الأسطورة و الحقيقة / إلى أبي، في الذكرى السنوية السادسة لغزو العراق
2009-03-20
الأسطورة و الحقيقة، عنوان المعرض الذي قررت أن أزوره بدل أنا أحتفل في البيت وحيداً أو مع أصدقاء لا تهمهم مناسبة عيد ميلادي. الأسطورة هي بابل كما تقدمها التوراة ومن ثم الأعمال الفنية الغربية المرتبطة بهذه التصوّرات منذ القرون الوسطى، أما الحقيقة فبابل التاريخية كما صوّر المؤرخون الحياة فيها بالاعتماد على اللقى الأثرية و الرقم الفخارية المنسوبة إليها. عيد ميلادي كان السابع و الثلاثين و صادف يوم افتتاح المعرض الأمر الذي اعتبرته إشارة على حسن اختياري لمكان الاحتفال.
في قسم الحقيقة، في الطبقة تحت الأرضية من متحف البرغامون الأشهر في برلين، أضيفت إلى مقتنيات القسم البابلي الوافرة أصلاً مقتنيات تمت استعارتها من متاحف باريس ولندن، لتجميع صورة قلما تتكامل عن بابل الأثرية. سفنكسات و ثيران مجنحة برؤوس بشر, محاربون مفتولو العضلات معروقوها، حيوانات مجندلة يُقرأ الألم على وجوهها، قادة يذلّون أعداءهم، متعبّدون يتذللون أمام آلهتهم، إله بأربعة وجوه لرياح أربع، إلهة بعينين مكحولتين واسعتين وثديين عارمين و فرج مقبّب. الحياة بفطرتها، لا لزوم لمواراة شيء، العين بالعين و السن بالسن، من عمّر بيتاً و هدم على أصحابه يقتل، قانون واضح صريح منقوش على نسخة من مسلة حمورابي، فلم تجلب المسلة الأصلية من باريس لتجنب خطر النقل و لشروط شركات التأمين ربّما.
نحتٌ يصوّر أسرى، و الشرح الصوتي المرافق يوضح بأنهم كانوا يعاملون معاملة حسنة فلا يمنعون من ممارسة شعائرهم الدينية الخاصة، على عكس ما يصور التراث اليهودي و الأعمال الفنية المستندة إليه سبي بابل كذل و عبودية مطلقتين. نقوش تجسد البغاء المقدّس، لا عاهرة في بابل، ذلك كان أحد شعارات الحملة الإعلانية للمعرض و التي ملأت شوارع برلين، و إنما راهبات من نوع خاص أو فلنقل عكس الراهبات، يقدمن الجنس للمؤمنين بربة الخصب عشتار. لا وجود للخطيئة، بشر في براءة اجتماعاتهم الأولى، يقتلون بقسوة، يحبون بشهوة، لا عهر، ولا قتل بدم بارد، لا مكان لنقش حجري يجسد جندية تبتسم مجرجرة سجيناً عارياً من رقبته المشدودة برسن كلب كما في سجن أبو غريب. المنتصر تأخذه نشوة النصر فيذبح أعداءه على أعين الجميع، لا يدّعي أنه جاء محرراً بل غازياً، وعندما ينتهي الخصوم أسرى لديه يتركهم ليعيشوا كما يشاؤون، فلا يُطلب منهم الاندماج أو هجر تقاليدهم و تناسي عقائدهم. عالم بريء وحقيقي، بوحشيته و رقته، بعنفه وتسامحه.
وراء واجهةٍ أدواتٌ جراحية كان يستخدمها الأطباء البابليون، إلى جوارها كتاب مفتوح للمقارنة، يُرى فيه رسم لعدّة مشابهة مرسومة بدقة و ألوان زاهية تحيط بها تعليمات مخطوطة بالعربية، الشرح الصوتي يفسر أن هذا الكتاب الذي ينسب إلى طبيب عربي من جنوب إسبانيا _ لا ينطق الأوربيون بكلمة الأندلس بسهولة مثلناً_ يصور أدوات جراحة مشابهة للبابلية المعروضة إلى جواره _ و يتابع التعليق_ فالأطباء العرب في إسبانيا حصّلوا معارف طبية عالية بترجمة الكتب الطبية اليونانية. هنا سرت أول نفحة سم في عروقي، لا إشارة إلى ما ابتكره أولئك العرب وجدّدوه، و لا إلى أن الإغريق بدورهم حصّلّوا أسس معارفهم عن بابل والحضارة الرافدية بامتداداتها إلى سوريا الكنعانية الفينيقية، الأمر متروك لنباهة الزائر، و أنا أعرف الأوروبي، ذكي، دقيق، أنيق، نظيف، لطيف، قل ما تريد من الصفات الإيجابية، لكنه نادراً ما يكون نبيهاً، خاصة عندما يتعلق الأمر بالثقافات الأخرى وفي أزمنة كانت فيها أوروبا تنوء بالجهل و البدائية. في واجهة مجاورة وعاء معدني أشبه بالطاسة،على جدرانها الداخلية نقش مسماري، بجوارها طاسة مشابهة وجدرانها الداخلية منقوشة بالعربية، يمضي المعلق الآلي ليشرح أن هذه الأواني كانت تستخدم لتخفيف مشاعر الخوف بشرب الماء المحفوظ فيها، سواء بعد دخول الإسلام و استخدام الحرف العربي، أو قبل ذلك حيث كانت الكتابة البابلية ما زالت شائعة. طاسة الرعبة بابلية الأصل إذاً! منذ أن سالتني صديقة ألمانية مرة عن غلاف كتاب عليه صورة رقيم مسماري: ما إن كنت أستطيع قراءة هذه اللغة، و أنا أنتبه إلى أن خطنا العربي سليل الكتابة المسمارية، يتابع الشرح الصوتي: يبدو أن المسلمين قد أعجبوا بأسلوب أهل المنطقة في التوقّي من الخوف بالشرب من هذه الأواني المنقوشة بالتعاويذ فتبنّوه. كيف يفهمنا الغرب ! شخصياً أوحت إلي مقارنة الطاستين بأن الإسلام لم يفد إلى المنطقة غريباً ليقتحم عالماً جديداً عليه كل الجدة، فيقتلع قيمه و يفرض القيم الجديدة، و إنما كإحدى الهجرات السامية، شأن البابليين و الأشوريين و الفينيقيين، كأن المسلمين كانوا دفعة جديدة من الجزيرة العربية، لغتها مشابهة و عاداتها قريبة و إن تكن أكثر بداوة، و بالتالي أكثر قسوة في العيش، لكنها أكثر أصالة أيضاً، ضخت في العروق القديمة دماء جديدة، و أحيت الروح السامية الشرقية، جامعة مجد البابليين البري بتطلع الفينيقيين البحري، مجاورة بين العلم و الفلسفة و الفن و الدين. مترجمة ما تيسر لها عن السريانية، و الاغريقية و الفارسية، مكونة تجربة كوزموبوليتية فريدة في انفتاحها على التاريخ و الجغرافيا.
قبل أن أصعد إلى قسم الأسطورة نظرت من كوة زجاجية، مجسمٌ لأرض الرافدين غرست فيه صور فوتوغرافية ترمز للشعوب التي توالت عليها، عمل فني؟ لماذا وضع في قسم الحقيقة إذاً؟ كنت أظنه مخصصاً للقى الأثرية فحسب، ليس المقصود فناً و إنما تجسيد تقريري: بابليون، آشوريون، فرس، كرد، وأولئك الذين يرتدون الجلابيات البيضاء و يصالبون أحزمة الفشك على جذوعهم هم نحن، العرب، بكامل عقالاتنا و بنادقنا لا ينقصنا إلا أن ينضم لورنسنا إلينا كي تكتمل الصورة الهوليودية أو التان تانية ! هناك إنجليز و أميركان أيضاً. لقد مر العرب على العراق ومر الأميركان أيضاً! نفحة سم إضافية.
سأصعد مع ذلك إلى قسم الأسطورة في الجناح الآخر و الطابق العلوي من المتحف منتشياً محلقاً بفطرة أجدادي، نعم أجدادي! دانييل جاري سابقاً يعتبر نفسه ينتمي للمنطقة لأن جده أبا أمه يهودي، كلاوديا تقول لحسين أنها يهودية لأن جدة أبيها يهودية. إن لم أقل عن البابليين أجدادي سيلحقهم كلاوديا ودانييل بشجرتي عائلتيهما.
نبوخذ نصّر، سابي اليهود حسب العهد القديم، جاثياً على ركبتيه يجرجر لحيته و شعرَه الطويل محدقاً بعينين مرعوبتين، ليديه و قدميه مخالب الطيور، مجسداً قضاء العليّ عليه، مصادقاً على صحة نبوءة دانيال، تلك لوحة ويليم بليك الشاعر و الحفار الانجليزي صاحب قصيدة النمر. كتابات دينية من ظلمات أوروبا عن عهر بابل و شبهها بسدوم و عمورة، لوحات من عصر النهضة تصور يهوداً يتباكون حنيناً لنهر الأردن عند أنهار بابل، ويشكون العذاب و الظلم. "فلتنس يميني إن كنت أنساك يا أوراشليم" ينشدون. أعمال أصلية غاية في الدقة تراعي المنظور البصري بشكل قسري عكس الأعمال البابلية الفطرية في جناح الحقيقة والتي تميل إلى التجسد في الفراغ و النفور إليه، قصورٌ هائلة الأقواس و الأعمدة يُداهم السمّارَ فيها رعب الدمار في غفلة النشوة و الاستسلام للذة الفجور، بعكس بابل الحقيقية حيث لا مكان لمثل هذه المشاعر المركبة و الشماتة بالذات و الآخر. موقف مصوري بابل الأسطورية من المتعة متشنج، رؤيتهم للحياة كابوسية، الأبوكالبسية متجسدة. التجلي الأعظم للخوف من الاختلاط بالآخر نجده في أسطورة البرج الذي تعددت فيه الطبقات والأجناس و اللغات فكان السقوط عقوبة الغرور و الانفتاح و عاقبتهما، هذه التيمة يستخدمها فيلم يعرض في مدخل جناح الأسطورة، تُرى فيه أفواه مئة شخص من مئة جنسية، يتكلمون في الوقت نفسه بلغات مختلفة فيستحيل الاصغاء و الفهم، في ذلك إشارة غير مباشرة إلى عصر العولمة، يشرح المعلق الآلي، و إلى اختلاط الأجناس و اللغات في الميتروبولات الحديثة.
في حجرة خلفية فيلم صامت بالأسود و الأبيض عن عاهرة تنزع ثيابها، يعتبر من أوائل الأفلام الايروتيكية، فكل ما يرتبط بالبغاء له صلة ما ببابل الأسطورية، في حجرة تليها فيلم آخرعن سقوط بابل وهلع أهلها الظالمين الماجنين يذكر بمجموعة من أفلام هوليود التاريخية المضجرة. ثم قاعة لأعمال تشكيلية تنتمي إلى مختلف المدارس الحديثة، تجسّد الشبه بين الحياة الغربية المعاصرة و الصورة الأسطورية المرعبة عن بابل متسامقة البنيان، متعددة الأجناس، منحطة الأخلاق.
في زاوية معتمة من الأسطورة واجهة تعرض لعبة تركيب للأطفال يمكن بحجارتها تشييد معسكر اعتقال نازي! على العلبة ماركة ليغو الشهيرة، و صور للبناء المنشود يغلب عليها الرمادي و الأصفر الكئيب، في وسط الأرضية مجسم للمعتقل بالحجارة الملونة، قبالته كومة من أطراف و رؤوس شخصيات ليغو الصفراء الباسمة. يفسر الشارح الآلي: إن ما نراه ليس لعبة ليغو حقيقية بل عمل فني، أرادت منه الفنانة بعد استئذان شركة لعب الأطفال العالمية أن تستعرض ما أوصلنا العصر إليه من عدم إستغراب لأية مفارقة. و يبرر الشرح عرض هذا العمل ضمن هذا الجزء من المعرض بالتشبيه الشائع لجرائم النازية و مصير اليهود فيها بمأساتهم التاريخية المرتبطة بالسبي البابلي.
في مكان آخر من الأسطورة لوحات مؤطرة في صفين فوق بعضهما، خلف زجاج اللوحات أغلفة لمجلة نيوزويك الأميركية، في كل منها الرئيس الراحل صدام حسين. تارة باللباس العسكري، أخرى بالسيجار و القبعة، أكثر من عشرة أغلفة قام الفنان باختيارها تصور مراحل حكم الرئيس العراقي، نراه في آخرها بالملابس الداخلية يغسل ثيابه، ثم أخيراً بحبل مشنقة حول عنقه. قرأت جزءاً من الشرح المرافق يوضح أن صدام حسين هدّد إسرائيل يوماً بسبي كالسبي البابلي مما يبرر وصفه بنبوخذ نصّر أو هتلر المعاصر. أخذت بتأمّل الصور المختلفة، سحنة صدام بريئة تارة، مخيفة أخرى، نظرات التحدي في عينيه وهو في قاعة المحكمة، تهديده بسبي اليهود مكتوب على غلاف أحد الأعداد. فجأة التفتت إلي امرأة خمسينية واقفة إلى جواري: "ما رأيك؟" أجبت: "مثير للاهتمام!" قالت: "لا أجد الأمر مقبولاً، أعني التعرّض لصدّام حسين بهذه الطريقة، لماذا لا يتعرضوّن لجورج بوش أيضاً؟!" قلت: "بصراحة أنا عربي و لم أجد في الأمر مشكلة" هزّت المرأة رأسها مع ابتسامة شبه معتذرة: "ربّما أكون متطرفة قليلاً لكن هذا الفنان أميركي و صدام حسين لم يخضع لمحاكمة عادلة، و أجد الامر غير مقبول". بعد أن ابتعدت السيدة وضعت على أذني سماعات جهاز الشرح و ضغطت الرقم المرتبط بهذا العمل و أصغيت باهتمام. لما كانت أغلفة النيوزويك المستخدمة في هذا العمل عتيقة أو معتّقة، لم ،أنتبه إلى ألوان برّاقة منثورة هنا و هناك على وجه صدّام، أوضح المعلق في الشرح الصوتي أن هذه الألوان هي (برّيق) تلك القصاصات أو الذرور الملون أو الذهبي و الفضي البرّاق الذي يستخدم في الماكياج أو في زينة الميلاد، و أن منفذ العمل يدعّي أنه قد قام بثبيتها على الأغلفة بواسطة منيّه.
شعرت كأن طائرتين من طراز لا أعرفه حتى الآن قد أغمدتا في آخر برجين متبقيين من عقلي، الذي تهاوى داخلي حطاماً شعرت به قد ملأ جسدي و أثقل قدميّ.
كان مناسباً أن أتساءل: لماذا يكرهوننا؟
لم أكن في يوم من الأيام من محبي الرئيس العراقي لا في حياته ولا في مماته
عندما كان أهلي يغادرون البيت في التسعينات، كثيراً ما كنت أدير التلفزيون على الفضائية العراقية لأن الآخرين لا يحتملونها لحظة، لأتابع خطابات صدام أحياناً و اجتماعاته و البروباغاندا الخاصة بنظامه، فمن ير مصيبة غيره تهن عليه مصيبته.
قبيل الحرب الأميركية على العراق قلت لأبي : ربما لهذه الحرب فوائد،على الأقل سيتخلّص العراقيون من صدام، فهذا لا خلاص منه إلا بقوة عظمى، لن يخلّص العراقيين منه إلا الذي ابتلاهم به. أجاب أبي: لا تنتظر أي فوائد من عدوان على بلدك.
أنا لا أحب البذاءة في الكتابة، لست شديد التهذيب في حياتي العادية، لكنني أحاول في الكتابة أن أعبر بدقة و أن أتعالق مع الكلمات فمن خلال العلاقة المركبة بها أفهم النص الذي أكتبه أو أقرأه، أحاول أن أعيش المفردات لذلك أتجنب مختزلات البذاءة
أنا الآن لا أحكي بذاءة
أنا أحاول تسمية الامور بأسمائها
لماذا خضّه الفنان الاميركي على صورة صدّام حسين؟
ربما لم يفعل ذلك حقاً،ربما ألصق البرّيق بالصمغ، لكنه ادعى ذلك، فهو بالتالي يريدنا أن نتخيل الأمر، فعله أم لم يفعله. يستمني و أمامه صور صدّام حسين التي جمعها من مجلة النيوزويك، كما كنا في المراهقة نجمع صور مادونا أو سامانثا فوكس من مجلة برافو و سالو
صدام حسين موضوعه الجنسي إذن
هل هو لوطي معجب بملامح صدام الرجولية؟
أو أنه كأحد الأصدقاء القدامى الذي قال لي أيام المراهقة أنه يتخيل الوحش الذي تصوره فرقة الهيفي ميتال آيرون ميدن على أغلفة ألبوماتها أثناء ممارسة العادة السرية من فرط الكبت السياسي و الاجتماعي الذي كان يعيشه كما فسّر لي؟
ثم إن هذا الفنان يتحرك بعكس قوانين الاستمناء المعروفة لدى كل مراهق، إذ يحافظ على مزاجه الاحتفالي بعد القذف، فيذر البرّيق ليلصقه على تحفه الفنية قبل أن يجف منيّه،
عادة نقول: قبل أن يجف حبره أو عرقه أو دمه
صديقة فنانة لم تقتنع بتحليلي المعتمد على مبدأ تمثيل الجريمة، في رأيها الأمر يتعلق بالفهم الحديث للفن فحسب: "بإمكانك اليوم أن تعرض أي شيء، كرسياً، مبولة، مظلة، أي شيء. الفن لم يعد يقاس بالاتقان أو الجمال، و لكن بما تقترح تقديمه عندما تكون كل الامكانيات متاحة لديك. هذا الفنان استخدم منيّه في العمل الفني، و طبعاً هذا غلط لأنه مزعج للعرب، لكنه لم يقصد أي شيء مما قلته، استخدم النطاف كمادة، كان يمكن أن يستخدم لوناً أصفر مثلاً، أو تراباً، أو دماً، لكن اختار لعمله الفني هذا التنويع"
هكذا إذاً!
كل شيء ممكن
يمكن أن تعتبر مجزرة غزّة عملاً فنياً من وجهة نظر معينة
حرب العراق ربما عرض شديد اللهجة..هارد كور
ما هذا الفن البشع كيفما قلبته؟
إما أنه لا يحمل أي معنى كما ترى الصديقة الفنانة
أو أنه يحمل أقبح المعاني كما رأيت أنا
أتخيل ثائراً، أحد أعز أصدقائي في الحارة وهو يقول لي: هذا فن؟
تخضّه على صور صدام حسين و تلصق بالمني (برّيق) فن؟
ما يقصده الفنان في رأيي: لقد استُخدم صدّام كامرأة غلاف، كحسناء يلهو بها الجمهور، يستعين بها المراهقون لقضاء حاجاتهم، و السياسيون لإشغال الناس ريثما يمرّرون مصالحهم. بنفس الوقت يقول: أنظروا إلي كمثال كم نحن حقيرون ولا نحترم أحداً، انظروا ماذا فعلت بصورة هذا الزعيم، الذي رعى رئيسي عملية إعدامه قبل أن أبدأ أنا بالتشنيع فيه، فلم أُثر بذلك غضب هذا العربي الذي يكتب عني الآن فحسب بل حتى حفيظة سيدة ألمانية أيضاً صادفها في هذا المعرض الذي يقدّم مراحل فائقة الأهمية من تاريخ البشرية منذ فجرها حتى شفير مستقبلها مع ذلك فلبذاءتي و خوائي مكان فيه. لست فناناً مهماً، بل شخص تافه، أي شتّام في خمّارة بائسة يملك موهبتي، لكنني خير تعبير عن هذا العصر.
منذ غادرت هذا المعرض قبل أكثر من ستة أشهر و أنا أفكر بالأسطورة والحقيقة
كيف يسرقون آثارنا، ويعرضونها علناً، ثم يستعيرونها من بعضهم لكي تكتمل لديهم صورة عن تاريخ الأرض التي مرّ عليها العرب كما مر عليها الأمريكان!
كيف ينظرون إلى الشرق عبر العيون التوراتية التي لا ترى في الآخر إلا البشاعة و البذاءة
كيف يفتحون الأوراق صراحة، ثم يخلطونها جميعاً، ليدمجوا السبي بالمحرقة، وصدّام بهتلر، والبذاءة بالفن،
و الماضي بالحاضر، و الجلاد بالضحية، و الاحتلال بالتحرير، و الحقيقة بالأسطورة.
لكنني ما زلت لا أفهم هذا العمل الفني. هل هي غيرة من رمز أبوي فقدوه ؟ تشفّ بالعدو الذي هو نحن؟ تخويف الغربيين و إشعارهم أن أميركا كانت محقة في إعدام صدّام_نبوخذ نصّر _هتلر المعاصر؟ بذاءة فحسب؟ أو كما قالت الصديقة الفنانة مجرد استخدام لأدوات بلا أي معنى ؟
كل ذلك معاً ؟
تفكك أي علاقة بين الأشياء و دلالاتها ؟
إنعدام أي قيمة و خراب كل مرجعية ؟
ربّما فعلاً كل شيء وارد وممكن و متاح
ربّما لا يعلم أحد إن كان احتلال العراق مفيداً أو ضاراً له
و ربّما كنت اقتنعت أنا أيضاً بذلك
لو لم يقل لي أبي ببساطة: لا تنتظر أي فوائد من عدوان على بلدك.
08-أيار-2021
17-تشرين الثاني-2010 | |
30-آذار-2010 | |
16-آذار-2010 | |
23-كانون الثاني-2010 | |
19-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |