Alef Logo
ابداعات
              

سينما - المشهد السينمائي السوري- إصلاح السينما بالسينما !

أيهم ديب

2006-04-08

الفيلم السوري الطويل جداً:
غياب البحث السينمائي النقدي و التحويل الحاصل على المفكر السوري من مفكر إبداعي إلى مفكر توفيقي أدى إلى تكريس فجوة حقيقية بين الفن بصفته المتحولة أو الشرطية و صناعة الفن كمنتج ثقافي ذو سمة. إن مقتل العناصر يحمل أحيانا سر خلاصها و خلودها من خلال تغيير الخصائص كما في الطبيعة. أحد المآخذ على الفيلم السوري هو طوله- لا أتحدث عن الجودة- حتى اللحظة يدخل المخرج السوري في صراع مع ذاته و مع المنتج و الشارع ليحقق الزمن الذهبي للفيلم! يتفق الجميع مع أينشتاين على نسبية الزمن و يختلفون في مدى اتساقهم المعرفي مع مثل هذه المقولات الديناميكية. فجأة ما يجوز في الفيزياء المحافظة يمنع في عالم الفن الحر! لنستذكر بعض الأمثلة قد تفيدنا في البحث عن الزمن السوري المفقود:

يؤخذ على الهنود سرعتهم التي تكاد تكون كاريكاتورية في النطق! لكن هذا انعكس في أدائهم في عالم الأرقام-الرياضيات و من ثم الرقميات-الحاسوب عليك أن تشاهد الهندي في المزادات أو في البورصة! لا أتحدث عن الهندي من الطبقات الدنيا المحكوم عليه بالصيام عن تفاحة المعرفة.
يمتد عرض مسرح الكابوكي على جسد الوقت ويستطيل ليستهلك ساعات يوم كامل . هذا ما يجعل الكابوكي مسرحا يابانيا بامتياز رغم وجود مسرح ياباني يقارب و يغازل المسرح العالمي الاتفاقي!
في الصحراء يستطيل الزمان و يدخل في دورة استعادة باطنية لنفسه فالأفق المتصل بلا فواصل و لا علامات يقسم الفضاء إلى مساحتين تكادا تكونا مطلقتين أيضا إلى حدود التجريد الأزرق السماوي و الأصفر الصحراوي.
يتغير السماوي في زرقة لا نهائية و تتحول الرمال في أصفر متجدد. في الصحراء يستمع الكائن إلى الأصوات الكونية –مثل المقولات الكبرى- يسمع صوت الفضاء الخارجي مع دوران الأرض. يسمع نبض قلبه يؤرخ لزمانه كنحلة تقيس الفضاء بأزيزها.
نتعلم في المدارس لنشبه بعضنا بعضا و نقضي حياتنا في رغبة الاختلاف.
قد نقيس الوقت بساعة سويسرية أو رملية و لكن نقيس الزمان نقصه و نفصله و نعيد تشكيله بساعة جسدنا الحامل الشرطي لمعنى الوقت/المعرفة في فضاء الكون المتسع خارج حدود إدراكنا.
هل يحق للسينمائي السوري على الناقد السوري أن يؤسس للبحث عن الزمن السوري المفقود؟
في المصرف يطلب وضع النقود من نفس الفئة و بنفس الاتجاه في آلة عدّ النقود. هل ينقذ النقد السوري الفنان السوري من حاجة التشبه ؟ هل يقوى الناقد السوري على مهمة تعميد الفن السوري؟ التأكيد على قرابته و على تنقيته.
يعتقد السوري أن البتزا شأن إيطالي! لأنه تعرف إليها كقرص قطره 30 سم مع حضور الجبنة الدائم و لم ينتبه إلى أن فطائر الجبنة و الزعتر و اللحمة و الفليفلة هي الشكل المحلي للبيتزا سعر البيتزا 150 ليرة و سعر الفطيرة 5 ليرات. قد نحتاج إلى طاه و ليس إلى معلم لنوقظ حب الأشياء.

عبد اللطيف عبد الحميد وسمير ذكرى:
ليست واو المصاحبة ولكن واو الكسل التي تخصني.
يراهن السينمائي السوري سمير ذكرى على امتحان المعرفة في مقاربته للفن. يحتفي باكتشاف الأشياء التي غيبها السياق الاجتماعي في العادة. يفرح بالحياة التي يهبها إلى جسد المعرفة المؤسسة. يبحث السينمائي سمير ذكرى عن مادته خارج ذاته – في الذات الاجتماعية الكبرى- و يرى ذاته في قدرته على ابتكار رؤية جديدة إلى الجسد المحرم لقصته مؤكداً على دور الثقافة في تأويل المشهد الاجتماعي.
حادثة النصف متر، تراب الغرباء، علاقات عامة ثلاثة أفلام لسمير ذكرى تقدم مخرجا تنويريا بامتياز من غير أن تحوله واعظا. هل يجيب سمير ذكرى عن كل الهموم السينمائية التي تؤرق الثقافة و الفن المحليين؟ قطعا لا و هذه علامة نضج نرى ما يقابلها عند السينمائي السوري عبد اللطيف عبد الحميد.
عبد اللطيف الذي اعتبر فيلمه الأول خرق في الثقافة الاجتماعية على صعيد اللغة و البيئة عاد الصحفيون و الشارع لينقلبوا عليه في ما وصفوه بالتكرار.
لكن إذا اعتبرنا أن اللغة و البيئة هما حامل شكلي اختياري -لاحقا- أي إذا قبلنا بحقيقة أن عبد اللطيف لا يشاكس باللغة و إنما يستعملها و لا يغرب بالمكان و إنما يألفه هذا يجعلنا أقرب من حقيقة الهوية الفنية لعبد اللطيف عبد الحميد.
يأخذ عبد اللطيف خلية واحدة من جسد المجتمع و يعمل على نفخ الحياة فيها و استنساخ خصائص الحياة الأم في المادة المبتكرة بين يديه. يمكن تشبيه هذا في اللغة بإطلاق الكل على البعض أو في الفيزياء ب رحلة في عالم الأجزاء لمعرفة الكل. و عندما نصل إلى هذا القرب من رؤية المخرج و نكاد نرى الأشياء كما يراها يتضح لنا التنوع الكامن في خياراته.قد لا يكون تجريب عبد اللطيف عبد الحميد في الشكل السينمائي و لكن مرة أخرى نعود لنقول أن المخرج ليس معني بالإجابة عن كل الهم السينمائي. و أن بحثه يقع في المساحة الواقعة بين الحياة و الحب أي بين ما نعيش و ما نختار لفرحنا. هذا ما يجعل من عبد اللطيف مخرجا لفيلمه و يجعل من مخرجي نصوصه منفذين ليس إلا. فالفعل الفني تم مع فعل الكتابة وعليه يحق لعبد اللطيف توقيع أفلامه و لا يحق لغيره توقيع سيناريوهاته- على الأقل حتى الآن-
يشترك سمير ذكرى و عبد اللطيف في حس قوي بالدعابة و السخرية مع اختلاف الموقف فالنكتة عند سمير تأتي من خلفية ذهنية تقوم على مصادرة العقل أو إرباك المنطق من خلال ابتكار قراءات موازية و حتى متناقضة في السياق الذهني الواحد.
في حين نكتة عبد اللطيف تقوم على لامعقولية الحياة و على التجاور الحاد بين الأضداد في الشخصية الإنسانية
يبدوا إنسان عبد اللطيف مطلقا في عزلته و لا متناهيا في صغره و لمن الكون –القدر- يحضر دائما ليؤكد على جدليات الحب و الموت، الجزئي والكلي، الفرد والمجموعة، الحكمة و الجنون.

يجب على السينمائي مالا يجب على غيره:
يخاطب المثقف السوري وزير الثقافة بنفس آليات خطاب الوزير و لكن من الجهة المعاكسة مما يخلق توتر بين القطبين و يعود على المثقف بالخيبة.
قد يجوز للمواطن العادي أن يفكر أن صلاح الرعية من صلاح الراعي. لكن أن يقبل المثقف بهذه المقولة ففي هذا ازدواجية في شخصية المثقف و عدم نضج.
قد يكون إحقاق الحقوق من شأن الآلهة فحتى الأنبياء امتنعت عنه فأعلنت أن الإنسان خليفة الله في الأرض حتى يوم الحساب.
قد يكون ما نحتاج إليه هو آليات للدفاع عن مصالح المثقف. بغض النظر عن ماهية المتنفذ. قد يختلف المثقفون أنفسهم على حقوقهم و أصالتهم و يكثر الانتهازيون و مدعوا الثقافة و المتثقفين و طلاب المعرفة مما يجعل القول بوحدة ثقافية متجانسة ضرب من الضعف قد يتسلل منه الكثير من المفسدون و هذا ما تعاني منه الثقافة السورية بمعناها المجرد-كقيمة-
هل على المثقف حقا أن ينتظر صلاح الحال؟ أم أنه أولى بخوض السجال مع السياسي في سبيل الوصول إلى صيغة للحياة تليق بالاثنين.
خلال فترة الرئيس حافظ الأسد منح الفنانون امتيازات غير مسبوقة و لكن كونهم في النهاية مواطنون فقد خضعوا للاعتبارات السياسية للدولة السورية مما خلق ازدواجية لدى جميع الأطراف فالحكومة تطلب ولاء المثقف و المثقف يصر على أهمية النكران في الفعل الثقافي أصلا. فماذا و هو يخضع لماكينة الفعل السياسي التي لم تستطع التوفيق بين ما منحته فرادى و ذهبت به جمعاً.
اليوم يتعرض المثقف السوري لامتحان صعب – مثل كافة المواطنين و لكن مناخ السينما و الثقافة هو موضع البحث- فهو قي صدد استخدام قاموس محدود للإجابة عن أسئلة لا نهائية عن المواطنة و الوطن و الثقافة و المحافظة و الاتصال و الانفصال و التغيُر و التغيير و الهدم و البناء و ..
يبقى السؤال هو كيف نثبت آليات في المؤسسة الثقافية تضمن قدرة المؤسسة على تنظيف نفسها؟ أعتقد أن احدى الوسائل هي إلزام الإدارة في المؤسسة على الحوار الدوري مع السينمائي-على سبيل المثال- و التعامل من منطلق تكنوقراطي و ليس من منطلق إداري بيروقراطي. بحيث يتحول المدير من مدير المؤسسة إلى مدير لمصالح السينمائيين . قد يعترض البعض على الأنا الحاضرة في هذا الطرح لن أجيب على هؤلاء فالطبيعة تجيب .
المحزن في المشهد الثقافي السوري أن الأزمة المطروحة ذات بعد اقتصادي أو حقوقي و هذا أسواء ما قد يذهب بوظيفة الفن. فعوضا عن الخوض في مقولات فنية تنقسم عليها الدولة و الشارع. ينقسم الفنان و الدولة على حقوق و حاجات ليست من صلب الشأن الفني و لكن من صلب المواطنة بمعناها العام.
نتمنى لو كان الخلاف مع وزير الثقافة للسماح بخروقات معرفية عوضا عن الحاجة إلى تكريس جهوده بكنس زبالة الانتهازيين.
في مؤسسة السينما يمنح كل إداري سيارة خاصة مع امتيازاتها. رغم أن عمل كامل الجهاز الإداري لا يتجاوز حدود مكاتبهم التي لا يتواجدون فيها في الوقت الرسمي . قد يحق للإداري –باعتباره مهندسا- في محطة كهرباء أن يحظى بسيارة و مساعد أو سائق. و لكن في صناعة مثل السينما حيث السينمائي هو المعني بالحركة و حيث التنقل ضرورة في صلب مصلحة العمل يحتاج السينمائيون إلى تعديل تصور الدولة عن الامتيازات بما يناسب مصالح العمل.
أذكر أني طلبت من مؤسسة السينما تزويد مدراء التصوير بكاميرات خفيفة أو حواسب نقالة لتبقى أقدامهم في حلبة العمل التقني مثل أي رياضي: فالرياضي يتدرب العام بأكمله قبل الدخول في السباق. في حين يرى القيمون في مؤسسة السينما أن واجب السينمائي الجلوس في المنزل حتى يحين الطلب عليه ! الجواب كان مدعاة للسخرية. يقولون أنه لا يوجد مادة قانونية في هذا الشأن! أنا أدعوهم إلى تطبيق القانون و ليذهبوا عندها إلى بيوتهم مع عوائلهم المسجلة في قيود المؤسسة و عندها ستزيد فرص عملنا نحن السينمائيين أربعة أضعاف و سنرفع عن الدولة عبء دلالنا لأننا سنكسب حياتنا و خبرتنا بعملنا. و عندها يُستحق الحساب و الجواب.

لست مع مقولة الإصلاح و الفساد فأحيانا أشتم فيها بقرة ضعيفة ترمى للضواري ليتم تمرير القطيع. أعتقد أن البحث في بعض المسائل الحقوقية من منطلق الإقرار بالمصالح و عدم التفريط بها هو لمصلحة الدولة و الفنان و على الساسة البحث عن حاويات تتقي بها أذية سفهاء البلد عوضا عن تمكينهم من لحم المواطن. هل هذه نخبوية أفلاطونية؟ هل تريدون بناء دولة؟ أم تفضلون بيعها في المزاد الدولي و تحويل شعبها إلى خدم و مستخدمين في منشآت ومؤسسات عابرة للقومية ترى في سوريا جنة بلا سكان!





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نص / هذاينات حكيمة

24-نيسان-2006

حفلة كوكتيل بمناسبة جلاء آخر سينمائي

23-نيسان-2006

سينما / هذيانات شخصية عن السينما السورية

23-نيسان-2006

سينما - المشهد السينمائي السوري- إصلاح السينما بالسينما !

08-نيسان-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow