Alef Logo
المرصد الصحفي
              

عن الثقافة والفن في ميدان التحرير

راسم المدهون

2011-02-16

في لحظة عصفت باستقرار النظام المصري، وخلخلت قبضته الأمنية الشاملة على الشارع، عشنا مشاهد وصوراً أخرى للثقافة المصرية، وبعض رموزها الكبار والذين أمسكوا بدفتها على مدار العقود الأخيرة.
سيكون من غير المنطقي أن نرى ونرصد تطورات الحدث المصري، من دون أن نمرّ على ما فعله من تأثيرات في النخبة الثقافية والفنية المصرية، وقد وجد الجميع أنفسهم وعلى نحو غير مسبوق ملزمين باختيار موقع هنا أو هناك، بعد أن ضاقت مساحة الرمادي، إن لم نقل أنها تلاشت في صورة شبه كاملة.
في التفاصيل المصرية أن الدكتور جابر عصفور، الناقد البارز والأستاذ الجامعي ورئيس «المجلس الأعلى للثقافة»، قبل، وإن لفترة تسلُم منصب وزير الثقافة في لحظة بالغة الدقة، يراها كثر من المراقبين أنها أشبه بالوقت بدل الضائع في مباريات كرة القدم، وهو قبول علّله عصفور بأنه «مهمة إنقاذية» تفرضها «الظروف الاستثنائية التي تعصف بالوطن»، من دون أن ينسى في غمرة حديثه عن الموقف أنه «لا يعصى أمراً للرئيس حسني مبارك» الذي «أحبه وأصدقه» كما قال في مقابلة تلفزيونية مع فضائية «الحياة» المصرية الخاصة.
ستمرُ أيام قليلة بعد ذلك، وسيؤكد رئيس الوزراء الجديد الفريق أحمد شفيق في لقاء مع قناة «العربية» الإخبارية، أن وزارته هي وزارة حزبية، تتبع «الحزب الوطني الديمقراطي» نازعاً عنها أي «شبهات» حول إنقاذيتها التي تحدث عنها عصفور.
هو خيار مثقف فرد في لحظة من حياته وحياة وطنه، كان يمكن أن يكون أقلّ وطأة وضرراً في زمن آخر وظروف أخرى، ومع ذلك سيتكفل الدكتور جابر عصفور ذاته بتبديد أي أوهام قد يسوقها مدافع عنه لتبرير قبوله المنصب. ففي سياق تلك المقابلة، وعند الحديث عن هجوم أزلام النظام على ميدان التحرير بالخيول والجمال، وفي أيديهم أسواطهم يجلدون بها المتظاهرين سيسارع عصفور للتأكيد أنهم ليسوا من السلطة بل هم كما أكد له إبنه «بتوع نزلة السّمان اللي بيشتغلو في السياحة واللي وقفت المظاهرات حالهم«!!!.
هو مشهد يمرُ بالضرورة على مفردات التعبير كلّها: من تابع القنوات الفضائية طيلة الأسبوعين الماضيين لا ينسى الحضور شبه الدائم لنقيب الصحافيين المصريين المخضرم مكرم محمد، والذي كان أكثر المتحدثين باسم السلطة انفعالاً في دفاعه عن نظامه، وفي تسفيهه لما يحدث في الشارع المصري، وخصوصاً في ميدان التحرير، وهو الغضب الذي سيتوجه الصحافيون المصريون بطرد نقيبهم من النقابة حين حضر عزاء زميل لهم سقط برصاص رجال الشرطة في الأيام الأولى للمظاهرات. غضب النقيب لم أجد ما يعادله سوى صراخ الممثلة التونسية هند صبري شبه الهستيري، وشتائمها التي لم تتوقف، والتي طالت كل من يتظاهرون، وهو الموقف ذاته الذي أضافت له الممثلة غادة عبد الرازق إعلانها مقاطعة المخرج المصري الشاب خالد يوسف بعد محادثة هاتفية عاصفة معه، كان خلالها يؤكد عكس مواقفها ويعلن انحيازه للمتظاهرين المطالبين برحيل حسني مبارك.
في الميدان ذاته أمكن رؤية فنانين وكتاب ومحامين وممثلين كثر، وقفوا أياماً للهتاف، وأعلنوا انحيازهم للمطالب الشعبية، على أن تلك الثنائية التي ضيقت مساحة الحياد لم تمنع مع تطور الحدث بعضاً من المثقفين والفنانين من الاحتماء بمقولة «الشرعية الدستورية»، وهو احتماء قام ولا يزال على فكرة أن الرئيس قد استجاب للمطالب المحقة للشباب «البريء»، بما يعني ضرورة أن يعود المتظاهرون إلى بيوتهم، كي يفسحوا المجال لعودة الحياة الطبيعية للبلاد التي لا يمكنها أن تتوقف طويلاً. من اللافت في سياق كهذا ملاحظة ما تفاعل في ميدان التحرير ولا يزال من نشاطات وأشكال تعبير ثقافية وفنية، كانت سابقاً من المحظورات، تعبيرات تذكرنا بأشعار وأغاني أحمد فؤاد نجم مع الراحل الشيخ إمام عيسى. في الميدان هناك من يقرأ الشعر، ومن يقدم مشاهد مسرحية طابعها الأغلب كوميدي، وإن في سياق الكوميديا السوداء، وهي نشاطات جعلت من حضور مئات الآلاف من المتظاهرين نوعاً من «كرنفال شعبي» يعبق بكل ما في الكرنفالات من ألوان، خصوصاً وأن المشاركة ذاتها جمعت فئات اجتماعية وثقافية مختلفة ومتعدّدة، ترتبط بالتطلع للتغيير، وإخراج بلادهم من الطريق المسدود الذي أوصلتها إليه سياسات ثلاثين سنة من غياب الديموقراطية وتكافؤ الفرص.
هل نتحدث هنا عن ثقافة ديموقراطية؟
قد يكون مبكراً طرح استخلاصات نهائية كهذه، ومع ذلك يمكننا الجزم بثقة، أن تعددية الانتماءات السياسية، كما تعددية المنابت الاجتماعية، تجعل السياق الثقافي لتلك النشاطات يتسم بملامح بالغة المرونة، وتحمل الكثير من مواصفات التعددية، والرغبة في كسر رتابة التعبيرات الثقافية الواحدة، التي كانت تكبح ما عداها وتعمل على تهميشه. وليس من الغريب أو المفاجئ أن تشهد الشهور والسنوات القادمة حضور أدباء وفنانين سيقال أن انطلاقتهم الأولى كانت من ميدان التحرير ومن عصف تلك الأيام الساخنة من المواجهات، خصوصً وأن التفاعلات الكبرى تأتي عادة بالكثير من تعبيراتها الإبداعية وإن تكن بالطبع ليست فورية عاجلة.
هل واقع حال النخبة الثقافية والفنية خلال أحداث مصر العاصفة سيعيد ترتيب العلاقة بين الجمهور وبعض أفراد من تلك النخبة؟
سؤال نعتقد أنه مشروع ومتوقع الحضور، فالمشاهد للأعمال السينمائية والتلفزيونية، سيجد نفسه في لحظة المشاهدة مشدوداً لذاكرته التي باتت تحفظ لهذا الفنان أو ذاك مواقفه خلال الأزمة، وهي حالة أعتقد أنها ستقرر للمشاهد المدى الذي يتفاعل فيه مع أداء الفنان.
ذلك نتوقعه في الاتجاهين، أي تجاه من اتخذوا مواقف سلبية من المطالب الشعبية وأعلنوا انحيازهم للنظام، وأيضاً وإن بصورة معاكسة تجاه الأدباء والفنانين الذين كانوا مع المتظاهرين وتبنوا مطالبهم، بل وشاركوهم التظاهر والهتاف والمطالبة بتغيير النظام.

نقلا عن ملحق نوافذ – جريدة المستقبل البيروتية 13/2/2011

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سعد الله ونوس.. نجم حياتنا المتوهج أبدًا

06-حزيران-2020

عن الثقافة والفن في ميدان التحرير

16-شباط-2011

"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ

27-تموز-2010

حتى أنت يا فرنسا / ماذا عن الحرية والإخاء والمساواة

23-تموز-2010

«الضّباب بحذافيره»الهامشي في تجلّياته وحضوره الشعري

09-أيار-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow