Alef Logo
كشاف الوراقين
              

'برهان العسل' الرواية الأولى للشاعرة سلوى النعيمي

ناظم السيد

2007-06-28

الجنس الصادم يحتاج إلى وسيط
مجرد جسد جامح يسرد علاقاته ونزواته وحكاياته مع الرجال، ولا سيما العلاقة الأكثر شهوانية
تغطي الجرأة رواية "برهان العسل" الصادرة في دار "رياض الريس للكتب والنشر" للشاعرة السورية المقيمة في باريس سلوى النعيمي. الجرأة هنا ليست مدخلاً للرواية فحسب، وإنما مدخلُ الكتابة وذريعتها. إنها أداة وغاية. من دونها ما كانت الكاتبة ستقدم على هذا العمل. بدا هذا الأمر واضحاً من الجملة الأولى للرواية: "هناك من يستحضر الأرواح، أنا أستحضر الأجساد".
إذاً، تظهر النعيمي منذ الكلمات الأولى صريحة أمام القارئ. إنها تكتب رواية عن الجنس بلا مواربة. لا حب ولا عشق. مجرد جسد جامح يسرد علاقاته ونزواته وحكاياته مع الرجال، ولا سيما العلاقة الأكثر شهوانية مع "المفكر" الذي اكتشفت البطلة من خلاله جسدها. وهنا تكمن ثيمة الرواية الأساسية: الجسد في حاجة دائماً إلى آخر. هكذا يغدو الآخر ليس مرآة فقط، بل حقلُ اختبار ووسيلة معرفية. تقوم الرواية بين حدين: التراث والحاضر. لتسرد الكاتبة وقائع جسدها تعود إلى التاريخ الجنسي العربي الذي درسته وحفظته وابتلعته سراً. هكذا تخرج من أناها المفردة إلى التاريخ المنسي فيها وفي مجتمع التقية كما تسميه. وللخروج هذا ذريعة أخرى، وهي محاضرة كانت ستلقيها ضمن ندوة عن الجنس في نيويورك. مرة أخرى ثمة وسيط يأخذ بيد الكاتبة إلى داخلها. والوسيط هنا، أي نيويورك مضافاً إليه وسيط آخر هو العيش في باريس، يشبه الدور الذي لعبه "المفكر". بقصد أو من دون قصد، كانت النعيمي تؤكد الفكرة القديمة عن قصور المرأة واستتباعها. المرأة لا تقوى على البوح وحدها. إنها تحتاج إلى رجل ومدينتين. الرجل ليس عادياً. إنه مفكر. المدينتان ليستا شرقيتين- بعكس مصادر التراث في الرواية- بل غربيتان. كأن نيويورك وباريس "مفكر" آخر في الرواية. كأن التراث الجنسي العربي امرأة مقموعة. هذا هو عصب الرواية التي تجري أحداثها (ذكريات البطلة) في باريس. وعليه، بدت المؤلفة، وهي تفخر بالانفتاح الجنسي عند العرب قبل عصور الظلام، تمتدح الغرب الذي لولاه لما استطاعت بطلة الرواية إقامة علاقات متحررة بعدما كانت قراءاتها الجنسية الكثيرة سرية، لولا العاصمة الفرنسية. من جديد، بدت هذه القراءات السرية التي حدثت في الماضي نوعاً من التاريخ المكبوت في الجسد تماماً كالتاريخ الجنسي العربي المكبوت في المجتمع. والتاريخان احتاجا إلى محرّك خارجي يعيدهما إلى السطح المعلن والصريح.
بدت الرواية الممتلئة بمقتطفات من كتب التراث الجنسي العربي (النفزاوي، التفاشي، الطوسي، الجاحظ، التيجاني، النبي محمد...) ذات مستويين في التعبير. الجرأة الصادمة كانت هناك: في كتب التراث. الاستشهادات التراثية كانت صريحة ومباشرة في تسمية كل شيء: الأعضاء الجنسية، أنواع الممارسات، الشذوذ، طرق التهييج وغير ذلك. في المقابل، بدت تجارب البطلة التي يظهر أنها الكاتبة نفسها (من خلال الأحداث وصيغة المتكلم والأمكنة والوقائع) عادية ومواربة ومتقشفة في التصريح. لنقل إن جرأة الرواية تحيل على التاريخ لا على الواقع. التاريخ مسألة منجزة ولا تؤدي إلى الفضيحة. الراهن مسألة قائمة في الحاضر ولا تتحمّل الإعلان والإظهار. لهذا ما كانت هذه الجرأة فاعلة لولا التاريخ القصي. ثم إن البوح بتاريخ الآخرين (التراث) إلى كونه سهلاً هو حيادي وغير شخصي. أما التاريخ الخاص، تاريخ البطلة أو المؤلفة فهو حقيقي ومباشر وحي. لهذا كانت الكاتبة تخفي تاريخها الخاص بالتاريخ العام. تبحث عن ذرائع عامة لتجاربها الذاتية. بمعنى آخر، أرادت النعيمي تمويه الجسد المضارع بطبقة سميكة تدعى التراث.
والحال، فإن طبقتي هذا الأدب المكشوف، طبقة السيرة الشخصية وطبقة السيرة التاريخية، جعلتا الرواية نفسها ذات مستويين في السرد. إنها رواية بلا سرد. ثمة أنا واحدة تتكلم عن نفسها وعن الآخرين وعن التاريخ. ليس هناك بناء للشخصيات. ليس هناك شخصيات مستقلة عن الكاتبة. الشخصيات تحضر بطريقة وظيفية. إنها أسماء تتوالى على مسرح الرواية لتؤدي غرضاً واحداً: إخبار حادثة جنسية أو فكرة جنسية. شخصيات يتم استغلالها لتوكيد فكرة العمل الفني الأساسية: الإعلاء من الجنس الصافي. وعليه، بدت الاستشهادات التراثية نوعاً من الاستعراض. مجرد عناوين كبيرة يتم إلصاقها في هذه الصفحة أو تلك. لهذا بدا السرد متقطعاً بجملة للنفزاوي أو بحديث نبوي. بطريقة مباشرة، هذا عمل فني يتأرجح مدوّخاً بين الرواية والبحث الأكاديمي. بالطبع، لا يحتاج القارئ كي يكتشف هذه البنية إلى مناسبة الكتاب، أي إلقاء محاضرة عن التراث الجنسي عند العرب في نيويورك، المحاضرة التي تمَّ إلغاؤها بعد أحداث "11 أيلول". وهذا تحديداً ما جعل السرد أشبه بأخبار متفرقة وحكايات ناقصة تصل بينها أفكارٌ عن الجنس وتأملاتٌ في أحوال الجسد.


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

حازم صاغية في ’مذكرات رندا الترانس’: سيرة ذاتية تتجاوز الذات ولغة ملتبسة تعكس الالتباس الجنسي

06-نيسان-2010

محمد علي شمس الدين يرى أن الشعر يمرُّ في اختناقات يخلصه منها النثر

12-كانون الأول-2009

الجنس ميتافيزيقي كالموت والتبّدل تجربة في العدم

10-تموز-2007

'برهان العسل' الرواية الأولى للشاعرة سلوى النعيمي

28-حزيران-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow