على الأغلب الأعمّ، يتمُّ الالتفات إلى إجابات المحاوَر (فنَّانًا كان أو كاتبًا أو سياسيًّا) بأكثر مما يُعنى بسؤال المحاوِر، إذ يُنظر إلى الأخير على أنه مجرَّد ناقلٍ للحوار، أشبه بجسرٍ تعبره أفكارُ المحاوَر في طريقها إلى القرَّاء. وهذا ما يُفسّر حالات إغفال أسئلة الصحافيّ، في عدد من الحوارات الأدبية والسياسية والفنية، والاقتصار على نشر الإجابات المُقدَّمة من خلال أفعال شائعة: “قال، وأضاف، وبيَّن، ورأى..”.
ربّما يكون هذا مفهومًا ومشروعًا جرّاء أسئلة مُرتجلة، طُرحت على الماشي، بغية الحصول على معلومات فحسب. أمّا النوع الآخر من الحوار، الذكيّ والعميق والمنقّب، فإنّ للأسئلة ما للإجابات من أهميّة؛ ولعليّ لا أبالغ في القول إنّ الأسئلة -في حالات خاصة- تفوق الإجابات دلالة وإمتاعًا، خصوصًا حين تخلق جوًّا يزدهي خلاله الحوار ويتنامى على نحو بديع.
وكم حدث أنْ استمعنا إلى نجومٍ كبار، في ميادين فنيَّة وثقافيّة متعددة، فأصابتنا الخيبةُ جرَّاء ظنّنا أن إبداعهم وتألّقهم وشهرتهم (وليكن في حقل الغناء مثلًا) يعني بالضرورة وقوفهم على المستوى ذاته في الحوارات معهم عن حقلهم وتجاربهم. وهو ظنٌّ يتحمَّل مسؤوليته الظانُّ نفسه من دون الفنان، خصوصًا إذا ما كان رسَّامًا أو مُلحّنًا أو مغنّيًا أو ما شابه.
وهذا يُوصلنا إلى مشكلةِ إصرارِ العديد من الإعلاميين على إجراء حوارات مع نجوم كبار في الفنّ، لا ينتج عنها سوى إجابات ضعيفة، بل هزيلة أحيانًا، تزحف زحفًا، أو تشتطّ عن موضوع السؤال، أو يرتبك صاحبُها بالكلام ويتعثَّر، فيحاول التغطية على الحال بتوزيع ابتسامات وتعابير مهلهلة، تعويضًا!
وفي العودة إلى موضوعنا، من المؤكَّد أن ثمَّة أسئلة لمحاوِرين غاية في النباهة والذكاء. رشيقة، حافزة. تحثُّ المحاوَر على الكلام والغوص في أعماق ذاته، ونبش مكنوناتها، والدخول إلى مناطق ومساحات من روحه، ما كان ليفرشها، أمام القارئ أو المستمع، لولا قدرات المحاوِر وملكاته، وتحضيره المتين لموضوع حواره وللشخصيّة التي يُحاورها، بحيث يتمكَّن، عبر امتلاكه “المفاتيح السرّية” لعالم وهواجس المحاوَر، من فتح المُغلق، وتظهير الخافي.
وثمَّة -بالطبع- طرائق عديدة للحوار، مُبتكَرة وحافزة، غير الجلوس على كُرسيّين مُتقابلَين، أشبه بتمثالين من حجر، أو بتحقيقٍ يجري في مركز شرطة، تساعد مَن يدور الحوار معه على التأمّل في ذاته وأعماقه وتجربته، والبوح بمكنوناتها على نحو بديع.
أسئلة وطرائق تتّسم بالمستوى الرفيع كهذا -على ندرتها بذريعةٍ أقبح من ذنبٍ، وهي أننا في عصر السرعة والمعلوماتيّة!- تكون غاية في الأهميّة، وإمتاع القارئ أو المستمع، وإغنائه بكيفيَّة التلقي والفهم، والكشف عن المخبوء، وتقصّي الأبعاد في رواية أو قصص، أو لوحات، أو ألحان موسيقية، أو عمل مسرحيّ، أو أيّ لون من الإبداع.
ولعلّ حوارات متميّزة بغناها مع مبدعين تفيد المعنى السابق، وتُقدّم الدليل الصريح على الدور المهم للشخص المحاوِر في تفتيح طاقات الإجابة والتحليق بها، أو في خبو تألّق روح المبدع إلى درجة اقتصاره على حفنةٍ من إجابات وبعض معلومات يسهل الحصول عليها عبر الإنترنت، أو هي -في أحسن الأحوال- لا تنفع ولا تضرّ، وإنْ كانت تملأ مساحة من صحيفة، وتُغطّي مَهمَّة الصحافي الموظَّف.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...