Alef Logo
الغرفة 13
              

شعر الاختلاف

عمر يوسف سليمان

2010-01-08

لا يكفي أن (نشذّ عن القاعدة)، بل لا بد لكي نكون مختلفين حقاً أن نتقبل المختلف وأن نعلم كيف نشذ، وإلا تحول الاختلاف إلى خلاف وثرثرة وقصر نظر.
إذا كان النص-أي نص- نسيج كلماتٍ منسقةٍ في تأليف معين، بحيث يفرض شكلاً يكون على قدر المستطاع ثابتاً-حسب بارث-وإذا كان القارئ ينتج النص في عملية مشاركة، وهي ليست مشاركة استهلاكية، وإنما اندماج القراءة والتأليف في عملية دلالية واحدة، بحيث تكون ممارسة القراءة إسهاماً في التأليف-حسب بارث أيضاً- وإذا كانت القصيدة نصاً، فإن الشكل الذي يتخذه الشاعر يصبح ثانوياً وعائداً إلى إحساسه وطريقة تفاعله مع اللغة والحياة، والقارئ عمودٌ أساسي في بناء النص-القصيدة.‏
أما الذائقة فلا ترتبط بأسلوب الشاعر،لأنه قد يحب أن يقرأ بطريقة غيره،.‏
لكن الذائقة التصقت مع الوقت بالأسلوب، وهذا يرجع إلى مدى ضيق الرؤية التي سيطرت على الأجيال التي تلت الرواد، فظهر شعراء منغلقون يصرون على أنهم وحدهم من يحمل لواء الحداثة، ويترجمون الحداثة بالوزن العروضي ويتهمون قصيدة النثر بالانفلاش والإفلاس والسطحية، هؤلاء السلفيون الذين تمسكوا بمومياء الغموض والإيهام، نشأ مقابلهم بعض كتاب قصيدة النثر ككائنات مشوهة حولت الشعر إلى كائن خارج من مسلخ العبث والصعلكة- ليس بمفهومها التراثي العريق- بلا أي أصالة أو أسس أو مرجعيات، متى كان الشعر بلا مرجعيات؟! .‏
بين قصيدتي التفعيلة والنثر- شكل القصيدة- قضينا ستين عاماً حاملينَ منجنيقاتِ الأصالة والحداثة وما بعد الحداثة, ثم ما بعد بعد الحداثة، دون أن ينتبه من جاء بعد المؤسسين إلى ما أنتجه مؤسسو قصيدتي التفعيلة والنثر، ودون دراسة معمقة لطبيعة المرحلة التي دفعتهم إلى ذلك، خصوصاً أن كثيراً من رواد قصيدة النثر كتبوا شعر التفعيلة بعد وقت طويل من إعلانهم نهايته على أيديهم- أدونيس مثلاً- والعكس.‏
وبين قصيدتي التفعيلة والنثر ضاعت القصيدة التي تكاد تضيع أصلاً في هذا العالم الذي يقترب بشكل مخيف ومرعب من الصناعة والتكنولوجيا, حيث يبدو متوازناً ومقترباً من خيالاتِ الشعراء من حيث سرعة الاتصالات، وهذا كله أقحم الشعر في الزاوية الأضيقِ ودفعه إلى الشارع وأرصفة العالم المخربة، وبالتالي قسم الشعراء إلى القسمين السابقين، وهما متماثلان من حيث الضياع، ومتزمتان: واحد يتقوقع على نفسه ويرفض الآخر المنفلت من الوزن، والآخر يتقوقع على ضياعه ويحتقر الوزن دون سبب.‏
وبين الشعر والنثر تضيع المصطلحات،مصطلح ( قصيدة النثر) كُرس عبر التراكمات التي كتبت وفقها على مدار نصف قرن، وقصيدة التفعيلة كذلك وجدت تكريسها عبر طريقة العروض الذي يُعد أحد أعمدتها فقط، فمن قال للذين يتعصبون لقصيدة النثر إن هذا العمود (الزائد) عن حاجتهم يخرب الحداثة ويرجع بالقصيدة إلى عهدها الجاهلي؟.‏
قصيدة التفعيلة تعاني من أزمة في أوساط بعض الشعراء الشباب السوريين الذين حولوها إلى هلام من الغموض والتقليد والتكرار والدرويشية والبعد عن اليومي،وشخصياً أفضل كتابة قصيدة تفعيلة عارية من كل خصائص المتداوَل حتى لو اقتربت من اللغة اليومية ويحبها الناس على أن أكتب قصيدة من الهلام مليئة بالصور بلا أي فكرة واضحة أو معنى.‏
قصيدة النثر أيضاً تعاني من هذه الأزمة حين يكتبها أناس سطحيون متناسين أن القصيدة فن كغيره من الفنون يحتاج إلى تعب وتروٍ وإتقان وبناء وكون شعري وخيالي وألم ووعي وثقافة،فلنشبهه على الأقل بفنجان القهوة،ألا تحتاج القهوة إلى إتقان وتروٍ لتكون طيبة؟كذلك القصيدة.‏
الكتابة وفق التفعيلة ليست إلا طريقة لا يكفي أبداً أن يكون العروض سمةً وحيدةً لها،فالوزن جزء من الإيقاع،وقصيدة النثر تحوي إيقاعاً داخلياً،وهنا تكمن صعوبة كتابة التفعيلة لأن على الشاعر أن يطوع الوزن وفق باقي ملامح القصيدة لا العكس،أما قصيدة النثر فتكمن صعوبتها في الخيارات الكثيرة التي تتيحها للشاعر وعليه أن يختار الطريق الأضيق بالنسبة له وهذه الطريق هي ذاته الأرحب بالنسبة للقصيدة.‏
أحد الزملاء لامني حين كتبت قراءة نقدية عن ديوان كله قصائد نثر، وكأنني إذا كنت أكتب التفعيلة فأنا أنتمي إلى حزب الوزن! أما آن لنا أن نكتب بعيداً عن المصطلحات؟ بحيث تظل تسميات القصيدة في المكتبات الأكاديمية البالية، ثم ننطلق لنكرس شيئاً جديداً تحت اسم القصيدة فحسب, لنكون شعراء اختلاف لا خلاف؟ خصوصاً إذا علمنا أن قراء الشعر هم الأقل بين النسبة الأقل التي تقرأ في المجتمعات العربية، وأن الجميل جميل وجديد وحداثوي مهما كان وبأي أسلوب، وإذا كان سلفيو القصيدة يخافون من الشمس فليظلوا في الظلام الذي يهيئه لهم هذا الواقع أصلاً، بحيث لا يقرأ لهم أحدٌ غيرهم، هل يحبون ذلك؟.‏
النشر الورقي:ملحق جريدة الثورة
النشر الالكتروني: موقع ألف

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الشاعرة جوزيه حلو.. حينَ يصبح الإيروتيك كائناً ومرآة

17-حزيران-2014

لن أفتح قلبي الآن

27-كانون الثاني-2014

إذا لم تستمرَّ الحرب

21-تشرين الثاني-2013

الشعر السوري في جحيم الثورة والحرب

07-تشرين الأول-2013

منشورات على حائط مَنسي

27-آب-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow