Alef Logo
ابداعات
              

يَمامٌ يَحُطُّ على ظهرِ جُمّيِزَةٍ

سميح محسن

2008-07-14


(1)

ضبابٌ يَحُطُّ على غُصنِ جُميِزَةٍ في حزيرانْ؛
يَنامُ على بَطنِ ضوءٍ تَكوَّعَ تَحتَ الظِّلالِ
لِيغفو قليلاً على صخرةٍ شكَّلتها المشَاعِلُ
قبلَ الهُبوطِ النهائِيِّ في رِحلةِ الموتِ
تَجبلُ طينتَها الأرضُ في ساعةِ الحربِ،
تبني القلاعَ،
تُقيمُ المتارِيسَ خَلفَ التِلالِ،
وتَحمي هويتَها بالتضاريسْ،
بِما خبَّأتُه الطَبيعةُ في قلبِها من مواويل،
فينمُو النَدى في ضِفافِ الجَداولِ،
يُقْمِرُ زهرُ السَفرجلِ
مثلَ القناديلِ
يضيءُ عيونَ العصافيرِ في الليلِ
تَرقدُ فوقَ الهشيمِ الأيائِلُ
تَهفو الظِّلالُ على صَهوةِ الماءْ
يَصحُو اليَمامُ
لِيحرسَ ما خربَشَتْهُ الأصابِعُ في غَيمةٍ عَابرةْ؛
ضبابٌ يحطُّ على الأرضْ،
يَمامٌ يطيرُ من الأرضِ،
يرقدُ فوقَ السحابْ

(2)

يقولُ الرواةُ:
{... هنا قُتِلوا في المساءِ الأخيرِ من الحربِ،
كانوا يَمرُّونَ للشرقِ صوبَ شعابِ الجبالِ
ويعتمرونَ البشاكيرَ ناصعةً بالبياضِ
ويعلو الغبارُ (بساطيرَهم) من بياضِ الترابْ.
يَمرُّونَ دونَ طريقٍ، سلاحٍ، وخُبزٍ وماءٍ
ضياعْ.
ستَخلو الحِكايةُ من حَبكةِ النصِّ
إنْ قيلَ أن الجنودَ تَلَقوا الأوامرَ للصبرِ عَبرَ أثيرِ الإذاعةِ
عَضِّ النواجذِ
لا شيءَ آخرْ،
لقد أُرسِلوا للقتالِ بدونِ خَرائِطَ
أو بوصلاتٍ
وقيلَ لهم قاتِلوا
قاتَلوا
هُنا قُتِلوا
في المساءِ الأخيرِ من الحربِ
كانوا حزينينَ قدّامَ أحلامِنا بالرجوعِ إلى ظِلِّ زيتونةٍ في الجليلِ،
نُلَمْلِمُ قُمصَانَنا عن حبالِ الغسيلِ،
وننفضُ عنها الغبارَ
نُبِلِلُ أجسامَنَا بالهواءِ العليلِ
نَفُكُ رِباطَ الحصانِ، ونَسقِي وُرودَ الحدائقِ، نُورِدُ أغنامَنا للينابيعِ وقتَ الظهيرةِ، نَعلِفُ سربَ الدجاجِ
ولا نلتفتْ للحساسينِ والقبراتِ
نقولُ سَتَتبَعُنا في الإيابْ...}

(3)

يَمامٌ يَحُطُّ على ظَهرِ جُميزَةٍ في سَماءٍ بَعيدةْ
يُعَشِّشُ فوقَ السَحابِ
يَبيضُ على غَيمةٍ عابرةْ،
سَتُمْطِرُ هذا الصباحَ
فضاءً فسيحاً،
عناقيدَ ضوءٍ تُغَطّي كرومَ العنب،
وقوسَ قُزَحْ،
طُيوراً أبابيلَ تَفرُشُ ظلَّها خيمةً في سماءِ البيادرِ
تَحمي السنابِلَ
تَحْرُسُ أطفالَنا من هجومِ الأفاعي
يُنَدِّي الحمامُ الأغاني
ويُمْطِرُها بالمواويلْ
يُزَيِّنُ أغصانَها (بالعتابا وبالميجنا)
فَتُمطِرُ ألسنةً من لَهبْ...
فَرَشْنا مَساطِبَنا فوقَ عُشْبِ الملاعبِ
ثُمَّ افترشنا الحصى في انتظار القطار الأخيرِ إلى الشرقِ
بَعدَ انفراطِ الأماني
سَحابٌ تَدلى بِحبلٍ من النارِ فوقَ الصُنوبرِ
ليلٌ يشيحُ بسُمْرَتِهِ عن مرايا المغاراتِ
يغرقُ في غابةِ اللوزِ
يَثني عباءَتَه فوقَ ضوءِ المناراتِ
ليَحْرُسَ بالموتِ مَنْ قُتِلوا في الهزيعِ الأخيرِ
ويسترُ عوراتِنا في الشِعَابْ

(4)

{ ... تَشَبَّثَ بالروحِ
قالَ الرُواةُ: وقاتلَ حتى المغيبَ
وآخِرَ ما في المسدسِ من طَلَقاتْ،
تُنازعُه رَغبتانِ،
رغبةٌ بالحياةِ
وثانيةٌ بالمماتِ
استراحَ على صخرةٍ قلبُها خافقٌ بالأغاني الحميمةِ
صَبَّ على الصخرِ كأساً من النارِ والذكرياتْ،
يُنازعُ آخَرُهُ غربتَهْ
صورةٌ لعروسينِ تَشَبَّثت الروحُ فيها،
لهُ شبهٌ في تفاصيلِها،
وقيلَ تساءَلَ:
هلْ يغسلُ الموتُ أخطاءَنا ؟!!
هَلْ يُعَلِّمُنا شَجرُ السروِ أسرَارَهُ في الصعودِ إلى حافةِ الغيمِ ؟!!
سِرَّ السموْ،
لا الحصانُ حصاني،
ولا يصعدُ الرملُ من شاطئِ البحرِ
يَحملُني فوقَ أجنحةِ الماءِ
يَحمِلُني للسماءِ
سأجثو على ركبتيّ
وأصعدُ
أصعدُ كالطيرِ نَحوَ الفضاءِ
وأرقُدُ
أرقدُ فوقَ الضبابْ ...}

(5)
نُلَوِّنُ بالماءِ أعمارَنا
سوفَ نكتبُ أسماءَنا
بالبياضِ على جَبهةِ الثلجِ
يَحفَظُها من خَطايا البلاغةِ في القولِ
نَكتبُ فوقَ الخريطةِ عنوانَ منزلِنا
في البراري، ونَخرجُ من كوةِ النارِ
نُخْرِجُ نصَّ حكاياتنِا
من إطارِ القداسةْ،
نُفَصِّلُ أحلامَنا
في ثيابِ النصوصِ،
نُفَصِّلُها من قميصٍ مُمزقْ،
ونقذِفُها في مياهِ البحيرةِ
يغسِلُها الملحُ بالملحِ
والماءُ بالماءِ
والرملُ بالرملِ
نَزرعُ أقدامَنا في الجبالِ
ونزحفُ في طُرقاتِ الرعاةِ الأوائلِ نَحوَ المغاراتِ
نوُدِعُ أسرارَنا
في بيوتِ العناكبْ...
تسيرُ الجبالُ وراءَ القوافي
تسيرُ البلادُ وراءَ القوافلِ
محمولةً بالحقائبِ والذكرياتِ
تُسافِرُ خلفَ السرابْ

(6)
يقولُ الرواةُ:
{... تَركنا الدفاترَ فوقَ المقاعدْ،
فَلم تَكْتَملْ حِصةُ النَحوْ؛
رَمينا المناجلَ قبلَ صُعودِ الأذانِ الصَباحيّ،
فَلم يَحصد الحاصدونَ السَنابِلْ؛
وَضعْنَا إِناءَ الحليبِ على النارْ،
فَلم تُطفِئ الأمهاتُ المواقِدْ؛
نَصبنا الشِّبَاكَ على جدولِ الماءْ،
فَلم تأتِ نَحوَ الشِّباكِ الحساسينْ؛
سَقيّنا السفرجلَ ماءَ الينابيعْ،
عَطِشْنَا، ولم نقطف الثمراتْ؛
نَشرنا مَلابِسَنا بالهواءِ
رَكضنا حُفاةً عُراةً بدونِ طريقٍ
فَلم تخرج الطُرقاتُ إلينا...
القوافلُ تَمضي إلى الشرقِ
فوضى
وقيلَ بأنَّ النَبِيَّ وأعوانَهُ انْهَمكوا يَزرعونَ المساميرَ في شَجَرِ السروْ يقولونَ: "تلكَ السفينةُ فَلْتَمتَطوها، السفينةُ طوقُ نجاةْ"
ذهبنا إلى الحربَ دونَ خطابْ...}

(7)

نُفِكِّكُ مَبنى الخطابِ
نُحَمِّلُهُ ألفَ مَعنى ومَعنى
نُقولُ انْكسَرنَا بِفِعْلِ الحَداثةِ
فلسفةِ الخارجينَ عن النصْ
نُقولُ انْكسَرنَا بِفِعْلِ الخرافةِ
والغارقينِ بِحَرْفِيَّةِ النصْ
نُعيدُ اجترارَ النُصُوصِ القَديِمةِ
نَنفضُ عنها الترابَ، ونشحذُها بالتعاويذِ والأمنياتِ،
نُسيِّجُها بالرداءِ المُقدَّسْ؛
نُعيدُ اجترارَ معارِكِنا في (التهافتْ)
(ثنائيةَ العقلِ والنقلِ، أو لا اجتهادَ بنصٍ)
هلْ نُخرجُ النصَ من جِلدِهِ
ثمَّ نُدخلُهُ في اجتهادِ الحداثةِ ؟!!
نُقْحِمُ فعلَ الحداثةِ في لغةِ الاجتهادْ
نستعيرُ ابن خلدونْ، لتأسيسِ عِلمِ اجتماعٍ حديثْ ؟!!
نُفاضِلُ بينَ امرئِ القيسِ والمتنبي
(وبينَ اختيارِ القصيدةِ/بين حدودِ الإمارةِ)
نُسقِطُ عصرينِ مختلفينِ على طَرفيِّ الطريقِ
وننسى المَعَريَّ في سجنِهِ الأبديِّ
ونُسْقِطُ حِكْمِتَهُ من ثنايا الحديثِ
نفاضلُ بين ابن رُشدِ/الإمامِ الغَزاليِّ
نَعبُرُ في لحظةِ الارتِجالِ المضيقَ إلى قُرطُبةْ،
نَستعيدُ الخليفةَ يعقوبَ في زيِّهِ المَلكيِّ إلى العرشْ،
نعيدُ الوشاةَ إلى قصرِه القرطبيِّ
ونُشْعِلُ نارَ البراءةِ
نَحرقُ (فصلَ المقالِ) ونقرأ (مجنونَ إلسا)
ونبكي سقوطَ البلادِ هناكَ، وننسى
ونَدخُلُ في حالةِ الاغترابْ

(8)

(تَطيرُ الطيورُ بأرزاقِها)
نَحتمي في ظِلالِ خطابِ الحماسةِ في الشِعرْ؛
على صهوةِِ الماءِ نكتبُ أحزانَنا
نَمتَطِي الموجَ من غير سَرْجْ،
نُثنِّي ونَجمعُ
ثم نعودُ لنكتبَ في صيغةِ المفرَدِ
لغةٌ لا تطاوعُنا، نُطَوِّعُ فيها المعاني على قدْرها المستطاعْ،
نُفَكِكُ مَبنى القَصِيدةْ
نُفَكِكُ أيامَنا من غيرِ مَبنى
نعيدُ صياغتَها من غيرِ مَعنى
(فيا أيها العابرونَ) ظلالَ القصيدَةِ
فلْتَخرُجوا من سِياجِ البَلاغةِ والوَصفِ
إنْ ضاقَت الكلماتُ بأحلامِكُمْ
واكتبوا ما تشاءُونَ في وَصْفِنا
احذِفُوا ما تَشاءُونَ من لغةِ الاستعارةِ والوصفِ
في متنِ هذا الكتابْ

(9)

ضبابٌ يَحُطُّ على غُصنِ جُمِّيِزَةٍ في حزيرانَ يَحرسَ ما خربَشَتْهُ الأصابِعُ في غَيمةٍ عَابرةْ. يَمامٌ يَحُطُّ لِيَحرسَ بالموتِ مَنْ قُتِلوا، ويحرسُنا في الغيابْ
نُفِكِّكُ مَبنى الخطابْ
ونَنفضُ عنه الترابْ
اكتبوا ما تشاءُونَ في وَصْفِنا، اكتبوا ما تشاءُونَ في وصفِ هذا الخرابْ

حزيران (يونيو) 2008
[email protected]

* شاعر فلسطيني مقيم في رام الله

















































































































































































































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

على هذه الأرض

11-أيار-2009

في تفسير سورة الرعد

08-أيار-2009

غمامٌ على القلب

01-آب-2008

يَمامٌ يَحُطُّ على ظهرِ جُمّيِزَةٍ

14-تموز-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow