Alef Logo
ابداعات
              

إيروتيك / قصة / بكتيريا

رامي الطويل

2007-01-16

خاص ألف
وضع القلم فوق الورقة المطويّة بعناية على الطّاولة , و خرج من المنزل بهدوء بعد أن شمل المكان المفعم برائحة الحبّ اللذيذ بنظرة واحدة , كانت الفوضى تعمّ أرجاء البيت , فقد تمكّن ليلة أمس من مضاجعتها في كلّ ركن فيه , حتّى أتى عليهما الإنهاك , و غرقا في النّوم ملتصقين ببعضهما - للمرّة الأولى منذ أشهر عديدة – تنزلق أطرافهما أحياناً بفعل اللزوجة التي غلّفت جسديهما .
عندما استعاد ذكرى الليلة الفائتة , و هو يقف بالباب تزكم أنفه رائحة الشّهوة المتخمّرة , رمش بعينيه سريعاً , عضّ على شفتيه , شهق شهيقاً طويلاً , ثمّ خرج حاسماً أمره , مطبقاً الباب خلفه بهدوء .
في تلك اللحظة ( تماماً ) كانت هي تتقلّب في الفراش , و على شفتيها ترتسم ابتسامات صغيرة , هي ردّ الفعل الطبيعيّ على الحلم الذي تشاهده , ( الحلم الذي يسبق الصحوة بأجزاء من الثانية ) , كانت سعيدة و هي تراقب نفسها عارية , تتمدّد باسترخاء فوق مياه البحر الدافئة , تهدهدها أمواجه الهادئة , ثمّ , فجأة , و بلا منطقية الحلم , خرج من جسدها قارب صغير , و أبحر مبتعداً عنها , مخلّفاً وراءه زبداً أصابها بدغدغة لذيذة دفعتها للابتسام , ما أثار خوفها أن يبتعد القارب أكثر , و تفقد ذلك الرذاذ , مدّت يدها محاولة الإمساك به , لكن تلك كانت لحظة الصحوة حيث شعرت بخواء الفراش .
فتحت عينيها بهدوء , تأكّدت أنّها وحيدة في الفراش , و بما أنّها لم تكن ممّن يؤمنون بالأحلام , أو يسعون إلى تفسيرها , فقد ابتسمت بفرح مستشعرة خدر جسدها المنهك جرّاء المضاجعة الطّويلة ليلة أمس , حيث استطاعا بلوغ الذروة عدّة مرّات متتالية , ( فهي المرّة الأولى التي لم تكن فيها الذروة هدفهما ) .
غادرت الفراش سعيدة بما تحسّه من آلام في كلّ جزء من جسدها , آلام تعيد إليها تفاصيل ليلة لن تنساها أبداً .
وقفت أمام المرآة تتأمّل عريها , و النضارة التي استعادها جسدها بعد أن فقد حيويّته لستّة أشهر خلت , ارتسمت على وجهها ابتسامات لا إراديّة و هي تمعن في تفاصيل جسدها , ممتلئة بنشوة صحوة لم تعرفها من قبل , تشبه الصّحوة الأولى حيث يبدو كلّ شيء مختلفاً .
خرجت من الغرفة عارية , تاركة لجسدها فسحة ينعم فيها بتلك النّشوة .
ضحكت بصوت مرتفع و هي تلحظ ما خلّفاه من فوضى في أرجاء البيت , و عندما فتحت الثلاجة الخاوية , أدركت أنّه غادر مبكراً ليعود بطعام الفطور , ما دفعها للتخلّي عن خدرها اللذيذ , فتحرّكت بسرعة بغية الاستحمام , و التّزين بانتظار عودته , ( تماماً كما كانت تفعل طيلة سنتين و نصف , منذ بداية علاقتهما , و حتى اليوم الذي نشب فيه أوّل خلاف بينهما قبل ستّة أشهر ) .
تحت رذاذ الدوش الدافئ استعادت تفاصيل الحلم , و دفء مياه البحر , فابتسمت و هي تتذكّر إصرار أمّها طيلة حياتها على أنّ الماء في الحلم فأل خير .
خرجت من الحمّام و هي تجفّف شعرها , لم تستطع مقاومة إغواء علبة التّبغ المفتوحة على الطّاولة , فأشعلت سيجارة , و جلست باسترخاء تنفث الدخان لينزلق على جسدها النديّ الذي طالما أشعرها بالخيبة في الأشهر الأخيرة , عندئذ ( فقط ) تنبّهت إلى الورقة , و القلم , الموضوعان بعناية عند طرف الطّاولة , ابتسمت بسعادة و قد تأكّدت أنّ كلّ شيء قد عاد إلى سابق عهده بينهما , لقد شعرت بذلك و هي تحسّ شغفه بها في الأمس , و ها هو يؤكّد ذلك مجدّداً بعودته إلى كتابة الجمل الشعريّة المكثّفة , و تركها على الطّاولة كهديّة يوميّة .
أخذت الورقة , و هي تغمض عينيها نصف إغماضة , لامست بها كلّ جزء من جسدها العاري مستنشقة بعمق رائحة شبق معتّقة , ثمّ فتحت الورقة بهدوء , و قرأت :
// لا شيء يفوق ألم اللحظة التي أفكّر فيها أنّني لن أراكِ ثانية , لم أعرف أنوثة , أو جمالاً يفوق ما تمتلكينه , كنتِ , و ستبقين المرأة التي أحب , و كيلا نخسر تلك المشاعر السّامية , قرّرت أن أرحل , متألّماً لفراقك , مكتفياً ما حييت بأنك ما تزالين على قيد الحياة .
كم أشعر بالخيبة في هذه اللحظة لمعرفتي أنّني لن أحظَ مطلقاً بعد الآن بسعادة كالتي غمرتني بالأمس . //
سقطت الورقة من يدها , نهضت ذاهلة لتفاجأ بعريها في المرآة المثبتة وسط الصّالون , انتابها الخوف من هذا العريّ الفاضح , فانهالت على المرآة محطّمة إيّاها بضربات هستيرية , حطّمت بها أيضاً كلّ ما طالته يداها , محاولة التّخلّص من رائحة الجنس العفنة التي تحيطها , ثمّ سقطت على الأرض باكية , و هي تستعيد تفاصيل السنوات الثلاث الماضية , منذ التقته أوّل مرّة حين دخل متجر الألبسة الذي تعمل فيه , بملابسه شبه البالية , و لحيته الطّويلة الشعثاء , و طلب إليها أن تبيعه ملابس جديدة بصوت خافت , شبه مهزوم , لم تنتبه إلى ذلك في تلك اللحظة , و لم تنظر إلى عينيه مباشرة إلا بعد إصراره الشّديد على شراء ملابس ذات ألوان داكنة كئيبة , عندها فقط نظرت إليه , و تلمّست الخيبة التي تبثّها عيناه , و بما أنّه لاشيء يفوق الخيبة التي تقطن عينين جرئتين تأثيراً , فقد أحسّت برغبة عميقة تدفعها إلى مساعدة هذا الشّاب , و استطاعت أن تقنعه ( بدبلوماسيّة البائعين , و تواطؤ الانسان المتعاطف ) أن يبتاع ملابس ناصعة , مشرقة , ليخرج من المتجر مبتسما ً , و لتسعد هي لدى رؤيته ينتظرها خارجاً في اليوم التّالي .
لم يكن آنذاك مريضاً , و لم يكن يشعر بالفشل و اللاجدوى , و لم يكن قد فكّر بالانتحار مطلقاً , بل كان يشبه الكثيرين من الشبّان الذين يتخبّطون في وهم الحبّ , و لا يمتلكون الجرأة على الخروج منه , لذا فقد استطاعت خلال أيّام قليلة , بجرأتها الشديدة , و فهمها الخاص لما يدور في خلجات الانسان العاطفيّ في حالات كهذه , أن تقنعه بضرورة الابتعاد عن حبيبته , حفاظاً على حبّه لها , هو الذي لم يجرؤ أن يفكّر بذلك قبل تلك اللحظة .
في الليلة الأولى التي أمضياها معاً أدرك أنّها المرأة التي يحتاجها , المرأة التي تنهش جلده بأظافرها حاملة إيّاه إلى ذرىً لا يصلها غير حبيب أبديّ قرّرت هي أن تمنحه كلّ شيء فلا يخرج عنها أبداً .
- الوغد ... الكاذب .
صرخت من مكانها وسط الفوضى حيث تهاوت مجهشة ببكاء مرير , ثمّ ركلت زهريّة كبيرة قريبة من قدمها لتسقط قرب الباب مهشّمة , و راحت تستعيد تفاصيل حياتها معه بعد أن غطّت عريها بغطاء الأريكة , اجتاحتها الخيبة , و شعور مرير بالخسارة , و الفقد مع كلّ الذكريات التي عبرت خاطرها , بما فيها تفاصيل خلافاتهما الأخيرة .
- الوغد ... الكاذب .
صرخت مجدّداً و هي تستعيد شغفه بها ليلة أمس , قالت ذلك لأنّها ( فقط ) لم تلحظ أنّ الجملة الأخيرة من رسالته و حدها هي التي كتبت اليوم , أمّا ما سبقها من كلمات , فلم تكن غير كلماتها هي , الكلمات التي أملتها عليه قبل ثلاث سنوات لتساعده على إنهاء ارتباطه بحبيبته القديمة دون أن يؤذي مشاعرها ( كما قالت حينها ) , مؤكّدة له أنّه بذلك لن يخسر احترام حبيبته له .
( كان قد أعاد نسخ تلك الرّسالة بإخلاص قبل أن يأتي إليها ليلة أمس , و بعد تردّد طويل رمش خلاله بعينيه مراراً , و عضّ على شفتيه طويلاً , و لو لم تكن تلك الرّسالة في جيبه طيلة الليل , لما استطاع أن يمضي ليلة أسطوريّة كهذه , لقد كان شغوفاً بها حقّاً كامرأة يعرفها للمرّة الأولى , و يعلم أنّه لن يراها بعد ذلك . ) .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

البرتو مانغويل يورّط القارئ في عشق التفاصيل

23-تموز-2016

سيد درويش... عبقري الموسيقى العربية

25-آب-2015

قصة / منشور سرّي

25-كانون الثاني-2011

قصة / الصّمت

01-نيسان-2007

قصة / المحطّة

15-شباط-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow