إسرائيل النسيان
خاص ألف
2010-03-30
يريد الإسرائيليون العيش بسلام مع العرب، أو هذا ما يصرحون به، ويقنعون به أنفسهم. لكن أولئك العرب ليسوا نحن، ليسوا عرب الداخل ولا الخارج، ليسوا الفلسطينيين و لا عرب الدول العربية و لا العرب المهاجرين. تريد إسرائيل عرباً من اختراع خيالها تعيش معهم بسلام.
مئات ألوف الفلسطينيين الذين هُجّروا باتوا الآن ملايين عديدة، عليها أن تقتنع ألا تعود لوطنها، كي يعيش العرب بسلام مع إسرائيل. يجب أن يقتنعوا و يقتنع معهم جميع العرب أن والد دانييل جاري عندما كنت في سكن الطلاب في برلين تحقّ له (العودة) من سيبيريا إلى (أرض الميعاد) لأن والد زوجته يهودي، و لأي أميركي أو أوروبي أن يحجّ إلى (الأراضي المقدّسة) أو يأتي ليساهم في (حلّ النزاع في الشرق الأوسط) بالأسلوب الذي يعجبه، بينما ليس لحسين، صديقي الفلسطيني المولود في سوريا أن يرى أنقاض قريته القبّاعة، و يقطف زعتراً بريّاً من أرضها، و يبكي ملفوفاً بالمطر و الضباب، ما لم يكن لديه جواز سفر ألماني و دعوة من مركز غوته في رام الله.
يقترح الإسرائيليون أن ننسى. أن ينسى اللاجثون أنهم فلسطينيون و يتذكروا أنهم عرب و السلام. فيندمجون في البلاد العربية التي تأويهم، أو فليتذكروا أنهم ألمان فيندمجون في ألمانيا، هولنديون في هولندا، أوستراليون في أوستراليا، إلى آخر الدياسبورا. كأن هذه الأرض ليست لهم، و كيف تكون لهم و لليهود؟ و كيف يمكن لليهود أن يعيشوا بسلام مع قوم يظنّون أرض اليهود لهم؟ اليهود بحاجة لوطن قومي، لأن العالم اضطهدهم و لأنهم أرادوا دوماً العودة إلى أرض الميعاد، و لأن إٍسرائيل باتت أمراً واقعاً. فلينس الفلسطيني كي نعيش بسلام!
لكن كيف ينسى الفلسطيني أرضه الوحيدة؟
و كيف ينسى فوق ذلك ستين عاماً و نيف من التشرّد و الألم؟
و كيف ينسى، و اليهودي لم ينس عهداً مضحكاً قطعه إله التوراة لرجل يُدعى إبراهيم، قبل آلاف السنين؟.
تعرف الفلسطيني بين العرب من جرحه، من ألمه المكتوم و الحرقة في عينيه. و تعرف الفلسطيني من أنه لا يستطيع أن ينسى. حتى الخائن لم ينس.
لا يتعّلم الإسرائيليون في المدارس أن عرباً عاشوا في المكان الذي يعيشون فيه الآن، يقرؤون عن الملوك و القضاة و الخروج و الدخول و الإغريق و الرومان و المغول و العثمانيين، و المسلمين ربما، عن الإنكليز، لكن لا عرب عاشوا هنا، لا فلسطينيين طردوا قبل بضعة عقود و دكت بيوتهم أو احتُلت من المستوطنين. يحتاج واحدهم إلى مراجع و أبحاث تدعم كلامه إن أراد أن (يهرف بترهات) كهذه. و مع ذلك، يعلم جميع الإسرائيليين طبعاً أنهم يعيشون على أرض العرب، ويتواطؤون على إنكار ذلك. هي جريمتهم المشتركة، يخلطونها بعقدة الهولوكوست، ليصنعوا من مزيج مشاعر الذنب و الاضطهاد هويتهم الوطنية الوحيدة.
لا يستطيع العربي أن يعترف حقاً بإسرائيل. ليس الأمر أخلاقياً بل وجودياً. كيف له أن يقرّ بأنه غير موجود؟ و من جهة أخرى ما من عربي يحمل ذرة من مشاعر الذنب تجاه اليهود. لا بدّ لإسرائيل من اختراع عرب من خيالها ليعترفوا بها. حتى عرب النفط و الحكاّم بأمر الله من المحيط إلى الخليج، من اعترف منهم بإسرائيل، و من يتدلّل، يعرفون جيداً أنها لعبة مال و سلطة، بزنس، عاهرة هم قوادوها، أو العكس.
محترفو السياسة و الإعلام في (العالم الحر) و خاصة ألمانيا من هواة النسيان و مروجيه. يروق لكثير من الألمان _حتى الناس العاديين منهم_ أن يدرجوا إسم إسرائيل ببساطة بين دول العالم: في دراسة أجريت في إسرائيل.. أو: و شاركت عدة وفود من بلجيكا و التشيك و إسرائيل و اليابان.. يعنون بذلك: ترالالا! نحن طبيعيون! ليست لدينا عقدة ذنب، نحن لم نقترف جرماً أصلاً، دعونا ننسى! لكن الفلسطيني يأتي لاجئاً إلى أوربا، لاجئاً عدة مرات أحياناً، من 48 إلى 67 إلى 82، محملاً بأولاده و تاريخه و آلامه و مشاكله، مذّكراً العالم بدجله.
يتساءل الإسرائيليون و معهم سياسيّو العالم، لماذا لا يتوطّن الفلسطينيون في الدول العربية المجاورة و ينسون أنهم فلسطينيون؟ لم تقم في يوم دولة إسمها فلسطين، انتهى الانتداب البريطاني بنشوء إٍسرائيل، ليس هناك فلسطينيون، هناك عرب فحسب. و عندما يتضامن العرب مع الفلسطينين في غزّة، و إن معنوياً، يتساءل الإسرائيليون و أصحابهم: و ما شأن أولئك بهؤلاء؟ أولئك من بلد و هؤلاء من أخرى. فعلى العرب أن يعرفوا متى يكونون عرباً و متى لا يكونون، يجب أن يرقّوا لمشاعر إسرائيل المرهفة التي أمضّتها الهولوكوست و ترهقها الآن أحاسيس الذنب، يجب أن يدركوا أنهم يعذّبون إسرائيل، فيكفون عن ذلك ليعيشوا بسلام معها، أو فليكفّوا عن الوجود.
لا يطرح مفكر في (العالم الحر) الموضوع الفلسطيني على بساط البحث الموضوعي علانية و بروابط متماسكة تقنع العقل، دون أن يُنبذ و ُتدمّر سمعته و تُضيّق عليه سبل العيش. إسرائيل تحارب العالم بالهولوكوست على المستوى الفكري و الأخلاقي، و تحارب العرب بالعالم، على المستوى الفكري و الأخلاقي و الإعلامي و الإقتصادي و الحربي.
هي، التي تريد من الفلسطيني في الداخل أن ينسى أنه فلسطيني، هل تستطيع أن تنسى؟ هل تعامل العربي الذي يحمل جواز السفر الإسرائيلي معاملة اليهودي؟ بل هل تعامل اليهودي الأسود كالأبيض؟ هل تعامل اليهودي الأبيض الغربي كالشرقي، كاليهودي من أصل عربي؟ إسرائيل متحف للعنصرية عبر العصور و القارّات.
يدعم (العالم الحر) إسرائيل لأنها مزبلة ضميره، صنيعته، ربيبته، خادمته، و معذبته في الوقت نفسه. و إلى أن ندرك نحن العرب خطر إسٍرائيل الوجودي علينا كأفراد، على ذاكرتنا و تماسك منطقنا و هويتنا و صورتنا عن نفسنا كبشر، إلى أن تصبح هذه الأمور من أولوياتنا، ستبقى إسرائيل مثلث برمودا العقل في العالم، و إسماً آخر للنسيان.
××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
17-تشرين الثاني-2010 | |
30-آذار-2010 | |
16-آذار-2010 | |
23-كانون الثاني-2010 | |
19-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |