Alef Logo
الآن هنا
              

الذاكرة الثقافية العربية لم تمت

سامح كعوش

2006-08-21

لم تمت الذاكرة الثقافية العربية ليتطلبنا الأمر أن نسعى إلى إعادة انتاجها من جديد ، إلا أنها تعاني من الوهن المتلازم مع جوانب أخرى للأزمة ليس أولها الاقتصادية و لا آخرها السياسية . و هذا الوهن ناتج عن خلل زمكاني وجودي يقصر المفكرون و الباحثون عن تحليل أسبابه و إن كانوا يُجمعون على أن السبب الأول هو سياسي بالضرورة . نعم ، إن الذاكرة الثقافية العربية تختزن العجز الناتج عن الخصي السياسي إثر َ غزو المغول بلادنا و سقوط بغداد منذ زمن غاب في ذاكرتنا الثقافية لكنه لم يتركها سليمة من الخدش بل الشرخ الذي لا يُمحى . أما المدخل الذي يؤدي إلى إعادة بعث الذاكرة الثقافية العربية من سباتها فهو المدخل ذاته الذي من خلاله تم فعل الاقتحام المغولي و الصليبي لذاكرتنا العربية و بالتالي تهشيم مرآة حضارتنا العربية الصافية في قمة نقائها و ارتقائها الفكري و الثقافي في العصور العباسية الذهبية . أي أننا نحتاج خرقا ً ثقافيا ً جوهريا ً لوجودنا المتزمت الملتزم بحدود فكرية و جغرافية لا يحيد عنها . أعني أن ننفتح على انتاج الآخر لنتمكن من اعادة انتاج ذاكرتنا الثقافية متمثلين في ذلك بما فعلته أوروبا المنفتحة على الفكر العربي عبر اقتحام العرب لجنوبها الايبيري و الصقلي . ثم إن هذا الفعل التاريخي الحضاري لا يمكن له أن يكتمل إلا عبر عملية معقدة من الشد ّ و الجذب بين متناقضين أو أكثر ، بين شرقنا العربي و غربهم الغريب ، و مهما قصرت المسافة عبر هذا العالم الذي صار أشبه ببرتقالة في يد طفل ، فإن المسافة الشاسعة هي بين متناقضين لم يتمكنا من الالتقاء يوما ً الا في مسلسل متكرر من العنف و العنف المضاد ، عبر ما اتفق الطرفان على اعتباره انجازا ً و نصرا ً أو فتحا ً من فتوحات تاريخ كل ٍّ منهما.
الأولى إذا ً أن نعود إلى هذه الذاكرة الثقافية العربية لنتمكن من تنقيتها أولا ً من الشوائب الفكرية التي علقت بها و زينت لنا الانغلاق باسم المحافظة و التحجر بذريعة المواجهة للآخر في مدنيته الغريبة و قيمه الدخيلة على تاريخنا و تراثنا . المدخل الى اعادة الحياة للذاكرة الثقافية العربية لا يمكن ان يكون الا عملية اعادة صياغة و انتقاء أو ربما تفجير لما كان متفقا ً عليه في ما مضى ليصير حالة اختلاف حضاري ٍّ لا بين نقيضين بل بيننا كي لا نتهم الآخر و نتجيش ضده ، يعني أنني لا أعترف بالعداء بين الأقاليم و الأمصار في مساحات العالم التي تتقارب اليوم أكثر من أي وقت ٍ مضى لتصير واحدة في ظروف التاريخية المعرفية و الثقافية . لأن الحاجة تغلب حالة العداء و تتغلب عليه ، و تقارب بين المتناقضات لتصير اقرب الى الاتفاق منها الى الاختلاف . حاجة الشعوب الى مصدر فكري ثقافي تغلبت دوما ً و عبر العصور المختلفة إلى حاجة سياسيي هذه الشعوب و قادتها الحربيين إلى النياشين و الأوسمة الملطخة بدماء أعدائهم المهزومين ، ولو كلفهم ذلك التضحية بالملايين من أبناء شعوبهم و الكثير من خيرات بلادهم . وحاجة التقدم و التنوّر هي الأقوى في وجه القوى الظلامية التي تحاول إيقاف عجلة التاريخ السائر بنا إلى الأمام دوما ً و التوحّد الأكيد بين مختلف فروع نهر الحضارة البشرية عند مصبه الأخير في ما نسميه اليوم بالعولمة .
الذاكرة العربية و الثقافة التي تنتجها هذا الذاكرة هي مقدمة حربة من ورد و فرح ، تعطي عبيرا ً و رحيقا ً تستنشقه الضفاف الأخرى لهذا العالم الصغير المتكور على نفسه ليصير أكثر اقترابا ً و حميمية ، و ما تلاقي الشعوب معا ً و اتفاقها اليوم على مواقف ضد مركزية الثروة و احتكارية الدول الثرية و الرأسمالية الجشعة و العدوانية الاغتصابية الأحادية القطب ، إلا الدليل الأكيد على صوابية هذا الرأي القائل بأن الذاكرة العربية خارج الإقليم هي في حياد إيجابي بل هي مقدمة اللقاء و التوافق لا التعارض و الاختلاف ، إلا بقدر ما يكون هذا الاختلاف مثيرا ً للحوار الايجابي و البنّاء .
أما الجائزة المعولمة فهي أمر آخر ، طالما أنها تكون إثر َ عملية تقويم تقوم بها المؤسسية الجمعية المنبثقة عن قوى غالبة في مجتمع هذا الآخر الغربي الذي يحلو له أن يرى نفسه في نتاج الضحية العاشقة لجلادها ، و في ذلك استعادة لدور استعماري مفقود ، يحاول هذا الآخر المقتدر أن يستشعره في تصنيفه لأدب و ثقافة العربي البدوي المستلب أو الغريب عن بيئته و تراثه . و بخاصة في ظل غلبة إنكار الغربي لدور العرب الحضاري و الفكري و الثقافي المؤثر و المؤسس لكل حضارة و ثقافة لاحقة . و بهذا فإنني أعتبر أن الجائزة المعولمة لم و لا يمكن أن تكون أداة تقارب بين " نا " جماعتنا و " هم " ، و إن كانت محاولة خدش و عدوان رقيق عبر الهجوم الثقافي على ثقافتنا من " داخل " و عبر رموز و شخصيات تنتمي إلى هذه الثقافة العربية ذاتها .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

افتتاح المؤتمر الدولي الثاني عن الآثار في الإمارات‏

03-آذار-2009

لا يشبهنا في الموت أحد

09-كانون الثاني-2009

الذاكرة تحفر في متخيّل شعراء الحداثة في دول الخليج

09-تموز-2008

لغتي ابتداءُ الكون

07-حزيران-2008

تحولات الرّمل: وعي الاستمرارية في التجربة الروائية في الإمارات

02-آذار-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow