Alef Logo
دراسات
              

خلف حجاب الانوثة

كلاديس مطر

خاص ألف

2006-06-09


نادرا ما يتعثر الرجل بشكل عام و العربي بشكل خاص ( بأنثى ). صحيح أن المرأة العربية تشكل تعداداً نصف عدد السكان، غير أن المحققات الأنوثة نادرات .
المرأة مصنع من الأحلام! هي حارثة مثالية لأفكارها الصامتة! متفوقة في علم حساب الذات حتى ولو كانت أميه! فطريه تتعامل مع الدنيا حولها بإحساس بوصلي راداري تلقائي، لكنها متمكنة في الوقت نفسه من إحداث الثقوب و التلصص على العالم من خلالها.
تتميز المرأة بعضوية مختلفة عن الرجل. إنها قطب ثان أو آخر في معادلة من قطبين ( الذكورة و الأنوثة)، لكن أنوثتها لا تنبع من ( مجرد) تركيبها العضوي الخاص ( ثديان و أعضاء تناسلية داخلية …. الخ ) و إنما من موقفها وسلوكياتها و وجدانها الخاصة. إن أنوثتها معنوية تماما تتحرك متجهة من الداخل إلى الخارج و ليس العكس! إذا أنوثتها في داخلها لكنها نادرا ما تتعثر بها و تعمل على تفعيلها، و لهذا فهي غير متحققة!
و لكن كيف تتعرف المرأة العربية على أنوثتها ، و كيف تقوم بتفعيلها و هي تأخذ مكانها في مقاعد الدراسة و مجلس الشعب ؟ ولمَ تشعر أنها عبء يجب التخلص منه بعد أن كان سببا لقمعها آلاف السنين؟ هل تعرف بالفعل ما هو دور أنوثتها الخاص، و الفريد من نوعه ؟ وهل تعتقد أن الأنوثة تعني بشكل أساسي الإنجاب و التهيؤ لمأدبة الجنس الكبرى العابرة في الليل؟
الحق إننا نطلب اليوم من الطفلة العربية ولاحقاً الفتاة أو المرأة أن تجد لها مكانا في مدن المجاملات و الدخان. إنها تُشحن بكل ما يلزم لتقتنص حقوقها . فالتعليم اصبح جزءاً لا يتجزأ من قوانين المجتمع و أخلاقياته التي تنطبق على المرأة و الرجل معا . إن التعليم اصبح أمراً حتميا بل يقع في قلب العملية التربوية برمتها. و مع التعلم و الانفتاح على أفكار العالم بكل صالحها و طالحها ، تعاين أنوثة المرأة هزة عنيفة من جذورها . إنها تعتقد أن عليها إخفاءها وكأنها سمة لدونيتها و ذلك لأنها لا تعرف دور هذه الأنوثة في النهضة المجتمعية التي تصارع لكي تكون جزءاً منها.
إنها تكره هرموناتها الأنثوية لأنها منفعلة ، برأيها، غير فاعلة . صحيح أنها تحمل في تضاعيفها بذور الاستقرار و لكنها تجد فيها سلبية جمة لأنها كانت السبب في قمعها . لقد رُفضت المرأة العربية كجنس عبر العصور ولهذا فإنها تشعر بالعار من أنوثتها بالذات و تبحث لكي تتماه صورتها مع صورة الرجل . إنها تريد أن تؤسس ذاتها من جديد انطلاقا من وجهة نظر ذكورية تماما و لهذا فهي تبحث بلا هوادة لكي تكون على أعلى درجة من الفاعلية ( مثله تماما )
و التسلح بمظهر شبه رجولي ( ارتداء البنطال أحد مظاهر رفض الأنوثة و الاتحاد في كينونة الرجل المقبولة و الموافق عليها ). ثم هناك التعبير عن الذات الذي أخذ منحى يفوق التصور بالرغم من انكفائها على عالمها النسائي و نرجسيتها . إنها تسافر مثل الرجل و ترتحل
و تطلب مكانا مثله في أعلى المراتب الوظيفية بينما تراكم في صمت لياليها شهادات علمية
عالية .
إذاً إنها تقترب منه ، شكلا و موضوعا راسمة على وجهها ابتسامة المنتصر ، ظانة أنها في طريقها إلى قمة أحلامها بينما تغوصان قدميها في وحل واقع اختفاء أنوثتها التي ينتظرها مجتمعها على أحر من الجمر من أجل تحقيق نهضته .
إنها اليوم تشبه الملكات المزينات بكل ما يخلب اللب ، غير أنها مفرغة أنثويا و رحمها المعنوي شبه ضامر !
إذاً ، ما هي الأنوثة بعد كل هذا ، و لمَ نعلق عليها كل هذه الأهمية في نهضة المجتمع و تطوره !
الحق ، إذا رجعنا إلى الأساسيات من المبادئ نجد أن الطبيعة قد أمرت بدور متميز خاص للمرأة ! فليست الأنوثة في إبراز ملامحها العضوية الخاصة و إنما في قدرة هذه الأنوثة (الوجدانية ) الداخلية على حماية المؤسسة الأسرية كل يوم بل كل لحظة . إنها جدران المنزل ، و غذاء الطفل ، و ضمير الرجل .
لا تتطلب هذه الأنوثة الوجدانية لكي تتحقق أن تتخلى عن دورها و حقوقها و رغبتها في تحقيق الذات، ولا تتطلب الاكتفاء بالمؤسسة الأسرية فقط و الانكفاء عن العالم . الحق إننا بذلك نقوض الكثير منها و ربما ندفعها إلى حتفها .
إن الأنوثة بما فيها من قوة خاصة و طاقة استثنائية و قدرة مبدعة خلاقة ، هي التي تُحدث هذا التوازن في الجو الأسري بشكل يسمح للأفراد بالنمو السليم . إنها بمثابة الثروة الوطنية المجتمعية التي يُعول عليها الوطن كما يُعول على ثرواته الطبيعية .
لنأخذ نصين دينين بهذا الخصوص من المسيحية و الإسلام حول مفهوم دور الأنوثة ضمنا .
يقول النص الديني الُمنزل ( إن الرجال قوامون على النساء ) بينما يذكر النص الديني في العهد الجديد ( الرجل راس المرأة ).
إذا تأملنا في النصين قد نجد للوهلة الأولى انهما نصان قمعيان يُكرسان دونية المرأة (كما هو مساء استخدامهما اليوم )، و ينطويان على ظلم تصنيفي لها . صحيح أن الغموض في بعض النصوص الدينية هو الذي يخلق التفاسير الخاطئة غير أننا إذا نظرنا إلى الخطاب الديني باعتباره محاكاة للطبيعة و ليس لوي لرقبتها لأمكننا أن نصل إلى معادلة وافية مُرضية.( و نحن مُلزمون على أن ننظر إليه كمحاكاة لها و ذلك حتى لا نهز قاعدته من جذورها )، و مع ذلك لا يمكنني أن اجزم،في الوقت نفسه، أن كل فحوى الخطاب الديني موجه بما يتناسب مع طبيعة الإنسان .
لنعد إلى النصين السابقين و لنشرح مفهوم الأنوثة على ضوئهما . لنأخذ الآية التي تقول
( الرجال قوامون على النساء .. ) و لننظر إليها من وجهتي نظر أو زاويتين متناقضتين.
فإذا وافقنا على أن هذا النص يتحرك بحسب قواعد الطبيعة الإنسانية فإننا سوف لن نفترض أن القوامة تعتبر موقعا أعلى بسبب من دونية المرأة و عدم قدرتها و قابليتها . إن القوامة هنا
( وظيفة ) من وظائف الرجل كما إن الإنجاب ( مثلاً ) هو أحد ( و ليس كل ) وظائف الأنوثة الأساسية . فإذا ، راقبنا الأمر عن كثب نجد أن في فطرية الرجل تتلخص القدرة و الرغبة في القيادة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى و خصائص، كما انه في فطرية المرأة يكمن النزوع إلى الحماية و الأمان. إذاً، على ضوء وجهة النظر هذه قد لا نفترض في القوامة الفعل القمعي بالضرورة و لا هي تلغي المشاركة الوجدانية، – إلا إذا أراد الرجل أن يُفسر الأمر على هذه المنوال – ولا تقلل من قدرة المرأة الخلاقة على ضخ الحياة انطلاقا من أنوثتها المتحققة، كما لا يجب أن تنطوي على سلطة غير مبررة مولدة لأشكال الحصر و العصاب لدى المرأة.
إن القوامة أمر فطري أساسي في صلب طبيعة الرجل . و الأمثلة كثيرة عن أطفال غير أسوياء ترعرعوا في كنف أم متسلطة و أب ضعيف الشخصية و الأمثلة أيضا كثيرة عن أطفال تربوا في حضن المشاركة الوجدانية التبادلية الخلاقة بين أب و أم يحتل كل منهما موقعه بكل حب و تفهم .
إذاً القوامة، بهذا المعنى، لا تفترض أمية المرأة و التزامها المنزل و الانكفاء على نرجسيتها
و مثليتها، و لا تفترض عدم احتلالها المنصب الوظيفي العلمي الذي يليق بقدراتها ، ولا يقف حجر عثرة أمام استمرارها في النمو على كل الأصعدة ، هذا النمو الذي يعطي للقوامة معناها الحقيقي الصحيح و الدقيق .
أما إذا ، تناولنا هذه الآية من وجهة النظر الأخرى ، بمعنى قياس درجة القمع فيها للمرأة، فانه يمكننا أن نعثر بسهولة على فرضية أن ( جنس النساء أدنى من جنس الرجال ) كقاعدة أساسية أولى فيها ، و لجرت هذه القاعدة السؤال الأكبر : هل يميز الإسلام ضد المرأة !!!
الحق لقد بين الرازي في شرح له لهذه الآية أسباب هذا التفضيل[1] قائلا ( لما اثبت للرجال سلطة على النساء و نفاذ أمرهم عليهم بين أن ذلك معلل بأمرين : بما فضل الله بعضهم على بعض ، يعود التفضيل إلى صفات خلقيه منها القدرة و العقل و الحزم ، و إما تفضيل عائد للأحكام الشرعية فان فيهم الإمامة الكبرى و كونهم مأمورين بالجهاد وزيادة النصيب في الميراث و تحمل الدية و بما أنفقوا من أموالهم ، و هو السبب الثاني في التفضيل ) .
ولا اعتقد أن كل علماء المسلمين يميلون إلى هذا النوع من التفاسير الذي يكرس دونية المرأة أو عيوب ( أنوثتها ) هذه الأنوثة التي نريدها اليوم كاملة التحقق من أجل النهضة المجتمعية . فالنص لا يمكن فصله عن مورثات بيئته الثقافية و ظروف نشأتها ، هذه الظروف التي قد تؤثر حتى في مفكر كبير مثل الرازي مثلا ، كما أن هذا الكم الهائل من الأحاديث الموضوعة و غير الصحيحة التي وردت في كتب الحديث قد لعبت دورها في رمي الأنوثة البشرية إلى أسفل درك . لكن نظرة أكثر تعمقاً إلى الخطاب الديني الإسلامي نجد أن التمييز بين قطبي الذكورة و الأنوثة لا يكون إلا بالتقوى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا و قبائل ، إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) . إذا لقد حسمت هذه الآية الجدل تماما و بدا أن كل شيء يسقط أمام علاقة الفرد ( بغض النظر عن جنسه ) بالذات العليا أو الله . فدرجة التمييز يكسبها التقي و هو الأكرم و الأشراف منزلة بين الرجال و النساء . الحق إن في هذه الآية كما خلاقاً من الحرية ؛ بمعنى أنها تعطي المجال كاملاً لكلا الجنسين في التفوق . انه ليس سباق التماهي في شخصيات بعضهما البعض و إنما هو مقدرة كل منهما على اتباع قوانين الطبيعة و الانسجام معها و دعمها إيجابياً ( أليس هذا هو التعريف الضمني للتقوى ) .
و الملفت في الخطاب الديني الإسلامي هو مساواة التكامل و ليس التماثل . فلا ( مصلحة ) لاحد
ولا للطبيعة في التماثل و إنما التكامل هو الضرورة الحيوية للبقاء . و حين يذكر الحديث ( إنما النساء شقائق الرجال ) ، فانه لا يرمي إلى التماثل ، و حين تذكر الآية ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيراً و نساء ) فإنها لا ترمي أيضا إلى التماثل و إنما التكامل .
و شرط التكامل هو الأنوثة الوجدانية المتحققة ، و الذكورة الوجدانية المتحققة .
أما عبارة ( الرجل رأس المرأة ) في المفهوم المسيحي فلا يجب أن تنفصل هي الأخرى عن ظروفها التاريخية . . فبالرغم من أن السيد المسيح قد اختار امرأة لتكون أول من آمن به ( مثل السامرية ،إنجيل يوحنا، 4:9)، و اختار امرأة أخرى( مريم المجدلية ) ليتراءى لها بعد قيامته
(يوحنا ،11-18 :20) ، إلا أن هذه العبارة التي وردت في رسالة القديس بولس لأهل كورنتوث . تفتح لنا عمق الفكر المسيحي البولسي المتعلق بالمرأة ، هذا الفكر المهمل اليوم و شبه المنسي في الغرب و الشرق . فبولس الرسول الذي كان ( يفاخر بأنه حاك سجادة الحضارة الغربية الغنية مستعملاً النول الإلهي )، هذه الحضارة التي وجد أنها منحرفة بحيث لا يستر عورتها إلا رداء الرب، قد استمر بعد ارتداده إلى المسيحية في التأكيد على مسلكية المرأة المؤمنة و المرأة بشكل عام كما يراها . لقد أعطاها مواصفاتها التي يجب أن تتحلى بها، هذه المواصفات شبه المنقرضة اليوم . و القارئ الباحث في فكر بولس الرسول يعجب من التطابق المضموني بين الخطاب الديني الإسلامي فيما يتعلق بأهمية علاقة الإنسان بالذات العليا و بناء كل تقييم بحسب جودة هذه العلاقة و بين الخطاب البولسي المسيحي . فلقد شدد بولس الرسول دائما في طرحه على الفرق بين ( الجسدي ) و ( الروحي ) وظائفهما . و الحق هنا تكمن الثورة البولسية في الفكر المسيحي ، فلقد نقل المسيحية من الحرف إلى المضمون أو الرمزوعمم هذا المفهوم على كل شيء فيها من الألف إلى الياء ، و هكذا فانه كرس مفهوم القيامة المعنوي و خلصه أخيراً من مشهده المسرحي الفيزيائي ، هذا المشهد الذي تبني عليه المسيحية أحد دعائمها الأساسية .
إن هذه النقلة كان يمكن أن تكون شبه مستحيلة فيما لو لم يرتد بولس إلى المسيحية متخلصاً من ارتباكه بين محللات و محرمات التوراة التفصيلية . و حين تناول جسد المرأة و طبيعة علاقاتها مع الرجل و الله ، لم يشذ ، كرجل ، عن ماهية وظيفتها كأنثى ، و إنما أعطاها بعداً روحياً تكميلياً جديداً ، ملامساً حدود هذه المساواة الخجولة بين قطبي الأنوثة و الذكورة و العلاقة بينهما . إنه يقول في نفس الرسالة:
(7: 3 ليوف الرجل المرأة حقها الواجب و كذلك المرأة أيضا الرجل)
( 7: 4 ليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل و كذلك الرجل أيضا ليس له تسلط على جسده بل للمرأة ).
ثم ينتقل إلى خطاب آخر فيحدد هذه العلاقة ضمن إطار العفة ، فالزنى الذي كان رائجا في ذلك الوقت كالنار في الهشيم كان يقلق طبيعته البتولية والمحافظة.
(7: 8 و لكن أقول لغير المتزوجين و للأرامل انه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا) ،
( 7: 9 و لكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا لأن التزوج أصلح من التحرق)،
(7: 10 و أما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب أن لا تفارق المرأة رجلها )،
(7: 11 و إن فارقته فلتلبث غير متزوجة أو لتصالح رجلها و لا يترك الرجل امرأته) .
و لقد وصل الأمر به إلى حد الإشفاق تجاه أي مخالفة أو خلل في التوازن في هذه العلاقة
( 28:6 أنت مرتبط بامرأة فلا تطلب الانفصال، أنت منفصل عن امرأة فلا تطلب امرأة )،
(7: 28 لكنك و إن تزوجت لم تخطئ و إن تزوجت العذراء لم تخطئ و لكن مثل هؤلاء يكون لهم ضيق في الجسد و أما أنا فإني أشفق عليكم ) .
إن بولس، كما يبدو في نص رسالته هذه ، شديد الحساسية تجاه أي تعسف في العلاقة ،إنه يخاف من تماهي الأقطاب فيما بينها ، و لهذا فإن دقته القلقة هي دقة الخائف أيضا . إنه يريد بل يتمنى أن يكون الجميع مثله بتولا ، متجنبين مسؤولية الزواج و إرضاء المرأة ، متفرغين إلى العلاقة مع الله (7: 32 فأريد أن تكونوا بلا هم غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب)،
( 7: 33 و أما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته ) . و الحق إن بولس الرسول يحسم الموضوع برمته و يعترف بكل وضوح و جلاء :
(38:7 إذا من زُوج فحسنا يفعل و من لا يُزوج يفعل أحسن)، اعتراف يهز أركان القاعدة الطبيعية المفترضة للخلق !!!! من لا يتزوج فحسن يفعل !!! في الحقيقة ، إننا نستغرب أن يحمل مثل هذا الفكر الكبير بذور فنائه أيضا ، فترجح كفة العلاقة بالله على كفة قوانينه بالذات !!! و المرأة هي الأخرى مدعوة لكي تكون بتولا لأنها مرتبطة بالناموس وكأن لا مكان للجنسي أو التناسلي – الجسدي متى أخذت العلاقة مسيرتها باتجاه الله. فالديني يلغي الدنيوي ، و محاولة خلق التوازن بين الاثنين محفوفة بالمخاطر و لهذا فانه من الأفضل في نهاية المطاف ( ترك الدنيوي ) لصالح الديني . و لكن بولس لا يطلب هذا كنوع من قانون أو أمر و إنما( 7:6 و لكن أقول هذا على سبيل الإذن لا على سبيل الأمر ).
لكن عندما يتحدث عن حجاب المرأة أو غطاء رأسها( أثناء الصلاة ) فانه يتحدث بوضوح لا لبس فيه و هو لا يقترح في خطابه بل يطالب بشكل حاسم أن ( 11: 4 كل رجل يصلي أو يتنبأ و له على رأسه شيء يشين رأسه )،(11: 5 و أما كل امرأة تصلي او تتنبأ و رأسها غير مغطى فتشين رأسها لأنها و المحلوقة شيء واحد بعينه)،(11: 6 إذا المرأة كانت لا تتغطى فليقص شعرها. وإن كان قبيحا بالمرأة أن تقص أو تحلق فلتتغط).
( فان الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله و مجده،و أما المرأة فهي مجد الرجل 7:11)
الملاحظ أنه خلال حديثه عن غطاء الرأس أثناء الصلاة يعلن أن الرجل لا يغطي رأسه لانه صورة عن الله و مجده بينما المرأة هي ( مجد ) الرجل ! الطريف انه وقع في نفس الفخ الذي أراد أن يحمي المرأة منه .فإذا كانت هي مجد الرجل ،فأي انتصار لكينونتها إذا ، و أي تحقيق لأنوثتها حين تكتفي بهذا المجد تحديداً، و ما هو مجد الرجل بالضبط ! إنه يعترف بكل صراحة (11: 8 لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل ) ، و (11: 9 و أن الرجل لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل ) ، لكنه يعود ويفسر هذه العلاقة بين قطبي الذكورة و الأنوثة من خلال ربطها مع الذات العليا: الله قائلا : (11: 12 لأنه كما أن المرأة هي من الرجل هكذا الرجل أيضا هو بالمرأة و لكن جميع الأشياء هي من الله ) .
إذاً كل شيء في النهاية يرتبط بعلته أي بالذات العليا التي هي مصدر كل شيء . و إذا ما أردنا أن نرسم شكلا توضيحيا لأضلاع هذا المثلث في عقل الرسول بولس نجد أن هناك الله ، الرجل ،ثم المرأة .
و هكذا فإنه يدخل عمليا من حيث يخرج . صحيح أنه يريد أن يضع حداً لحياة اجتماعية كان يميزها العلاقات المنفلتة من أية قيد ، غير أنه لم يستطع إلا أن يدخل في منهجية التصنيف طارحاً أشد الأفكار جدلاً على المحك : ( لا مجد للمرأة خارج قيم الرجل ) ، و هو بالتالي يهمل قوانين الطبيعة إذ يطلب منها أن تخرج هي ( من رحمه ) ، رحمه ليس الضامر و إنما غير الموجود . ( إنها منه ولكنه فيها ) الأمر الذي ينطوي على تكامل من نوع مختلف .
و مع ذلك ،خرج (أي تملص) العالم المسيحي المعاصر من عباءة بولس التقليدية . صحيح أنه يُعتبر من عباقرة الفكر المسيحي دون شك ( رسائله وضعت الكثير من أسس الحياة المسيحية) غير أن المرأة المسيحية المعاصرة و خصوصا الغربية، أصبحت تدين بدينها الخاص الذي قدمه لها الاقتصاد على طبق من ذهب و أن ترديد أقوال بولس أمامها مدعاة لابتسامتها العصبية ثم لجدل طويل تسوق فيه كل البراهين التي تؤكد أن التراث الديني ليس سوى ذكرى جميلة من الماضي .
ليس الدين المسيحي بذاته فريضة . لقد تركت هذه الحاشية الغرب المسيحي يخترع دينه الخاص . أما المرأة فقد وجدت فيها فرصة لتوسيع حقل ملعبها و المطالبة بحقوق ( التماهي مع الرجل ) . بينما أخذت المرأة المسلمة تبحث بلا هوادة عن هذا التوازن بين فكر القوامة و رغبتها هي الأخرى في التماهي مع الرجل .
و لكن لننتبه هنا ، إن المرأة العربية المسلمة و المسيحية هما ابنتا بيئتهما أكثر مما هما ابنتا النص الذي تنتمي إليهما دينيا . فكلتاهما معا تخضعان إلى قوانين العيب المجتمعية نفسها و كلتاهما معا تتبعان الأصول الأخلاقية القائمة نفسها. ومن الصعب تقريبا أن تميز الواحدة عن الأخرى – في المجتمع الواحد -( إلا إذا كانت المسلمة محجبة ) ممن ينتمين ( إلى نفس الطبقة الاجتماعية) ذلك إننا أبناء طبقتنا أولا قبل أي شيء آخر . و الطبقة الاجتماعية تعني المستوى العلمي- الثقافي ( الوعي ) و الاقتصادي تحديداً .
والحق ، لقد لعب التطور بالنصوص الدينية كما لعب بكل شيء في هذه الحياة بشكل تلقائي بل وحتمي ! فلم يعمل على غربلتها فقط و إنما أخذ يستبعد كل ما له عميق الصلة بروحية الإنسان و الطبيعة . فعادات المجتمع الدينية و مظاهره أصبحت تتبدى كخلفية ثقافية ( culture ) ، بعد أن خفف من حرفيتها التطور ، أكثر من كونها أي شيء آخر .
و لقد لفتني أن العديد من الممارسات الإسلامية المعاصرة تؤكد على تفعيل دور المرأة و فرديتها من خلال طروحات تتحدى الأوضاع التقليدية السائدة و تستند في أصولها على النص الديني تحديداً .
و في حوار هام جدا بين الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي و الباحث الفذ نبيل فياض نتعرف على الإسلام الحضاري المعتدل – كما يراه هو معتدلا - في فكر الدكتور البوطي
و كيفية فهمه لمقولة ( الإسلام صالح لكل زمان و مكان ) و ذلك على ضوء الصيرورة و قانون التغيير الذي يحكم بنيوية الوجود بذاته .
لقد أكد على أن ( الحجاب ، بالقدر الذي شرعه الإسلام للمرأة المسلمة ، لم يكن و لن يكون يوما ما حجرة عثرة أمامها للقيام بأي عمل أو وظيفة مشروعة أو خدمة اجتماعية . ) . و الحق إننا نجد في خطاب الدكتور البوطي ، وأجد نفسي موافقة عليه بالمبدأ ،إعلان عن قدرة المرأة على تحقيق أنوثتها الداخلية بكامل الحرية من دون أي اعتبار لأي إطار خارجي . فإذا لم يك الحجاب حجر عثرة في سبيل تحقيق هذه الأنوثة الداخلية أو المضي في طريق النضال المجتمعي ، فإذاً لا مانع من أن يٌفهم الحجاب ضمن حدوده و مظاهره الثقافية النسبية الخاصة ، ولا مانع لكي يُعتبر حداً من حدود الأعراف الأخلاقية التي يعتمدها المجتمع تماماً كرؤية بولس الرسول للحجاب . إذا هو ليس عنوانا للقمع ، ولا حداً قهرياً أو عصابيا يَلجم المرأة عن حقها . و المجتمع الذي يقبل وجود المحجبة و السافرة معا هو مجتمع حر ، يراعي التعددية الثقافية و يحترمها . و لكن يجب ، بالمقابل ألا يُترك الإسلام يتحرك بشكله الأفقي فقط ، محافظا على الإسلام المظهري على حساب إسلام الجوهر .
و في سؤال شديد الشفافية موجه للدكتور البوطي ، يطرحه الباحث نبيل فياض حول هذه الذكورية التوراتية التي تَنشر أنفاسها في كافة أرجاء الفكر الإسلامي فيما يتعلق بواقع المرأة في الإسلام، و عن هذا الربط بين عصيان المرأة زوجها و عصيانها لله … يقول الدكتور البوطي أن في التاريخ الإسلامي الكثير من ( صناعة الافتراء و أعمال المونتاج ) و يكفي نظرة واحدة إلى بعض الإحصائيات المتعلقة في وضع المرأة ( التي تعيش مساواة كاملة مع الرجل على كل الأصعدة ) في أوروبا و أميركا لنعرف أن الإسلام لا يعامل المرأة بدونية .
و الحق إن فكر الدكتور البوطي يعرف أن تحرر المرأة الفعلي يتجاوز حصولها على الحقوق . إنه يتحدث عن إسلام يحمي الأنوثة بشكل أو آخر من دون الاعتراض على اكتساب حقوقها .
و الخلاف الآن يكمن بين النص الديني الذي تحول إلى عرف أخلاقي اجتماعي ثقافي بمرور الوقت ، ومحاولة الخروج من حرفية هذا النص من أجل مسايرة الصيرورة و روح التغيير .
و من هذا المنطلق فان الإسلام و ربما أي دين آخر يصلح لكل زمان و مكان مادامت تحكمه هذه المرونة المنطقية و العقلانية .
إذا ، ليس النص الديني ، بحد ذاته ، ما يقف حجر عثرة أمام تحقق الأنوثة الوجدانية من عمقها ،و لا ربما تفسير هذا النص حتى ، و إنما موقف المرأة من هذه الأنوثة . صحيح أن الأهواء الشخصية و السلطة الذكورية الأمية العربية عبر التاريخ قد تُركت على هواها ، مستغلة غموض بعض هذه النصوص ، لتعبث في فحوى النص الديني بشكل يناسب مطمحها و رؤيتها ، و أنه بسبب التعسف الذكري الطويل الأمد في شرح النص الديني المتعلق بالمرأة ، اعتقدت المرأة أن التخلص من موضوع التعسف ( أي الأنوثة بذاتها ) هو الحل !!!!! غير أن التغيير الحقيقي يجب أن ( ينبع من داخلها ) و على يديها . فقيامتها من بين الأموات ليست بحاجة إلى إله الذكورة لتحصل أو تتحقق و إنما إلى رغبتها أولا بذلك .
فليس على المرأة أن تعتمد على إرثنا العربي من الحرية من أجل تحررها و تحقق أنوثتها ، فلسنا نملك إرثا مهما تراكميا من الحرية عبر عصورنا العربية الطويلة ، و يجب ألا تنتظر أحدا لكي يعيد لها كيانها المفقود و يبعث الحياة في رحمها الوجداني الضامر . إن الإنسان العربي كائن قدري يرمي بثقل مسؤولياته على ( الآخر )، و لهذا حتى الرجل العربي الذي تعتقد أن حقوقها يجب أن تحصل عليها منه ، هو الآخر مقيد و عبد لما كتب و لما قيل و لما انزل ! فالتاريخ و الجغرافيا و المجتمع و النصوص كلها تَركب على كتفيه و تدل بأقدامها . و لهذا فعلى المرأة أن تُدرك أن حريتها التي تبحث عنها لتحقيق أنوثتها الوجدانية ما هي إلا وعيها الداخلي لكينونتها و هذا الوعي لا يمكن تفتيحه و بعثه على يد أحد آخر . انه هناك بين يديها ما عليها إلا أن تشعر بمسؤوليتها تجاه كل هذا التاريخ التعسفي الذكوري الطويل و تبدأ العمل .
و الحق إنها بالقيام بذلك ، لا تقيم نفسها من بين الأموات و إنما تقيم الرجل معها .
لقد امتلأت الذاكرة الشعبية العربية بمئات الأمثال التي عكست رؤية الرجل الدونية لكينونة المرأة كذات و التأكيد على تفاهة ( أنوثتها الوجدانية ) و عدم ضرورة بقائها حتى على قيد الحياة بشكل مثير للضحك أحيانا . إن الذاكرة الشعبية هي الدين المجتمعي الثقافي الضمني الذي يرقد كالجمر تحت الرماد في عقول الرجال المتعلمين و الذين يصارعون بين ثقافتهم المحلية المثبتة كمسامير النعوش و الرغبة في ( لقاء ) الأنثى الحقيقية أخيراً . إنهم يعرفون أنهم لن يتعثروا فيها في ظلام ذاكرتنا العربية الشعبية ، ولا حتى في الحكايات و الأساطير القديمة و لا ربما في رواياتنا و الشعر ولا حتى في أفلامنا أ و خصور النساء الكثيرات اللواتي يتمايلن على حشرجة مطرب صاعد يريد الانتشار . و يعرفون أن رأسا مهموما أو شراكه وجدانية حقيقية لا يمكن أن تجد ضالتها في ( ناقصات العقل و الدين ) . إن الرجل العربي يبحث بلا هوادة اليوم لحسن الحظ عن الأنثى في المرأة و الشريكة الحقيقة . و هذا البحث هو نصف الطريق لاكتساب وجودها الفعلي كأنثى. و الأمر كله متوقف على ( نضالها ) في سبيل اكتساب و تحقق هذه الأنوثة المتعايشة و المتفاعلة مع معطيات حضارة حقيقة تتناسب مع مكاسبنا الأخلاقية الإيجابية كعرب .
إن المرأة العربية اليوم هي مثار إعجاب نسبة كبيرة من الرجال العرب أولا . انهم يتطلعون إليها مبتسمين و هي تكسر قيودها المعرفية الواحدة تلو الأخرى ، مبهورين صمتا بجمالية ثورتها . صحيح انهم يستشعرون شيئا دفينا من الخطر في هذه ( الثورة ) و يخافون من عدم قدرتهم على ضبطها . غير أنهم في قاع ذاتهم معجبون بها و يريدون لها أن تستقر في قالب أخير يرضي الاثنين معا .
إننا نعرف أن الحرية تكمن في التعلم و ضرب الأمية الفعلية و الثقافية ، لكننا في طريقنا إلى ضربها نجد أن الرجل يخاف أن يفقد المرأة إن هي أمعنت في تثقيف أنوثتها معتقداً أنه سيفقد الأنثى تماماً فيها . أما التعبير عن هذا الخوف فكان دائما تعبيراً عدوانياً عبر العصور ، فالذاكرة الشعبية و أمثالنا العربية التي تشبه الشتائم للمرأة تعكس هذا الخوف الكبير كما رأينا .
إن ميل المرأة العربية العام اليوم للنقاش و المماحكة ، بعد أن جننها التعليم المجاني ، هو نوع من الانتقام لأنوثتها المرفوضة من قبل الرجل سابقاً و المشوهة اليوم . إنها تبدو غير محتملة و هي تفند الحجة تلو الأخرى ، فارضة أفكارها و ما تعتقده الصواب بكثير من الانفعال المتألم. صحيح أنها عانت من سوء فهم هائل لوظيفة أنوثتها ، غير أنها اليوم تقوم بالدور القمعي ذاته إزاء نفسها . و هذا القمع الذي تمارسه بشكل يومي منظم على أنوثتها رفضاً ، لا يجرعليها فقط خراباً شخصياً و إنما على شريكها الرجل أولا .
إنني أشعر بالشفقة على الرجل العربي اليوم ، فنادراً ما يتعثر ( بامرأة ) ذات أنوثة متحققة ، فخورة بها . إنه مضطر لأن يعجب باستقلاليتها و نضالها و هي تكافح في مدن الدخان
و المجاملات و أن يُملح إعجابه السطحي ببعض التصرفات التي تزيد من الفجوة بينهما ، غير أنه في عمق ذاته لا يقوى على مخالفة ما أناطت به الطبيعة من وظائف خاصة القيادة !
ليس عبثا أن نجد أن أغلب مصممي أزياء المرأة اليوم في الغرب هم من الشاذين جنسياً . إنهم يريدون تمويه جنسها و طمس معالمه ليصبح لا ذكراً ولا أنثى. إنهم يريدون لجنسها أن يموت ليبعث من جديد كجنسهم ، أو يظهرونها عارية إذا ما تطرفوا في تدليلها ! فأزياء ( الجنس الموحد ) التي ظهرت في النصف الأخير من القرن الماضي أكبر دليل على عملية ذبح الأنوثة في مهدها . و الذبح هنا لم يتناول الشكل و إنما امتد إلى الوظيفة تحديداً .
فإذا كانت الحضارة الحديثة تجد أن الأنوثة و الضعف وجهان لعملة واحدة ، فإن النص الديني يكسب الجولة هذه المرة . فليست الأنوثة ضعفاً إلا إذا كانت المرأة ضعيفة شخصياً كفرد ،كما لا تعني الذكورة الِحدًة أو العدوانية إلا إذا أخذت مسلكها غير السوي . إن الأمر لا يمكن أن يرى إطلاقا، برأي ، من هذه الزاوية التصنيفية السطحية .
فالرجل اليوم المبهور بأنوثة المرأة الخارجية المفرطة ، ينفر عندما يقترب منها مدركاً أنه يضع يده على روح مذكرة أكثر منها مؤنثة . و كلما اقترب أكثر من بؤرة روحها وجدها تشبهه ، حتى طريقتها في الحب أخذت تحمل من المبادرة الشيء الكثير فارضةً ( جنسها الجديد المحسن ) على علاقة وجدانية المفروض أنها تقوم بين قطبين متكاملين . و إذا ، ما دخلنا إلى بعض غرف الحب العربية المعاصرة ، و أرجو من القارئ أن يقبل هذه الحقيقة الواقعة ، سوف نجد قرب السرير حذائي تريض و بنطالي جينز و ( تي شرتين ) و ربما حلي معدنية صغيرة ( لكليهما معا ) .
إن الذكورة و الأنوثة هما سلوكان و ليس سلوكا واحداً ، وهما اتجاهان و ليس اتجاها واحداً ، و هما طاقتان من نوعين مختلفين و ليس طاقة واحدة ، و عدم التوازن الذي يخلقه الإقتراب و التماهي بين القطبين هو الذي يزعزع المجتمع شيئا فشيئا من دون أن يشعر أحد بذلك .
من دون شك إن العوائق كثيرة اليوم في وجه المرأة العربية لتحقيق أنوثتها؛ أولا نفورها هي بالذات منها كسبب لتاريخ طويل من القمع التعسفي . و ثانيا ، وسائل الإعلام التي دخلت بترسانتها المرعبة إلى البيوت و أخذت تسوق للعدم و الموت في أحضان الأسر العربية التي تشكل أمية المرأة فيها نسبة كبيرة ( 44 مليون امرأة أمية في العالم العربي ) . إن وسائل الإعلام تروج للأنوثة المزيفة ، أنوثة ( سيدة الأعمال و الراقصة و الجنس الموحد ) . إن نظرة واحدة على نمط الدعاية و الإعلانات التجارية اليوم ندرك إلى أية هاوية اليوم سقطت الأنوثة . فهي تتعرى بسهولة ليس لترويج مساحيق الجسم مثلا و إنما لزيوت السيارات و الآلآت الكهربائية في المطابخ . إنها تفعل ذلك انتقاما و رغبة في التماهي و ضياع صورة جنسها المميزة .
والإعلام العربي اليوم يسير في ركب الغربي خطوةً خطوة ناشراً بلا كلل ولا ملل صور الأنوثة المزيفة مدفوعا بقوانين اقتصاد السوق ، وحركة البورصة و البنك الدولي حتى . لقد داخت المرأة في حرب ( الماركات ) المسعور و نسيت معركتها الحقيقة الأصلية ( حماية المجتمع وحيد الخلية – الأسرة ) لتدخل في ماراثون ( الاقتناء ) و الوصول إلى أكمل صورة للتماهي مع الرجل .
أصبحت مجتمعاتنا العربية تستورد بمليارات الدولارات مستلزمات الأنوثة المزيفة بينما تستنكف عن بقية المواد الأولية الأخرى رافعة الدعم عنها تحت اسم تضخم !
و التربية اليوم في بلادنا العربية تعيش واقع صراع مرير بين صورة الأنثى المزيفة التي تروجها وسائل الإعلام و بين النصوص الدينية و قوانين العيب و الأخلاق المكتوبة و غير المكتوبة التي تطلب من المرأة أن تأخذ دورها في الحماية من دون الانكفاء على الذات و الانعزال عن العالم و اللجوء إلى المثلية . فلم يعد المجتمع العربي اليوم يقبل ، لحسن الحظ، أمية المرأة كما لم يعد الرجل مستعداً لإشراك هذه الأمية في حياته . إنه يريدها متعلمة مثقفة و منفتحة و لها مكانها . إنه يريد أن يفخر بها كأنثى كاملة الأمر الذي يعتبر لصالح هذه الأنوثة بالذات . لكن المرأة العربية اليوم لم تعد تقبل الحل الوسط و ذلك لأنها لم تعرف كيف توجد هذا الحل الوسط ، و لهذا ، فانك تراها إما خارج المنزل طوال الوقت منشغلة في سباقاتها الماراثونية مع الرجل أو منكفئة في عالم مثلي ضحل ، أو منقسمة بين الإثنين فلا تطال أي مكسب لا على صعيد تحقيق أنوثتها و لا على صعيد نجاحها في أي ماراثون تسعى فيه . و الأمثلة كثيرة في واقعنا العربي عن التشتت الأسري الداخلي بسبب امرأة منقسمة في اتجاهين ، مبعثرة الطاقة بين تحقيق أنوثتها الأسرية ( أي حماية هذه الأسرة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ، و هي من أهم الوظائف الإنسانية على الإطلاق ) و بين الرغبة في الخروج و الانفلات من هذه الأنوثة بالذات .
إن كبت الطاقة الأنثوية ( الداخلية ) المبدعة و تفريغها في بلاليع الحضارة بدلا من ضخها في شرايين التحسين المجتمعي أمر يعتبر أكثر تدميراً من أي غزو آخر مفترض .
نعود للحديث عن الأمية الفعلية و الثقافية لدى المرأة و دورها في تقليص هذه الأنوثة الوجدانية
الداخلية ! الحق أنه في العلم و التعلم تكمن حرية المرأة بل و حرية كل إنسان . إننا ندرس و لكننا لا نتعلم ، نحفظ و لكن لا نفهم ، نراكم ولكن لا ننتج ، نتلقى و لكن لا نتفاعل . إننا عبيد بسبب أميتنا ، و المرأة أول العبودية لأنها مفتاح النهضة المجتمعية الأسرية بدرجة امتياز . إن أَمة الجاهلية القديمة هي اليوم أكثر تبرجاً و جمالاً و اضطهاداً من قبل بسبب أميتها الثقافية و سوء استخدام ما تتلقنه . و بالرغم من أن الأمية سبب يعيق تحقيق الأنوثة الواعية إلا أن هناك نسبة من النساء الأميات المتحققات الأنوثة . إنهن يتعاملن معها بشكل فطري تلقائي و اتصالهن مع قنواتهن الداخلية سالك ، و رحمهن الوجداني في قمة عطائه. لقد خلقن لكي يحمين أسرهن بكل ما لديهن من طاقة أنثوية خلاقة . إنهن يتعاملن مع ذواتهن بكل بساطة خارج أي زيف أو تدخل خارجي . أما أسرهن فهي تنمو بشكل سوي . صحيح أن المرأة الأمية غالبا ما تفشل في أن تكون هذه الاختصاصية التربوية و لكن طاقة الحب التي في داخل المتحققة الأنوثة الوجدانية هي التي تقودها و هي التي تجعل أكبر الرجال و أكثرهم نجاحا ينحنوا ليقبلوا يدها . يمكننا أن نعثر على أمهات عظيمات بينهن ، على زوجات وفيات يشع من ابتساماتهن حنان تاريخي و ميل لا ينضب للعناية . إنهن يهملن ، بدافع من فطرتهن ، كل قمع أو تعسف سابق لأنوثتهن من أجل صالح الطفل أو الرجل ،و بذلك ، بالرغم من أميتهن ، يتجاوزن ذواتهن بشكل يثير الإعجاب . أما المقابل فهي نظرة ملؤها الفخر و إحساس بالمكافأة في عيني امرأة لابن أو ابنة متفوقة أو لزوج ناجح ، يعرف بفطرته هو الآخر أن من ترقد بالقرب منه آخر النهار هي ليست ( الزوجة ) فقط و إنما حبيبة الأسرة برمتها و روحها النابض . إنها ليست امرأة الظل ، و إنما سيدة المنزل من موقع أنوثتها المميز . هذا الموقع الذي يحافظ عليه الرجل بالذات .
و بالمقابل ، يمتلئ المجتمع العربي بنساء مناضلات ، مثليات ، متحزبات ، مثقفات ، مراكمات لشهادات دكتوره ذات عناوين أكثر إرباكا من فسيفساء القصور القديمة ، و لكن رحمهن الوجداني ضامر ، و أنوثتهن شبه منقرضة . و بالرغم من القدرة التي يمتلكنها على المماحكة و الجدل و قواميس هائلة من المصطلحات الأكاديمية إلا إنهن فاشلات في إيجاد حل وسط يرضي تطلعاتهن و تحقيق أنوثتهن الأسرية و المجتمعية . إنهن هناك ، شبه بدينات أو حتى نحيلات ، كبيرات الصدر أو حتى ضامرات ، متيبسات في أزياءهن شبه الرجالية المزينة ( ببروش او وردة اصطناعية ) ، يرقبن كلبوات من وراء نظارتهن كل رجل يمر من أمامهن ، باحثات من دون كلل أو ملل عن أي حركة أو مثال يثبت نظرياتهن و رؤيتهن للأمور . إنهن مستريحات و حتى سعيدات فوق كراسي المنابر ، منطربات لأصواتهن التي تصدح في أرجاء القاعات من خلال مكبرات الصوت بينما تعمي أعينهن فلاشات المصورين . كيف تتحقق الأنوثة إذا لم يكن بهذا الشكل ؟ هكذا يفكرن ربما من فوق منابر جحيمهن بينما تركن أبناءً في المنزل يصارعون فوضى العيش العنيف و فراغ الأفكار السيئة و الميول النارية ، و زوجاً مرتبكاً بين رغبة في الوفاء ( لزوجة مناضلة !) يفخر بها المجتمع و توق للمرأة الأنثى – الحلم . إنه هو الآخر مهمل ، متروك ، كأبنائه ، ضحية من ضحايا أنوثة غير متحققة و رحم وجداني ضامر .
لقد وافقنا على أن الأنوثة هي طاقة تتحرك من الداخل إلى الخارج و ليس العكس . و بما أن الإبداع عملية تحدث داخليا أولا و من ثم تتحرك إلى الخارج ، فان الأنوثة في تفاعلها و حركتها الداخلية مبدعة . إنها تنطلق من داخل المرأة إلى خارجها ( أي الأسرة ) و من داخل الأسرة إلى خارجها ( أي المجتمع ) و من داخل المجتمع إلى العالم كله . وإذا شبهنا الأمرعلى شكل دوائر نجد أن الأنوثة هي بؤرة الحركة الخارجة ثم الداخلة ثم الخارجة ثم الداخلة ، حيث يتجمع فيها كل شيء ليتحرر خارجا كطاقة فاعلة .
والذكورة ، في أقصى تعبير لها على الالتحام بالقطب المؤنث ، تتقدم باتجاه البؤرة ـ أي إلى الداخل . إنه التحام وجداني مبدع لا يقوم القضيب إلا بدور شبه أولي ليترك الباقي للمشاركة الوجدانية البحتة .
اذاً ، حين تريد الذكورة الاقتراب من قطب الأنوثة فإنها تتقدم باتجاه الداخل – البؤرة . ولم نجد مثالاً واحداً على التحام معنوي أو حتى جسدي مع أنوثة خارجية مزيفة . فالرجل لا يتصل ، في نهاية المطاف ، إلا بأنوثة المرأة ، و هذه الأنوثة الوجدانية حينما تكون متحققة ، إنما تعكس عظمة الخلق و تشي بمعنى البقاء .
و الذكورة ، المراكمة في ذاتها للطاقة المتجمعة ، لا تنطوي على إبداع استثنائي أو طفرة في مسيرة الخلق . إنها في الحقيقة ( خادمة ) الأنوثة ، في صناعتها للحياة و ليس العكس كما يظن . و لهذا يجب أن تعبرالأنوثة عن ذاتها بأقصى درجة ممكنة ، مسلحة بكل ما لديها من قنوات اتصال مع العالم و الموجودات و كل ما لديها من تلقائية و فطرة و قدرة على الحماية . إنها مسؤولية ألقاها الخلق على عاتقها .
لم تعرف المرأة العربية كيف تحقق أنوثتها في عصر العولمة و الانفتاح ! هذا باختصار بيت القصيد هنا . و بسبب إحساسها المبهم بالدونية ، و بالتفوق المساء فهمه لعضو الذكورة عبر التاريخ ، لم تدرك بحسها الدفين أن الذكورة في حد ذاتها هي خادمة لأنوثتها في عملية الخلق . و إن الأنوثة هي ، بالتالي خادمة الأسرة في عملية الخلق المجتمعية ،و إنما جرت عليها أميتها الثقافية و أنوثتها المزيفة الخارجية هجوم التطرف الديني بكل قضه و قضيضه تحت راية الدفاع عن جوهر المرأة الحقيقي كما يرى الباحث نبيل فياض . و إلى أن تدرك الثروة الوطنية التي تهدرها من أجل الضحل من الأمور ، أتمنى ألا يعاين المجتمع العربي نكسة أخيرة تقضي عليه بالضربة القاضية
فصل من كتاب بنفس العنوان يصدر قريبا عن دار ورد










تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

النعامة الرقابية العربية

25-حزيران-2006

خلف حجاب الانوثة

09-حزيران-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow