماد قوانين محايدة تضمن الجميع وتقف على مسافة واحدة من كافة قوى المجتمع الدينية والمذهبية والقومية والسياسية وتصونها هادفة إلى التعامل بالتساوي مع الجميع انطلاقاً من التركيز على (حقوق الفرد التي هي الأساس بغض النظر عن انتمائه العقائدي والسياسي والأثني)  ودون أية استثناءات وضمان حريتهم بحيث تمنع فرض منطق القوة الأكبر دينية كانت أم قومية أو حتى من حيث الجنس أو سياسية  معتمدة لأية آيديولوجية أخرى  أم غير ذلك  لكي ينصرف المجتمع إلى بناء نفسه بالشكل السليم ونسج علاقات شرائحه بين بعضها البعض على أسس منطقية عادلة محترمة ينتجها تلقائيا ً تدفع باتجاه تطوره وبذلك تكون قد أسست حقيقة للديمقراطية التي يثريها هذا التنوع  حتى ولو وصلت القوة الأكبر للسلطة كما أسلفت  ذلك أن الأقلية التي وتحت شعار المواطنة ستتحول الى أقليات سياسية ضمن خليط متنوع يمكن أن يكون حزباً أو منظمة أهلية  وليست قوى مذهبية وطائفية وأثنية  يتوجب أن تكون ممثلة في السلطة ضمن حيز قانوني يحفظ لها  الشعور بأنها تمارس حقوقها التي ضمنتها لها الدساتير والقوانين ..ولا يجوز احتكار ممارسة السلطة  حتى ولو بواسطة أكثرية مطلقة طالما أن القانون يضمن حق الجميع . . إلا أن ما يضمن سلامة هذه الديمقراطية على المدى البعيد والدائم هو أن تنص القوانين على عدم السماح بأية دعاوى تقوم على أسس تعصبية متشددة قومية أو دينية بحتة أو مناطقية أو عشائرية ...الخ .. لتتحول كافة القوى والشرائح إلى قوى مواطنة حقيقية تتعامل مع بعضها البعض من حيث الانتماء الوطني  وبالتالي تكون برامجها وأهدافها متكئة على أسس تخدم المجتمع ككل وهنا يتحول التنوع الى اثراء قيمي ثقافي حضاري اقتصادي.. وبالتالي فان صناديق الانتخابات تكون من نصيب القوى صاحبة البرنامج الأفضل للمجتمع . سياسياً – اجتماعياً – اقتصادياً . وليس من نصيب القوة العددية العمياء التي تحركها الغرائز  ..ودون إنكار حقوق أي من الشرائح مهما قلت أو صغرت طالما أنها تتحرك تحت سقف واحد  وكما أسلفت  بحيث ينتفي أي شعور بالنقص أو الاضطهاد .
- إن بقاء قوانينا بعيدة  مقصرة عن التطوير بما يتلائم مع تطور المجتمع الدائم  ومنطق وروح العصر هو من أهم أسباب عرقلة تطورنا ..  وهي قوانين  مستمدة من مفاهيم ثبت عدم صحتها أو تخلفها حتى . وخاصة شرع وفقه هو بالأساس لايتطابق تماما ً وخط الدين الصحيح في كثير من جوانبه بسبب التفسيرات الأحادية الجانب له والمفروضة بحكم القوة  لأنه  فقه أخرجته السلطة وأنتجه فقهاء السلطة عبر التاريخ ولم ينتج بشكل طبيعي مطابق لسنة التطور  الأمر الذي تسبب بحالات من الاحساس  بالقهر والظلم الطائفي والمذهبي والجنسي والعرقي حسب حالات وأشكال السلطة التي عرفها هذا التاريخ  باسم القوة أو  الغلبة تمت باسم الأكثرية العددية  والتي بدورها لا ذنب لها في ذلك بسبب احتكار القوى الحاكمة  للسلطة باسمها و التي لم تسلم بدورها من العسف والظلم لابل أنها في الكثير من الأحيان كانت ضحية الحجم الأكبر من العنف والظلم والاضطهاد وتشويه مفاهيمها لابقائها خاضعة لرغبات السلطة .. وهو أمر يعوق أية بادرة تطوير ويفشلها تماماً مرسخاً الإحساس بالظلم والقهر لدى الجميع دون استثناء الا للسلطة وقواها  وقد حقق هذا الأمر الفائدة الكبيرة للسلطة عبر التاريخ ووفر لها أسباب الشمولية والتحكم المطلق بالمجتمع حتى الآن دون خوف من قانون أو شرائح تحاسبها على أخطائها وانحرافاتها عند حصولها
( خاصة وانها هي من انتج التشريع والقانون وعلى قياسها لوحدها  )  الأمر الذي جعل من هذا الإحساس بالظلم والقهر لدى كافة شرائح المجتمع يتنامى ويتعاظم  ويشكل خطراً على مصير الوطن/ الأوطان  في العصر الراهن .. بعد انتشار ثقافة الديمقراطية وسهولة التواصل بين شعوب العالم وتمازج الثقافات .وامكانية اجراء المقارنات.
 لهذا وقبل كل شيء تبرز الحاجة الماسة والشديدة لقوانين مدنية شاملة ومفصلة ودقيقة  تحكم المجتمع وتحمي أفراده  مستمدة من روحية العصر تتكيء على مفاهيم دنيوية أرضية واقعية ولا تتكيء على أية تفسيرات غيبية ( التي يجب أن تبقى ضمن حيز الايمان كما يرغبه الانسان بملء ارادته) مبنية على تصورات وأوهام لابل أنه يتم حشر كل شيء ضمن حيزها وهي أصلا ً ليس لها أي دليل علمي ولاعلاقة حقيقية لها بأصل الدين الذي فسر وطبق حسب مصالح السلطة وفقهائها .. وأن تحترم كافة العقائد من خلال احترامها للمنظومة الأخلاقية وتقديسها لحرية الفرد في اعتناق وممارسة كل ما يراه مناسباً له,وبما لايتعارض مع مصلحة المجتمع  إضافة لكافة أشكال الحرية الأخرى المنسجمة مع المنظومة الأخلاقية للمجتمع .
هذه القوانين وكما أسلفت  يجب أن تنص على أن ضخ أية مفاهيم معادية بين الأديان والطوائف والقوميات والجنس وضخ أي من أشكال  التعصب والكراهية  يعتبر جريمة خطيرة بل الأخطر والمساوية للخيانة العظمى يعاقب عليها القانون بأقسى العقوبات كونها تشكل تعد ٍ على الحرية وتدمر المجتمع وهكذا يمكننا التخلص من ثقافة التمييز وضخ الحقد والكراهية بين الأديان والطوائف والقوميات لحساب الوطن وحقوق المواطنة حاسمة الجدل الذي استمر طيلة أكثر من أربعة عشر قرناً حول من هو المؤمن ومن هو الكافر والذي هو من اختصاص الله عز وجل وحده وفقاً للنصوص المقدسة وفي كافة الشرائع  وبالتالي لا يحق لأحد أن يكفر الآخرين ويزعم أنه يحتكر الحقيقة لوحده أو يطعن بمعتقداتهم وهذا ما رسخ حالة العدائية والتوجس والشك  بين الطوائف والمذاهب لابل أنه هو الذي انتج  تعدد المذاهب والرؤى ضمن الدين الواحد ولم يتوقف انتاجها حتى الآن .. هذا وبالرغم من أشكال النفاق التي تظهر بين الفينة والأخرى بزعم التصالح والتفاهم الديني والمذهبي والتي لاطائل منها طالما أنها غير مقوننة ويمكن لأي قوة أن تنتهكها بسهولة .. والحقيقة أنه لايمكن أن أفهم كيف يمكن لمذاهب وأديان تجاورت طيلة قرون وضمت أبناء الوطن الواحد الذين حدثت هوامش من الاختلاط  والقربى بينهم على الرغم من رجال الدين المتشددين ..  ثم تستفيق اليوم  لترى بنفسها الحاجة لمفاوضات ونقاشات ومؤتمرات  للتقارب والتصالح .. بدلا ً من البحث في أسباب الاختلاف والخلاف الحقيقية وكيف تم اختلاقها عبر الزمن  واستبعادها لصالح نقاط الالتقاء الأساسية الأيجابية   لتنتقل إلى حالة تصالح ثقافي  فعلية وثابتة عبر تكريس وحماية الاحترام المتبادل وفقاً لمفاهيم الحرية المقوننة. كذلك التبدل في معايير من هو الوطني وغير الوطني الذي يقاس في بلداننا بالعلاقة مع النظام وليس الوطن وهي منذ نشوء الدولة لدينا قبل مايقارب أربعة عشر قرناً  تقوم على هذا الأساس عبر البيعة ورفضها  ومن هو الأفضل والمتميز من ناحية الجنس والعرق والانتماء العائلي والعشائري على أساس القوة العددية والمادية  ..الخ  . ليصبح الملتزم بواجباته تجاه المجتمع والتباري في تقديم أفضل الخدمات للمجتمع / الوطن بما يحقق تطوره ورفاهيته وصونه وحمايته وقوة الوطن هي المعايير الأساس في تقييم المواطن بغض النظر عن أية انتماءات أخرى التي يجب أن تقع تحت سقف المواطنة وبالطبع دون التجاوز على حقوق الإنسان الذي هو الأسمى حسب النصوص المقدسة ونصوص القانون والدستور وكما يجب أن يكون عليه  .
 - من الثابت  وبما يصبح الجدل فيه من باب المكابرة .. أن معظم المعايير السائدة في مجتمعاتنا هي معايير جهل وخرافة وتخلف وعدائية ونفاق وتكاذب ( مذهبية , طائفية , اثنية , عشائرية , قبلية , عائلية ) كامنة وظاهرة .. قادتنا إلى ما نحن فيه من تردي ووضعتنا خلف كافة الشعوب الأخرى نتطلع إلى ما وصلت إليه هذه الشعوب من حضارة وتطور وتنظيم ورقي  بحسرة وألم عاجزين عن مجاراتها أو اللحاق بها . نلقي بخيباتنا وعجزنا على الاستعمار والتآمر متناسين أن الأسباب كامنة فينا . فهل نحن بحاجة لأربعة عشر قرناً أخرى لنتأكد من هذه الحقيقة . أربعة عشر قرناً من تحريف الأديان والتلاعب بتأويل المقدس لمصلحة السلطات المتعاقبة بما فيها الاحتلال .( ومن أسرع من المنحرف في اختلاق المبررات ) .؟. تضمنت فيما تضمنت المجازر وإهدار الدماء البريئة ولجم الشعوب عن التوجه الحضاري الإنساني . والمزيد من التشظي والتخلف وانتشار ثقافة الخرافة والغباء والتجهيل المدروس بعناية من قبل فقهاء السلطة لحساب شمولية السلطة كما سبق وأشرت . هؤلاء المتشددون التكفيريون الذين أطلوا برؤوسهم في كل مرة كان يتهيأ فيها المجتمع لنقلة حضارية لتكفيرنخب و رموز التطور والحضارة والثقافة والعلم والتخلص منهم قتلا ً وتشريدا ً وإرهابا ً ثم  ليعيدوا المجتمع الى نقطة الصفر ضمن دائرتهم الجهنمية المغلقة)   لاحظوا الآن هذه الهجمة الشرسة من قبل قسم لا بأس به من رجال الدين والقوى المتشددة التكفيرية ضد كل رموز التطور والحداثة والتقدم في المجتمع وكيف يكفرون العلمانية وينسجون عنها الأكاذيب  بحالة من السعار المحموم بقصد إبقاء المجتمع رهينة لهم وإخافته منها). والمصيبة أنهم يمارسون كل موبقاتهم ضد مجتمعاتنا وهم يقيمون في مجتمعات علمانية في الغرب العلماني ويحتمون بقوانينه ويتكئون عليها بحماس مطلق . أليس في هذا التناقض إدانة ثابتة لهم وتأكيد على سوء النوايا . إذ أن التساؤل يفرض نفسه وهو ..كيف يعيشون في ظل العلمانية والديمقراطية الغربية ..ويهاجمونها ويشنعون عليها في مجتمعاتهم .؟. هل هناك نفاق أكبر وأقبح من هذا النفاق ودليلاً على سوء نواياهم وعدائهم لمجتمعاتهم .
 
- يتبع...


 

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

وجهة نظر - هكذا يمكن أن نفهم العلمانية ( 2 )

18-نيسان-2008

وجهة نظر - هكذا يمكن أن نفهم العلمانية (1)

29-آذار-2008

نقد / حمام بغدادي لجواد الأسدي: نبش خصوصية الشخصية العراقية والتباساتها

08-نيسان-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow