Alef Logo
المرصد الصحفي
              

«الضّباب بحذافيره»الهامشي في تجلّياته وحضوره الشعري

راسم المدهون

2010-05-09


تعمّدت أن أقفز عن «المقدّمة» الضافية التي كتبها صديقي الشاعر محمّد عضيمة لمجموعة الشاعر السّوري إبراهيم حسّو «الضّباب بحذافيره»، مفضّلاً الذهاب مباشرة إلى قصائد المجموعة، من دون شروح ، أو «إحاطات نقديّة» من أي نوع، فـ«شغب» عضيمة النقدي الذي أعرفه أصرّ أنه يظلّ أجمل للحديث عن تجربته هو ولا أحد غيره. ‏
«الضّباب بحذافيره» (منشورات دار الزمان - دمشق - 2009)، ومنذ العنوان، اقتراب لافت من الغامض، والملفّع باللايقين في محاولة رؤية العالم والحياة في تجلّيات لحظتهما الرّاهنة، تماماً كما في الهواجس الفردية، الرؤى الدّاخلية، وأيضاً الأفكار والمرويّات التي تسكن روح ومخيلة إبراهيم حسّو «هناك» في أقصى الشّمال الشّرقي السوري، حيث تزدهر حدائق الشّعر الطالع من تجارب أجيال شابّة من الشعراء السوريين، وتنمو تباعاً على أطراف وفي قلب قصيدة النثر السّورية . ‏
هي بمعنى ما مغامرة تكتسي شيئاً من حذر مع شاعرية تتماهى مع الطبيعة ومفرداتها، كي تنتفض على ذلك التماهي، من دون أن تتنازل عن استخدام مفردات الطبيعة بكثافة لافتة، تعكس علاقة وطيدة تتأمّل إذ ترى، وتذهب نحو مزج تلك المفردات بدلالات خاصّة، فيها الكثير من الحسّ الفردي، الذي تمنحه المخيلة رونقاً يأخذنا نحو شاعرية خاصة0هي تجربة تنفلت من «روتين» قصيدة النثر السائدة، بما هي تكرار لمناخات شعرية بذاتها، كما أيضاً تكرار لكيفيات النظر للمحيط، وهو تكرار يضعنا غالباً في حالة عزوف عن غالبية ما نقرأ اليوم تحت مسمّى قصيدة النثر. ‏
في «الضّباب بحذافيره» يكتب إبراهيم حسّو قصيدة حياة بكل ما فيها من إحباطات وخيبات في لغة مباشرة، بذلك المعنى الذي يفيد الوضوح، سواء في الفكرة أو الصور الشعرية التي تتجنّب التركيب، وتظل وفيّة لخطاب شعري يقوم على ضمير الأنا التي تحدّث، وتلك إشارة بالغة الدلالة على تعبيرية القصيدة عن عوالم وشجون صاحبها، بعيداً عن أية رغبة في تقمُص دور السارد لوقائع حياتية يمكن أن يراها الشاعر وينوب عن مفرداتها، فالحالة هنا تنطلق من علاقة مباشرة بمخزون الروح، ورؤية الشاعر للأشياء والوقائع: ‏
«ذكّريني بأوراق قوس قزح فائت ‏
والشمس التي تغمض عينيها من ليل قادم ‏
لتختفي ثالث يوم. ‏
على شجر صعق بالعصافير الرّنانة ‏
وانزوى في العدم». ‏
في المشهد الشعري السّابق يمكن ملاحظة العلاقة الوطيدة بين الصور «الغرائبية» أو لنقل غير المألوفة، وبين توظيفها المفهوم، والذي ينتمي لحياة يومية تلتصق بالشاعر وتحيطه من كل جانب، وننتبه بالذات لتلك الجمل الشعرية السلسة وبالغة البساطة التي تجعل القصيدة مشهداً يتحدث، وتمنحنا برهة تأمل فيه. ‏
أتوقف هنا عند البنائية الشعرية التي تقوم على كثير من استحضار صورة الواقع من حدقة المخيلة أكثر من اتكائها على الحقيقة كما هي من حدقة العين المجرّدة، وذلك يؤسس بلاغة الصورة، وبلاغة المشهد ببساطة تجعل القصيدة نوعاً من بوح ذاتي أقرب إلى مونولوج تتبعه مونولوجات أخرى تشكّل معاً وفي تتابعها قوام المجموعة الشعرية، التي تغاير قصائد النثر السورية إذ هي تتأسّس بعيداً عن موضوعاتها وعن أساليبها معاً. ‏
وكما هي كثافة التعبير الشّعري، تحضر أيضاً قصائد تعبّر عن الواقع بالنظرة العبثية، التي تحمل شيئاً كثيراً من حّس المفارقة، وروحها كما نرى ذلك في هذا المقطع الذي يشير إلى العيش الرّاهن من جهة، ثم إلى لا جدوى أخذه بجديّة من جهة أخرى: ‏
«وأنت تغمض يدك ‏
وتخرج من البيت دون وداع ‏
لتخلق مشكلة في الوظيفة ‏
استمع إلى الشعر الذي فيك ‏
لأن الشعر ضرورة وظيفية». ‏
ثمة ما يغري في المجموعة، وهو بالذّات «الرّوح» التي تسكن القصائد، أعني هنا عزوفها عن البلاغة اللّفظية، واعتمادها الأساس على الاجتهاد لخلق مناخها الخاص، المندفع وراء فكرة التعبير عن الذّات الفردية، وعلى الأخص هواجسها وهموم بحثها عن نفسها. يمكن في هذا المقام رؤية الضّباب بوصفه اختزالاً للمعاني والمناخات معاً، فإبراهيم حسّو إذ يضع لفظة الضّباب في صلب عنوان مجموعته يكشف رغبة نراها خلال القصائد في ولوج تلك العوالم الجانبية وبالغة الهامشية التي يسكنها القلق، ويعشّش في جنباتها فيدفع إلى الشّعر ويحرّض عليه. ‏

توقفت باهتمام أمام مقطع شعري حمل إلي اختلافاً بيّناً لما فيه من صعود أعلى: ‏
«إذاً ‏
الباب غير سالك ‏
والشباك غليظ بزجاجه ‏
ومفتاح ما أزرق أو أكثر من الأخضر ‏
على يد من خشب هناك ‏
من أدخلني إلى الخارج إذاً». ‏
مجموعة الشاعر السوري إبراهيم حسّو تنتبه إلى ما هو سائد في قصيدة النثر السورية فتتجنّبه.. أعني هنا بالذّات «الشكوى» من الواقع، فهو يذهب في صورة مباشرة نحو رؤية تأثيرات ذلك الواقع على روحه، ويحاول من هناك التعبير عن تلك الرؤية. هي مجموعة تمتلك سندها الجمالي، حزنها الخاص، ولوعتها الشخصية، ولكن أيضا فنيّاتها الدافئة والجميلة.‏
عن جريدة تشرين / أبواب

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سعد الله ونوس.. نجم حياتنا المتوهج أبدًا

06-حزيران-2020

عن الثقافة والفن في ميدان التحرير

16-شباط-2011

"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ

27-تموز-2010

حتى أنت يا فرنسا / ماذا عن الحرية والإخاء والمساواة

23-تموز-2010

«الضّباب بحذافيره»الهامشي في تجلّياته وحضوره الشعري

09-أيار-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow