Alef Logo
دراسات
              

من اجل منظور جديد للعلاقة نحو أفق بلا إرهاب

محمد الحنفي

2006-11-14

مقدمة :
إن البشرية و في جميع أرجاء الأرض لازالت تنشغل في جزء كبير من وقتها بأزمة التعارض القائم بين المادية و المثالية نظرا للحيف الكبير الذي يلحقه الفكر المثالي بالفكر المادي. و نظرا لاستناد الفكر المادي إلى أسس مادية واقعية يمكن اعتمادها في بناء منظومة فكرية علمية، لا يستطيع الفكر المثالي الصمود أمامها. و مادام هذا التناقض قائما بين المثالي و المادي من الأفكار، فلماذا لا يتم التسليم به. و لماذا لا نعتبر أن ما هو قائم من فلسفات مادية مشروع، و أن ما هو قائم من فلسفات مثالية مشروع أيضا، و أن مصدرهذه المشروعية ومرجعيتها تعود إلى الواقع المادي نفسه. لأن الواقع لا يكون إلا ماديا، و أن هذا الواقع المادي هو مجرد مجال لاستنبات الفكر المثالي الذي ليس إلا قوة مادية قائمة في وجد هذا الإنسان حامل المثالية، ومنتجها. فالعبرة لا تكون إلا بالأصل، و الأصل هو الوجود المادي للمجتمع. و نظرا لأن هذا المجتمع تحول من المجتمع اللاطبقي إلى المجتمع الطبقي، فإن الطبقة المسيطرة تسعى باستمرار إلى فرض أفكار مثالية تعبر عن مصالحها الطبقية. و تستند في أفكارها تلك إلى ما ظهر في المجتمعات من معتقدات خرافية و دينية حتى تتمكن من بسط سيطرتها على الطبقات الأخرى و في مقدمتها الطبقة العاملة. و بما أن المجتمع الطبقي القائم يعتبر مجالا لصراع المتناقضات، فإن هذا الصراع الذي يتخذ طابعا تناحريا في مرحلة معينة، يقتضي الاعتراف بوجود تلك المتناقضات (الطبقات الاجتماعية – الإيديولوجيات – المثاليات – و الماديات – و الأديان ... الخ) يصير مسألة ضرورية و ضرورتها هي التي تفرض اخذ تلك المتناقضات بعين الاعتبار في التحليل حتى يكون متكاملا و موضوعيا و منتجا، و موجها للحركة الساعية إلى تغيير الواقع في اتجاه التسريع بعملية الانتقال إلى المرحلة الأعلى في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و التفافي و المدني و السياسي.
و للوصول إلى توضيح هذه الإشكالية، إشكالية العلاقة بين المادي و المثالي، سنتناول موضوع "الدين / الماركسية نحو منظور جديد للعلاقة" الذي سنتناول فيه مفهوم الدين : الأساس، و المنطلق. و مفهوم الماركسية، الأساس و المنطلق، و تاريخية الدين ، و تاريخية الماركسية و عمومية العقيدة، و خصوصية الطقوس الدينية، و عمومية المنهج، و خصوصية التطبيق الماركسي، و كيف ينظر الدين إلى الماركسية ؟ و كيف تنظر الماركسية إلى الدين ؟ و هل يمكن أن يوقف الدين الرؤى المادية إلى الواقع ؟ و هل يمكن أن تمنع الماركسية وجود الدين ؟ و ما هي العلاقة الموضوعية التي يجب أن تقوم بين الدين و الماركسية ؟ و ما هي سبل تجاوز ادلجة الدين لمحاربة الماركسية ؟ و احترام المنهج الماركسي إقرار بوجود المعتقدات الدينية في الواقع.
و بتناولنا لفقرات هذا الموضوع بالتحليل الهادئ نستطيع أن نقارب الآفاق التي يجب اتباعها للوصول إلى خلاصة تمكننا من إيجاد المخرج المناسب، و المتناسب للعلاقة بين الدين و الماركسية من جهة، و لإشكالية العلاقة بين المادي و المثالي من جهة أخرى حتى ننتقل من الصراع غير المنتج و المضلل الذي لا تستفيد منه إلا الطبقات المستفيدة من الاستغلال، إلى الصراع المنتج الذي ليس إلا الصراع الطبقي الحقيقي في مستوياته الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و في مستوياته الإيديولوجية و التنظيمية و السياسية المساعدة وحدها على تسريع وتيرة الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أعلى من تطور البشرية.
إننا أمام واقع يتزامن فيه عمق التخلف، مع انتشار ادلجة الدين الإسلامي، ومع تفاحش وتيرة الاستغلال الهمجي للطبقة العاملة و سائر الأجراء، ومع سيادة نظام عولمة اقتصاد السوق إلى جانب الثورة التكنولوجية المتقدمة التي فاقت كل التوقعات. و هذا الواقع و بهذه الحمولة، لازال في حاجة إلى تفكيك المزيد من القضايا المطروحة. و منها قضية العلاقة بين الدين و الماركسية ، حتى يتم تمهيد الأفق لانتاج صراع طبقي حقيقي.

مفهوم الدين : أساسه و منطلقه :
إن العلاقة بين الدين و الماركسية تقتضي منا أن نقف أولا على مفهوم الدين. و ما هو الأساس الذي يقوم عليه ؟ و ما هو منطلقه ؟
إن البشرية و منذ وجودها و هي تعمل على فهم الواقع، و نظرا لقصورها المعرفي، و عدم امتلاكها للوسائل التي تساعدها على معرفة الواقع معرفة علمية دقيقة. فإنها تلجأ إلى تفسير الظواهر الطبيعية التي تقع أمام أعينها. و تفترض أنها تقع، لا وفق قوانين طبيعية معروفة، أو يفترض أنها تكون معروفة منذ البداية لو نشأ الإنسان عارفا بها معرفة كاملة. و لأن الإنسان يفرض عليه أن يوجد أولا، ثم يفكر ثانيا، فإنه وجد عاجزا عن معرفة تلك القوانين.و لذلك يفترض وجود قوة خفية و من أصول غير مادية، فيستعظم تلك القوة و يخلق لها طقوسا تخصها. و مع توالي الأيام، صارت تلك القوة الخفية آلهة مجسدة في كائن طبيعي نباتي أو حيواني أو مظهر من مظاهر الطبيعة، أو في آلهة يصنعها الإنسان، و صارت تلك الطقوس عبادة، و مع تطور البشرية الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي ظهرت التجمعات البشرية الكبرى، و ظهرت النظم الاقتصادية و الاجتماعية المنسجمة مع التشكيلات الاقتصادية و الاجتماعية القائمة. فظهرت معها الحاجة إلى وحدة المجتمع، فاستدعى ذلك ظهور الديانات الكبرى على التوالي : اليهودية ثم المسيحية ثم الإسلام الذي كان آخرها نظرا للنضج الذي وصلت إليه البشرية الذي اقتضى توقف ظهور أديان جديدة.
فما هو الدين ؟ و ما هو الأساس الذي قام عليه ؟ و ما هو منطلقه ؟
إن الدين، أي دين، سواء كان وثنيا أو غير وثني، و سواء كان يهودية، أو مسيحية، أو إسلاما له علاقة بقوة غير معروفة، اختلفت تسميتها من عصر إلى آخر، و من مكان إلى آخر. و انطلاقا من اختلاف الطبقات الاجتماعية، و اختلاف مستوياتها المعرفية. و تلك القوة الخفية تفرض على المعتقدين بها خضوعا قسريا لمنظومتها "الإيمانية" التي تقتضي ممارسة طقوسية معينة تختلف باختلاف المنظومات نوعيا و عدديا، لتحقيق غاية روحية معينة، انطلاقا من النصوص المرتبطة بكل دين على حدة، تعبيرا عن التجسييد الفردي و الجماعي، و الاجتماعي لتلك المنظومة التي يتحقق في إطارها وحدة قيم المجتمع الأخلاقية و الروحية. و لذلك فالدين هو الاعتقاد بوجود قوة معينة تستلزم ممارسة طقوسية معينة يمكن تمثلها في القيم التي يتحلى بها المتدينونون على مستوى المجتمع و التي توجه العلاقات الاجتماعية، و تربطها بإرادة تلك القوة الغيبية التي تفسر بالإيمان بها كل شيء في هذا الكون.
و الأساس الذي يقوم عليه الدين، أي دين، هو الحاجة إلى ملء الفراغ الروحي بسبب الجهل و الأمية. و انعدام المعرفة بالواقع، و عدم القدرة على استخلاص ما يجب من التجارب السابقة، من اجل اعتماده في التعامل مع الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و في العمل على تطويره، و معاناة الإنسان القديم من الفراغ الروحي دفع ذهنه إلى العمل المستمر و البحث الدؤوب من اجل إيجاد ما يساعده على المستوى النظري، و على المستوى العملي على التغلب على عامل الوقت، و خاصة عندما يفرغ من الحصول على حاجته الطبيعية التي تمتلئ جنباتها بما يلبي تلك الحاجة. فانعدام ما يملأ الإنسان القديم به وقته لعب دورا كبيرا و أساسيا في البحث عن تفسير لما يجري في الواقع، و من يقف وراءه. فعبد الإنسان مظاهر الطبيعة المختلفة، عبد الرعد، و النار، و الشمس و القمر، و الحيوانات و الإنسان، ثم صنع تماثيل تمثل معبوداته الحية حتى تبقى تلك التماثيل (الأصنام) خالدة مدى الدهر حتى يضمن حضورها معه، ومع أبنائه و أحفاده من بعده إلى ما لا نهاية. ثم اعتقد الناس بعد ذلك أن الله يتزوج و يلد، فشرعوا يعبدون "أبناء الله" كوسيلة لعبادة الله، و كذلك الشأن بالنسبة ل"زوجة الله" " و قالت اليهود عزير ابن الله، و قالت النصارى المسيح ابن الله" و "إن الله ثالث ثلاثة" بعد أن تم تجريد فكرة الله على يد إبراهيم "فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي، فلما أفل قال لا احب الآفلين، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر، فلما افلت قال يا قوم اني بريء مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض حنيفا، و ما أنا من المشركين".
و منطلق الدين، أي دين و مهما كان مستواه هو إيجاد تفسير لما يحدث في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، فلا شيء في الوجود من صنع الإنسان، انه نتيجة لفعل، و إرادة القوة الخفية التي يحتار الناس في إيجاد تفسير لها، فاكتفوا بتسميتها القوة المطلقة أو القوة الأولى، أو اله الخير، و اله الشر، و غير ذلك من التسميات التي أطلقها قدماء المتدينين قبل الوصول إلى تسمية "الله" في الديانات التوحيدية و خاصة في عهد إبراهيم الذي سبق مجيء اليهودية و المسيحية و الإسلام. فالله هو الخالق لكل ما في الكون، و هو الذي يحيي و يميت، و هو الحي الدائم الذي لا يموت، و الذي لا يمكن تصوره، لأنه كما جاء في القرءان " لا تدركه الأبصار، و هو يدرك الأبصار" و هو الباعث للرسل و المنزل للوحي الذي يوجه البشرية إلى ضرورة التحلي بقيم معينة و هو ما يجعل المستبدين يعتبرون استبدادهم من عند الله كما هو الشأن بالنسبة للإمبراطوريات المسيحية القديمة التي اعتبرت حكمها طبقا لنظرية الفيض الإلهي التي اعتمدها بنو أمية بعد تسلطهم على حكم المسلمين. كما جاء في خطبة زياد بن أبيه الذي يقول "انا نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا و نذوذ عنكم بفيئه الذي خولنا" و حسب هذه النظرية فكل شيء في هذا الكون بأمر الله و بإرادته، و ما عاشه الإنسان، و ما يكونه و ما يصير الله هو بإرادة الله و بأمره، أو بإرادة القوة الغيبية و بأمرها، سواء كان المعبود واحدا، أو متعددا حسب منطلق كل دين على حدة.
و أساس الدين و منطلقه ضروريان للدين نفسه لأنه لا يوجد دين بدون أساس يقوم عليه، و لا منطلق يبتدئ منه. فالحاجة إلى التغذية الروحية ضرورية للإنسان من اجل أن يطمئن على مصيره و بعد تمثله للقيم الدينية التي يقتنع بها، مهما كان الدين الذي يومن به، و رغبة الإنسان – في ظل عجزه العلمي و المعرفي- قائمة إلى ما لا نهاية، لأنه يحتاج باستمرار إلى تفسير ما يحدث في الواقع من ظواهر طبيعية، و علمية و فكرية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و مدنية و سياسية و عسكرية. و التفسير الديني لما يحدث هو اكثر التفاسير باعثا على الراحة النفسية، لأنه يعفي الإنسان من إعمال الفكر فيما يجري، حتى و إن كانت بعض الأديان تحث على استعمال العقل، فإن الناس غالبا ما يجنحون إلى تعطيل هذه الآلة التي تلعب دورا كبيرا في جعله يدرك الأسباب الحقيقية لوقوع مختلف الظواهر، و النتائج المترتبة عن تلك الأسباب.






تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

في أسباب النزول

06-كانون الثاني-2007

الشاعرة المغربية حكيمة الشاوي الأمل المستهدف ج1

16-كانون الأول-2006

العلاقة المتبادلة بين العلمانية و الدولة و الدين و المجتمع ج3

09-كانون الأول-2006

العلاقة المتبادلة بين العلمانية و الدولة و الدين و المجتمع ج2

25-تشرين الثاني-2006

من اجل منظور جديد للعلاقة نحو أفق بلا إرهاب

14-تشرين الثاني-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow