Alef Logo
كشاف الوراقين
              

"حلّة حمراء وعنكبوت" للشاعرة المصرية هبه عصام

راسم المدهون

2009-01-17


رشاقة الجملة الشعرية في سعيها للقبض على حلم الأنثى
بين مجايليها من الشعراء المصريين الشباب تختلف هبة عصام بانحيازها إلى قصيدة التفعيلة ، كما بتأنّيها ووقوفها الطويل بصبر وأناة أمام مسألة النشر ، هي التي انتظرت سنوات ، قبل أن تدفع للطباعة مجموعتها الشعرية الأولى :حلّة حمراء وعنكبوت".
هي قصائد أقرب إلى "منمنمات شعرية" نخال صاحبتها وقد غزلتها بشغف وصبر طويلين ، رغم تلك اللمسات "العفوية" التي لا تزال واضحة لنا ، والتي تجعلنا نتوقف أمام شاعرية "الهاجس ألأنثوي" وبوحه ، أحلامه وخيالاته ، ورؤاه المزدحمة بصور ورسومات تمزج الفكرة بالمخيلة ، وتدفع القصيدة إلى التعبير عن نفسها بلغة بسيطة ، سهلة ومنسابة ، وإن تكن ذات ظلال وتحمل دوما بعدها الآخر.
هبة عصام في "حلّة حمراء وعنكبوت" (منشورات دار شرقيات – القاهرة – 2009) تكتب من مقعدها في زاوية ضيقة ، منعزلة وشبه معتمة ، ترى منها مشهد اليومي العابر ، كما الفكرة وخيال الحبيب ، ذلك الذي يأتي مخيلتها منسوجا من خيوط الفكرة ومن ملامح التمني وكأنه كائن أثيري تحتفل به وتهيء له مقعده في القصيدة :
" في الشُرفة جِنِّيٌ أسمرْ
يتقلد تاجاً فضِّياً
العينُ اليمنى شاخصةٌ نحو اللاشيءْ
واليسرى يسكنها الحلم
في كل صباحٍ أَرقبُهُ
يتسلق درجات الشمس
عيناه يُحدّثها الله
يُنبئها عن سر البدءْ
عيناه نتوءٌ في جبهة زمنٍ صخريْ
تتفجر دمعاً..
فيحلِّق في الغيب نبيْ ".

مثل هذه اللغة الشعرية تتكئ على الصورة والمشهد أكثر من أية رغبة في الكتابة بأدوات حديثة ، فالشاعرة إذ تستحضر إلى القصيدة رؤاها وأحلامها وحزنها الشفيف ، تختار كتابة تنحاز لإيقاع الشعر وموسيقاه ذات الرّنين الخارجي ، وهي تفعل ذلك متسلّحة بحيوية مخيلتها وانفتاحها على روحها الداخلية الغنية بالكثير من المشاهد الملونة والطافحة بالحركة0 هنا يمكننا العثور على رغبة تشكيلية حارّة تدفع هبه عصام إلى استدراج اليومي نحو صورته الأخرى ، تلك الطالعة من "البال" ومن الفكرة على حد سوا.
في "حلّة حمراء وعنكبوت" بوح أنثوي لا يتجاوز عتبات الألفة ، ولكنه مع ذلك يرسم عالم امرأة تكتب الشعر كي ترسم صورة للحلم ، صورة تتحاور معها ، وتمنحها بعض أحزانها .
من المهم الإشارة هنا إلى حيوية الموضوعات التي تكتب عنها هبة عصام ، وبالتحديد أكثر زوايا الرؤية والنظر ، وهي هنا التفاتات ذكية تعرف كيف تلتقط التفاصيل الصغيرة التي تكوّن المشهد الشعري ، وتجعله ينبض بالحياة والحركة ، ما يمنح المشهد والصور بلاغة أعلى هي بالتحديد بلاغة الرؤية وجماليتها.
أعتقد أن هذه التجربة الشعرية الأولى تأخذنا إلى ملاحظة الأهمية الكبرى لموضوع التجريب الشعري عند الأجيال الجديدة من الشعراء ، وهو تجريب نراه يصبح أكثر إيجابية وأكثر شاعرية حين يمتزج بروح البحث عن فضاءات حيوية للقصيدة لا تنفصل عن الحياة في حالاتها الواقعية وموضوعاتها الأشد حقيقية ومنها بالطبع موضوع الحب ، كمساحة إنسانية تؤرق الشعر منذ بدء الخليقة ، وستظل تدفع الشعراء إلى "ارتكاب" الشعر ، ومواصلة "سرقة النار" دون كلل أو وهن.
في قصيدة "كانت أنا" نقف على مشهد آخر يطلع من مخيلة الشاعرة وهي تتأمّل الزمن في صعوده نحو الأيام القادمة بسرعة :
" تلك العجوز المرهقة
بملابس سوداء ترمق بعض أشيائي الصغيرة
تمضي بأمتعة الرحيل
برعونة المذعور أركض خلفها
تخطو كرعبٍ في دمي
أدنو، فتختلج الخطى
ترنو إليّ .. تحل بي
رباه ما هذا الجنون..
كانت أنا.."
في القصيدة السابقة ثمة مغامرة الدخول في واحدة من المقولات الكبرى التي تؤرّق البشرية بعد فكرة الموت ، ونعني هنا فكرة العمر والشيخوخة وذبول الشباب0 هنا تكتب هبة عصام واحدة من أجمل قصائد المجموعة وأكثرها حميمية واتصالا بالوجد ، فتنجح باتكائها على سردية عالية السبك ، تقوم بنائيتها على الصورة أساسا.
الكلام الشعري إذ نراه يتوجه إلى "آخر" نلمحه حاضرا حتى في حالات الغياب0 هنا تلفت الانتباه الجملة الشعرية
القصيرة ، السريعة ، والمتكئة على حضور الصورة باعتبارها أساسية ، تمنح شعرية جدلية ومشتعلة.
هي بنائية تستفيد بالتأكيد من إيقاعاتها إذ تتآلف معها وبها على تكوين مشاهدها بكثير من أناقة الصياغة ، ومن جمالياتها إلى الحد الذي يجعلنا نقرأ قصائد "حلّة حمراء وعنكبوت" بمتعة ، خصوصا وأن الشاعرة تنجح كل مرّة في جعل "حكاياتها" الشعرية لوحات تشكيلية تنبض بالحركة وتشتعل بالألوان ، وهي تستفيد في ذلك من كل ما توفره القصيدة الإيقاعية من تناغم بين الجملة الشعرية وبين وقعها في نفس القارئ ، خصوصا وأن قصائد المجموعة تجمع بين الغنائية والسّردية في سلاسة ويسر :
" يا ظلّي المخبوء خلف وساوسي
ارقص فإن العمر يأكل ساقه
والرقص سال لعابه من خطوتك
أرقص لتهرب أيها المذعور
من شبح الفناء"
في تجربة هبه عصام الجديدة نضوج اللّغة في علاقتها بالمعنى والصورة معا ، فنحن نقف على حرفية تبدو وقد نجحت في تغليف ذاتها بالكثير من "العفوية" التي لا تسمح للقارئ أن يلمح حضورا شخصيا للشاعرة إلا بذلك القدر الذي يشير إليها في صورة طبيعية ومقبولة0 هي بمعنى ما قصائد حب ورعشات روح تنبض بحياة غائبة ولكن الشاعرة تنمح غيابها قوّة الحضور إذ هي تستدرجها من ملكوت المخيلة إلى عالم الشعر بكل هذه الشفافية الآسرة والانسيابية المتحرّرة من التكلف والصنعة وزخرفة قصيدة التفعيلة ، فالقصائد تبدو وقد امتلكت نسيجها الخاص المناسب لقوامها ، والمنسجم مع سياقاتها وتراكيبها اللغوية وصورها.
نقول ذلك وفي البال ما حملته قصائد هذه المجموعة من تجريبية أساسها المزج بين عالمي المشهد الشعري وبين اللغة بما هي تركيب يكتسب شاعريته من براعات الصياغات وأساليبها ، فالقصائد تكتفي من اللغة بما يلزمها كضرورة ، نائية بذاتها عن أية استزادة تثقلها وتفيض منها ، وبهذا المعنى تربح الشعرية واللغة على حد سواء ، خصوصا أنها بذلك التكثيف الغوي تحقق تكثيفا بصريا هو من عدّة الشعر وأهم جمالياته.
هبه عصام في "حلّة حمراء وعنكبوت" تكتب وقد تجاوزت كثيرا ما تواجهه التجربة الأولى عادة من عثرات ، وامتلكت ناصية التعبير عن أحلامها ، هواجسها بكثير من إبداعية الشعر وألقه الجميل ، كما من حضور الأنثى الدافئ والزاهي بالحب.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سعد الله ونوس.. نجم حياتنا المتوهج أبدًا

06-حزيران-2020

عن الثقافة والفن في ميدان التحرير

16-شباط-2011

"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ

27-تموز-2010

حتى أنت يا فرنسا / ماذا عن الحرية والإخاء والمساواة

23-تموز-2010

«الضّباب بحذافيره»الهامشي في تجلّياته وحضوره الشعري

09-أيار-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow