Alef Logo
الغرفة 13
              

دفاعا عن أدونيس حول احتضار الحضارة العربية

د.هدية الأيوبي

2009-05-16


قامت الدنيا ولم تقعد لأن الشاعر العربي العالمي أدونيس تحدث عن "موت الحضارة العربية" . لست أفهم لماذا يثير كلام أدونيس حساسيةً لدى المثقفين "العروبيين" حتى غير المقيمين منهم على خارطة العروبة.
لقد أصبح اسمه ملتصقاً بتهمة الخيانة للعروبة والتنكر للحضارة العربية والعمالة والانتهازية والانبطاح للغرب من أجل "جائزة نوبل". كما أصبحت الكتابة عنه تطرفاً وانحيازاً أو تبعية أو ما لست أدري من هذه التهم التي تتفتق عنها عبقرية الذين لا يرون أبعد من أنوفهم . مع العلم أن أدونيس هو من أوائل الذين رفعوا راية الحداثة والثورة والتجديد في العالم العربي . وبعد أن تفقّه المثقفون في حركة الحداثة وانتسبوا إليها، رجموه بكرة وعشية.
أيها المثقفون، إن نسيتم او تناسيتم فالتاريخ لا ينسى:
مجلةَ " شعر" ومن بعدها مجلة " مواقف " وروادهما صانعي الحداثة : أدونيس، يوسف الخال ، أنسي الحاج ، بدر شاكر السياب ، محمد الماغوط ، خليل حاوي ، سنية صالح ، بول شاوول ، خالدة سعيد، سليم بركات، شوقي أبي شقرا، فؤاد رفقا ...وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم.
هل صار نكران الجميل ورجم الكبار طبعاً في المثقفين العرب المعاصرين؟
أم أنهم يرون أن ما يحدث اليوم على الساحة الثقافية العربية هو أرقى من حداثة الرواد بدءاً من طه حسين و "حركة أبولو" وصلاح عبد الصبور في مصر مروراً بنازك الملائكة وبدر شاكر السياب وصولاً إلى حركة مجلة " شعر"؟
إن كانت الحضارة العربية لم تمت بعد، فمما لا شك فيه أننا نعيش في زمن الانهيارات الكبرى . إنه انهيار كل القيم : بدءاً من القيم الإنسانية ، والأخلاقية والتربوية والاقتصادية والسياسية وصولاً إلى الثقافة.
قد يتنطّع أحدهم فيقول: ولكن الحال ليس أفضل في الغرب . صحيح ، فالانهيار بدأ أصلاً من الغرب المتحكم حالياً بقدرات العرب وغير العرب. مالكم ومال الغرب؟ عليكم بأنفسكم أولاً ، أنسيتم أن الحضارة العربية بدأت قبل الحضارة الأوروبية بآلاف السنوات، بدءاً من الحضارة الفينيقية وأبجديتها وعلمائها، وصولاً إلى الحضارة العربية العباسية والأندلسية.
لا يمكننا أن نعتبر عصر النهضة قد ولّد حضارة قادرة على التأثير في الغرب بل العكس هو صحيح، بل يجب أن نعتبره عصر الصحوة العربية بعد سبات . فماذا فعل المثقفون اليوم بعد هذه الصحوة وبعد ثورة الحداثة في الخمسينيات والستينيات؟
ماذا يقدم المثقفون العرب للغرب اليوم؟ بل ماذا يقدّمون لأنفسهم أولاً؟
وحين نقول "المثقفين" فإننا نعني جميع فروع الثقافة ، بما فيها الآداب والعلوم والسياسة والاقتصاد.
ولنتفق على تحديد مفهوم الغرب ليكون الكلام واضحا.
الغرب ليس أوروبا و الولايات المتحدة وحدهما بل هناك أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا.
فإن كانت حضارة العولمة هي في طور الانهيار السريع في أوروبا والولايات المتحدة، فلننظر إلى جهات أخرى من العالم:

أميركا اللاتينية بأدبائها الكبار وفنانيها وثوارها:
تشي غيفارا(الأرجنتين) ، باولو كويلو( البرازيل )، إيزابيل الليندي ( البيرو )، خورخيه لويس بورخيس ( الأرجنتين )، غابرييل غارسيا ماركيز ( كولومبيا )، بابول نيرودا (التشيلي)...
أميركا الوسطى وجزرها:
سان جون بيرس -رائد الحداثة في الشعر العالمي - ( الجوادلوب )، إيميه سيزير (المارتينيك )، دانيال ماكسيمين (الجوادلوب )، أوكتافيو باز( المكسيك )، فريدا كويلو ( المكسيك )...
أفريقيا: ليوبولد سينغور ( السنغال )، وول سوينكا (نيجيريا)...
ولننظر إلى الجهة الأخرى، إلى آسيا:
طاغور ( الهند) ، المهاتما غاندي (الهند )، أنديرا غاندي( الهند) ، تسليمة نسرين ( بنغلادش )،بنازير بوتو (الباكستان )، خالد الحسيني ( أفغانستان)... )
وماذا عن الصين ؟ حيث يترجم الأدب العربي إلى اللغة الصينية.
وماذا يترجم العرب؟ هل تعلمون أن هناك آلاف المفردات الفرنسية لا مرادف لها في اللغة العربية؟
ماذا يفعل العرب لمعانقة هذا المدّ الثقافي القادم من كل جهات الأرض؟
التلقي رائع ويضيء ويوسع الآفاق، لكن هل سنبقى في دور المتلقي؟
وأين الإبداع؟ سيصرخ الكثيرون من الموجودين على صفحات الصحف والمجلات الورقية والالكترونية وفي المنتديات الأدبية : نحن هنا..نحن هنا!!..
والله صراخ يصم الآذان ، بسبب الكم الهائل من المفاتيح الشغّالة على طول الوطن العربي وعرضه.
وماذا بعد؟
أتوجه بكل أسئلتي إلى المثقفين المثقفين، ولا أريد أن أقول الحقيقيين ، لأن لفظة حقيقي ليست في مكانها، فالثقافة إما أن تكون أو لا تكون، والأديب إما أن يكون أديباً أو لا يكون . لا يوجد أديب حقيقي وغير حقيقي. ومن المؤسف أنني لا أستطيع أن أشرح مواصفات الأديب أو المثقف ، ففي عصر الفوضى حيث كلما عنَّ على بال أحدهم أن يكتب خاطرة أو رسالة إلى صديقته يطلق على نفسه لقب شاعر أو روائي أو أديب .واختصاراً ، فإن أبسط مواصفات المثقف صفتان : الكتابة بلغة عربية سليمة والإبداع.
وما عدا ذلك فهو حشو وعدد بلا قيمة وطفيليات وطحالب تنمو في فوضى الوسائل التقنية التي انتشرت في العالم العربي، ولكن ما أقل من يستخدمها للإبداع والثقافة.
فإذا أردنا إحصاء المبدعين على الشبكة العنكبوتية استناداً إلى لغتهم العربية السليمة وإلى إبداعهم وإلى قيمة ما يضيفونه إلى بيادر الثقافة، سنكتشف أنه يجب حذف تسعين بالمئة من المدوّنات والمنتديات العربية.
أين هم المثقفون العرب المعاصرون الذين أضافوا جديداً إلى الآفاق التي ابتدعها رواد مجلتي "شعر" و"مواقف" الذين وإن كان بعضهم قد رحل، ولكن معظمهم ما زال حياً يرزق ويتابع دوره الإبداعي.
وقد تقولون ولكن لدينا : ياسمينا خضرا وآسيا جبار والطاهر بن جلون وأمين المعلوف وفينوس خوري غاتا وأحمد زويل وخالدة سعيد ونوال السعداوي وهدى بركات وسلوى النعيمي و وديع سعادة ووووو...
ولا يخفى عليكم أنهم ليسوا من مواطني الوطن العربي ، ومعظمهم يكتب بلغة أخرى غير العربية.
ما يثير الاستغراب أن المثقفين العرب غارقون في العسل وينامون على حرير أمجادهم الوهمية، وهم مقتنعون كل الاقتناع بأنهم فازوا ووصلوا الى هيملايا المجد وربما إلى عقر دار نوبل. فإذا ذكّرهم أحد بواقعهم المتردي وفتح عليهم نوافذ الكهف ليسمعوا أصوات الانهيارات المتتالية، انتبهوا من رقادهم وعوضا عن أن يخرجوا إلى المواجهة والتحديات يشتمون من أيقظهم ، ويتهمونه بالخيانة والتواطؤ والانتهازية ، وبأنه يريد أن يسجل مواقف على ظهورهم المتخشبة، وربما يريد أن ينال جائزة نوبل بسبب إزعاجهم.
ألم يكن ذلك حال كل الأنبياء والمبشرين؟
ألم يحارب الضالّون العميان كل الأنبياء؟
ألم يستشهد كل أنبياء الكلمة من أجل رسالتهم النبيلة، بدءاً من سقراط أول الشهداء مروراً بالمتنبي وصولاً إلى جبران تويني وسمير قصير وبنازير بوتو... وما أطول لائحة الشهداء وما أجملها وما أخلدها.
وما أقصر عمر الكلام الفارغ الذاهب كالزبد في المجاري . المجد والبقاء هو للكلمة الحرة الشريفة النقية المضيئة أبد الدهر . ولا عزاء للضعفاء وصغار الكتبة.
الصمت أمام الانهيار الثقافي الراهن هو تواطؤ و تخاذل . ونكران الانهيار هو سلوك النّعام.
فما دور المثقفين العرب في رد هذا الانهيار والنهوض درجة واحدة على السلم الحضاري؟
أنا أرى أن مؤسسة فنية مثل "روتانا" تلعب دوراً في توجيه الذائقة الفنية العربية أكثر من دور أكبر مؤسسة ثقافية عربية.وإذا كانت الفنانة السيدة "صباح" قد قالت : "روتانا حوّلت لبنان إلى كباريه" ، فالحق يقال إن روتانا حولت العالم العربي إلى كباريه الشرق السعيد.
إن الانهيارات الثقافية هي القطار السريع الذي سيرمي بكل الحضارة العربية في مكب الأمم البائدة.
فأين هو الفعل الثقافي المواجه لهذه الانهيارات؟ وماذا يفعل المثقفون العرب غير قبول دعوات المؤسسات السلطوية إلى موائد الحكام المسماة مهرجانات ونشاطات ثقافية؟
من المحزن بل و من المعيب أن يكون الحكام المسؤولون عن تجهيل الناس وإفقارهم وموتهم قهراً هم أنفسهم القابضون على ناصية الفعل الثقافي في العالم العربي.
فما العمل؟ هل يستطيع المثقفون قيادة حركة انقلابية ضد السلطة السياسية في كل العالم العربي؟
هل يستطيع المثقفون مطالبة السلطات السياسية وإقناعها بالإفراج عن الفعل الثقافي وتسليمه لأهل الثقافة؟
وحين أقول حركة انقلابية فأقصد حركة سلاحها الكلمة الحرة التي هي أقوى من السيف، في البدء كانت الكلمة وليس أقوى من الكلمة.
والسؤال الأهم:
هل لدى المثقفين العرب مجتمعين القدرة المادية على إنشاء مؤسسات ثقافية بديلة تسهم في إيقاظ الوعي العربي وتطوير الذائقة الفنية والثقافية ، وبخاصة لدى الشباب العربي ، في سبيل أداء دور قيادي رائد على صعيد الأمة؟
فالكلمة لوحدها لا تكفي للقيام بثورة ثقافية، بل لا بد من التمويل. فكيف تقوم ثقافة من دون تمويل؟ وما رأيكم في أداء دور النشر العربية القابضة على مصير أي مثقف؟
هل لدى المثقفين العرب الاستعداد للتخلي عن الأنانية الضيقة والالتزام برسالة ثقافية جماعية، إيماناً وفعلاً، على مستوى الأمة؟
والسؤال الأخطر: هل لدى المثقفين العرب الجرأة على تسمية الأمور والأشياء بأسمائها دون خوف من السلطة السياسية ولا من التيارات الظلامية، ولو أدّى الأمر إلى الشهادة؟
إن لم يكن المثقفون أنفسهم أحراراً في تفكيرهم أولاً وفي مواقفهم وممارساتهم ثانياً، فكيف سنطالب بحرية الإنسان، مع العلم أنه لا تكفي المطالبة بل لا بد من العمل.
العمل الفردي لا يكفي، والرؤية الواحدة ولو كانت صادقة ومخلصة لا تكفي، بل لابد من تكاتف جميع المثقفين والمؤسسات الثقافية من أجل النهضة العربية. بمعنى آخر، لا بد من ثورة ثقافية.
والثورة هي مشروع . والمشروع لا بد له من مخطط تفصيلي وهدف واضح . الثورة رؤية واضحة تنطلق من أسئلة معينة: ماذا وكيف وإلى أين؟
فأين هو المشروع الثقافي العربي؟
ولا شك أن هناك الكثيرين من المثقفين الأكفياء و الغيارى والمتألمين على واقع الثقافة العربية المتجه نحو الدمار الشامل.
فهل يكفي الصراخ والألم والبكاء والاعتراض للتغيير؟
كيف سنطالب المثقف العربي أن يسهم في مقاومة الانهيارات الحاصلة إن كان هو نفسه في مرحلة الانهيار؟
كيف سنطالب المثقف العربي أن يعمل من أجل الحرية ، حرية الفكر والقول والعمل، إن لم يكن هو نفسه حراً لا في أفكاره ولا في أقواله ولا في أعماله!!
كيف سنطالب المثقف العربي باللحاق بركب الحضارة والتطور والحداثة إن كان هو نفسه ما زال يستخدم لغة التواكل والتقاعس واليأس والتخبط.
كيف سنطالب المثقف العربي أن يكون مسؤولاً عن حضارة أمة بأكملها إن لم يكن قادراً على تحمل مسؤولية نفسه!
بل كيف سنطالب المثقفين العرب بالتحرك والعمل والنهوض والجري السريع إن كانوا يلقون على الآخرين دوماً أسباب التخلف والانهيار: القدر ، سوء الحظ، المؤامرات ، ولن ينسوا أن يضيفوا إسرائيل والامبريالية ومؤخراً أضافوا الأزمة العالمية ،إلى قامة العوائق التي تقف في وجه طموحاتهم الشخصية وأحلامهم ، فما بالكم بأحلام أمة!!
نعم ، العرب يحلمون، في النوم وفي اليقظة.
وهل يكفي الحلم؟
وبمَ يحلم الإنسان العربي؟
ما رأيكم لو ننشر على الملأ صوراً للأحلام العربية
"لن ينتهي الحلم العربي ما دام هناك عرب " /د.غازي القصيبي.
صحيح لن ينتهي الحلم العربي لأنه لن يتحقق! ولن ينتهي العرب ما داموا لا يجيدون سوى التناسل والتكاثر وزيارة مقابر الماضي والبكاء على أطلال حضارة سادت ثم بادت.
أيها المثقفون العرب، أيها العروبيون ، لا تغضبوا، لأن الحضارة العربية لم تمت بعد، ولكنها دخلت طور الاحتضار،
وأنتم آخر الشهود على احتضارها.
طوبى للحلم العربي وطوبى للحالمين!
****

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

المنفى والغربة في تجربة الشاعر بدل رفو المزوري

20-حزيران-2009

أنا هيفا!!

19-أيار-2009

دفاعا عن أدونيس حول احتضار الحضارة العربية

16-أيار-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow