Alef Logo
كشاف الوراقين
              

سورية : مجلات ثقافية وبحث عن منبر

هالا محمد

2019-10-19

عشرات المجلاَّت الثقافية تُصدرها المؤسسات الرسـمية الـسورية: كوزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب، ومؤسسات خاصة: كدار المدى ودار الثقافة. مع ذلك هناك احساس بعدم وجود منبر ثقافي في سورية.

وزارة الثقافة مثلاً، تصدر مجلة المعرفة الشهرية وثلاث مجلات بقطع كبير هي "الحيـاة السيـنمائية"، "الحياة المسرحية" و"الحياة التشكيلية" ثم "الحياة الموسيقية" وغيرها. وهي مجـلات فصــلية متــقطعة الصدور. تصدر أو لا تصدر، بحسب إلحاح المناسبات كالمهرجانات مثلاً.

ويمكن اعتبارها شبه ميّتة بحكم صلتها بالقارئ، أو اتصالها بالحياة الثقافية الحقيقية في المجتمع المتعلقة في مجال اختصاص كل منها. مع تفاوت نسب الموات!!

أما اتحاد الكتاب العرب فيُصدر مجلات "الموقف الأدبي" الشهرية و"التراث العربي" و"الآداب الأجنبية" الفصليتين.

فماذا يريد المثقف السوري أكثر من ذلك!؟

عناوين تُغطي مروحة اهتماماته. وشكل ومضامين من المؤلفات والترجمات التي باتت قديمة ومكرورة ومستهلكة في قسم كبير منها، فلا تغني عن الانفتاح الحقيقي الذي يمكن ان يوفره منبر ثقافي مهتم بتنوير المختص كما المتابع والمثقف بـشكل عام.

الآلية الوظيفية الروتينية تنسحب على مناخات انتاج معظم هذه المجلات، مع استثناء أشخاص بقوا خارج هذه التصنيفات، لكنهم من آلية لجم الثقافة لجمهم الفعلُ المؤثر، إلا ان مبادراتهم كان لها الحضور كأنطون مقدسي الذي قام باختيار الكثير من المؤلفات والترجمات الصادرة عـن وزارة الثـقافة.

ووزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب يبدوان غير معنيين إلا بالمضـمون بغض النظر عن تقويم هذا المضمون، وكأن الشكل عيب. فـ"بشاعة" اشكال المجلات المذكورة، وبـهوت صـورها وقلق اخراجها وسوء طبــاعتها وتفاوت مستويات المواد المنشورة، تجعل المرء يتساءل عن سبب هذه الأزمة المزمنة التي هي أزمة روح، باتت تلجم العمل الإبداعي والثقافي والأدبي، وتحافظ على ركوده معتقدة هذا الركود وفاءً.

تشدّ الابداع بالكوابح بدلاً من تطويره ودفعه الى أمام لكي تنهض الثقافة بالشارع السوري، وتكون عنصراً من عناصر دفع المجتمع باتجاه لغة العصر الحضارية.

واكتفى المعنيون في مناصبهم بتقديم ورقة الحضور وطاعة الخطاب السياسي على حساب العمل الثقافي المستقل والجريء الذي كان سيُغني المشهد بالرأي الآخر، لو امتلك هو جرأة طرح الرأي الآخر بهدف خدمة الثقافة والوطن أولاً وأخيراً.

تكرست أسماء لا يأبه بها أحد. ولم يقدّم صوت جديد ليجد له منبراً داخلياً. وكل هذا على رغم امتداده الزمني لم يستطع ان يدعي في لحظة أنه يمثل حال الثقافة السورية.

لم يكن ماضي هذه الدوريات عندما كان يرأس تحرير البعض منها مثقفون كزكريا تامر وسعدالله ونوّس وسعيد مراد وحتى أنطون مقدسي، ليؤشر الى ما وصلت اليه الآن! بل العكس، كانت المجلات طليعية في زمن صدورها، كذلك كان الدور الذي رسمته لنفسها في عملية النهضة الثقافية الرائدة للعقل والمجتمع المدني والمستقلّة أيضاً في الخطاب واللّباس.

والآن، وعلى رغم انخفاض سعر هذه الدوريات، من يشتريها؟! قلة قليلة.

إن تغييراً جذرياً لآليات العمل والذهنية مطلوب لمنع تدهورها، وهو ما نأمل أنه آتٍ، و"المعرفة" الشهرية على سبيل المثال، التي ابتدأت بالصدور في أوائل الستينات. لعبت دوراً مهماً في الحياة الثقافية في نصف عمرها الأول. ويلاحظ ضموره في ما بعد لأسباب ذكرنا بعضها: غاب السجال الثقافي الفكري. غابت موضوعة فلسطين وأدبها. غابت المقالة الاجتماعية الثقافية إلا التي تعتمد الخطاب السائد. وبقيت صفحاتها حبراً على ورق يغطي ميزانية صرف الدوريات الشهرية والفصلية المرصودة.

في عددها الأخير، السنة التاسعة والثلاثون، ركّزت "المعرفة" على "فلسفة المعنى في التحليل اللغوي المعاصر: فتجنشتين نموذجاً" و"المثقف العربي والعولمة" و"سيكولوجيا اللغة والمهارات العقلية" ترجمة، وشعر لسليمان العيسى، إلاّ أن البحث في موضوعات باتت مستهلكة وعدم القدرة على الانطلاق من حيث توصل البحث في حقل معرفي ما، بقصد المساهمة في تطوير المشهدية الثقافية المعرفية، لهو أمر مؤسف.

و"الموقف الأدبي" التي يُصدرها اتحاد الكتاب في عامها الثلاثين الآن، تقابل "المعرفة" من حيث الأهمية والاستمرارية. وهي تصدر بمساهمة النشطاء في جمعيات الاتحاد المختصة وبإدارته شبه المباشرة. لذلك يمكن ان نلاحظ حيويتها أو خمولها بحسب حال الاتحاد وهموم قيادته في الفترة المعنية. ويتركز اهتمام المجلة مبدئياً على البحوث والدراسات الأدبية والشعر والقصة القصيرة.

وهي كغيرها من الدوريات الأدبية الثقافية، لا تعبّر عن الطاقة الكامنة لدى النقاد والشعراء والقصاصين في الاتحاد وسورية. فكيف في الفضاء العربي المتاح؟!

إلاّ إذا كان السبب في انخفاض الكمّ والكيف، هو ضعف المردود المادي للكتاب. وهذا لا يمكن ان يكون صـحيـحاً - وحـده - فـي ظروف صحية.

وفي "الحياة المسرحية" و"السينمائية" و"الموسيقية" و"التشكيلية" أشكال من الاشكاليات. فـ"الحياة السينمائـية" في عددها الأخير الصادر إبّان مهرجان دمشق السـينمائي في أواخر 1999، هـي عبـارة عـن تـرجمــات لمـقابلات ولمقـالات، وتغطيات مـحلية وعربية تبدو في غالبيــتها العُـظمى قليلة الصلة بعين القارئ وحتى بمتابع السينما.

"حياة سينمائية" على الورق، وقد أفقدها صدورها المتقطع صدقية دورها كمجلة تخصصية تعـنى حقيـقة بالــشأن السينمائي وترصد أزمته. فكان غيابها وصدورها جزءاً لا يتجزأ من الأزمة. ويأمل المعنيون بالشأن السينمائي أن تستطيع هذه "المجلة" التي جاءت لتملأ في وقتها فراغاً كان يجب استيعابه، يأملــون ان تعــود اليها روحها بعودة الــروح الى السينما انتاجاً وشباك تذاكر ونقداً ونقوداً.

"الحياة المسرحية" لها المنطق نفسه في النشر والصدور والمضمون والشـكل. حيث لا تردفها خشبات المسارح.

أما "الحياة الموسيقية" فهي للمختصين. ووجود معهد عالٍ للموسيقى بدمشق لم ينعكس حتـى الآن إلاّ بدعوات خاصة في قاعة قصر المؤتمرات الكبيرة لحضور الفرقة السيمفونية الوطنية وغيرها. ولم تنعكس على مادة الموسيقى في المـدارس أو حفلات في المسارح وسط المدينة تتيح للمواطن العادي ساعة متعة وترفع من ذائقة الشارع الذي تســتبيحه أفلام العنف وبسطات الأشرطة الغـنائية الهابطة فقط منذ أكثر من عشر سنوات!!

وتبقى المعارض التشكيلية الكثيرة في الصالات الكثيرة، تعبيراً عن انفجار أزمة تحولت مع الزمن الى انفتاح تدريجي على الجمهور وليست مجلة "الحياة التشكيلية" تعبيراً لا عن الأزمة ولا عن انفتاحها!

الحاجة باتت ملحة من أجل ردف "الحياة" كعنوان لمجلات ثقافية، بالحياة كنبض الشارع والمجتمع وايقاع حيويته الثقافية.

والمدن السورية كما العاصمة، باتت في حاجة الى تحرك خشباتها وشاشاتها الصغيرة والكبيرة وصفحاتها البيضاء، فتتحرك الابتسامات معياراً لازدهار ثقافي أو سياسي أو...!!

على صعيد آخر كرست مجلة الثقافة... لمؤسسها ورئيس تحريرها مدحت عكّاش، عددها الأخير للشاعر عبدالحميد علي. وهي مجـلة في الامكان شراؤها من المكتبات.

ومجلة "المدى" الفصلية الثقافية تصدرها دار المدى للنشر ابتعدت في موضوعاتها عن الثقافة السورية، لتكون عربية عموماً وعراقية خصوصاً تبعاً للجهة الناشرة. ويلاحظ تفاوت مستوى اعدادها بحسب المواد المنشورة.

هذه المجلات وغيرها كـ "النهج" و "مجمع اللغة العربية" ومن مجلات تاريخية وأدبية أخرى... لا تفي بالحاجة. ان صدورها ضروري، لكن تجديدها وحده هو الذي يعطي معنى لهذه الضرورة.

ونقرأ نداء التجديد هذا أحياناً في سطور هذه المجلات نفسها، الأمر الذي يتطلب القراءة أولاً، ثم أخذ المادة المكتوبة بعين الاعتبار والدراسة والتنفيذ. ففي افتتاحية العدد 103 للسنة الخامسة والعشرين من مجلة "الآداب الأجنبية"، كتبت الدكتـورة بثينة شعبان: "أُناشد الجامعات العربية والهيئات الثقافية العربية أن تؤسس هيئة عليا للترجمة في الوطن العربي تقوم بدراسة العناوين المزمع ترجمتها وتصدر نـشرة دورية بالأعـمال التي هي قيد الترجمة، توزع على كافة الجهات المعنية ويتم التــعامل مع الترجمة والمترجـمين بغاية الجدية والمسؤولية.

وتعمل هذه الهيئة على توزيع الأعمال المترجمة في جميع أنحاء الوطن العربي كي يكون الجهد ناجعاً وكي تعمّ الفائدة على الجميع. وعلى رغم المفهوم الشائع، الذي يعتبر الترجمة ابداعاً من الدرجة الثانية، فإن الترجمة عمل غيريّ يعبّر عن روح إيثارية تكرّس وقتها وجهدها لنشر أفكار وآراء الآخر وأدبه، وهي أيضاً عمل صعب يتطلب درجة عالية من الاتقان والدقة، ولذلك يجب تدريب المترجمين وتوفير المستوى المعيشي اللائق الذي يساعدهم على التفرّغ وبذل الجهد والوقت".

وتختتم شعبان افتتاحيتها: "الى اللقاء على منبر ننهض به بعمل عربي مشترك لأن هذا هو الطريق الى حرية العـرب ومستقبــلهم ولا طــريــق سـواه".

وهذا الطرح يلتقي مع ما ورد في احدى افتتاحيات "الحياة المسرحية": "إن ما نريد ان نخلص اليه هو ان الفنان الذي لا يمتلك وعياً ناضجاً بمجتمعه أولاً، وبما يجرى حوله ثانياً في العالم، لن يتمكن من تحقيق انتاج فني يؤدي بدوره الى تفعيل وعي المتلقي مما يساهم من ثم في التأثير التنويري للفن المسرحي كأحد الروافد الأكثر فاعلية جماهيرية في حركة التنوير العامة التي نحن بأمسّ الحــاجة الى تحقيقها على كافة الصعد".

يتحدث الجميع هنا وهناك عن تطوير أنفسهم بهدف المتلقي. فمن هو المتلقي؟

هو القارئ والمشاهد والمتفرّج والمستمع وكلهم معاً، وبما أن المنبر الحرّ غائب، فالمتلقي محجوبٌ.

المسرح، السينما، منابر الشعر، توزيع الكتب، هيئة ترجمة عليا، روايات، كتب، قصص ومجلات، كلها تجد منابرها المغلقة المحـدودة وتــتكدّس في مستودعات ومطابع وزارة الثـقافــة والمديريات المـتخــصصة، بعد توزيعها على المعنيين في دائرة ضيّقة من دون قـدرتها على تخطّي حواجز المديرية الواحدة أحياناً.

لا بد ان يكون في استعادة الثقافة لدورها الاستشراقي والمنهجي الحيوي والفاعل طريق لحلّ أزمة الركود الوظيفية هذه.

تتحول الثقــافة الى محــرّك للمــشهد العام وليس كأحد تفاصيل طبيعته الصامتة.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سورية : مجلات ثقافية وبحث عن منبر

19-تشرين الأول-2019

فراشة من «جسر الشغور»

27-آذار-2014

رسالة مفتوحة إلى أنطون المقدسي

10-حزيران-2013

يا سوسن... ابتسامتك تشرق من تحت تراب سورية

28-كانون الثاني-2013

هالنظامْ ... فائض عن حاجة الشعبْ

30-تموز-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow