Alef Logo
المرصد الصحفي
              

جوان تتر في ( هواء ثقيل ) ظلال الشعر المستأنسة

ابراهيم حسو

2010-07-03


بلغة مرتجة يعرض الشاعر السوري جوان تتر في مجموعته الفائزة عن ملتقى قصيدة النثر في القاهرة مجموعة صور تختنق و تتداخل على هيئة لوحات ناطقة و مستنفرة منذ الأسطر الأولى
و متناغمة في التماعاتها الخادعة التي لا تنطفئ إلا في خواتيم الجمل السردية البطيئة المعذبة , لغة جوان مصنوعة من هشيم خيال صامت في طباعه الكتيمة و في انسلاله الرخيم , لغة تمحو الأمكنة و الأزمنة و تبقي على ذلك الهواء المتثاقل العالق في ذاكرة تسلخ المعاني من احتمالاتها المسترسلة , خيال هذا الشاعر القادم متمهل إلى درجة الضجر الحلو , يقارب الحقائق في بطلانها و وجوبها، و يباعد ضرورات اليومي في اهمالاته القصية موضحاً ما لا يوضح ولايغتفر , فثمة دائماً غمز خفيّ بين الكلمات العامرة الدسمة التي تثمر رويداً رويداً في القراءة اللغوية الثانية أو المراجعة الذهنية المتأخرة ليستوضح بعد ذلك هيكل المفردة الثقيلة و تستجلي العمران اللغوي الباذخ للمخيلة المبدعة البسيطة إلى درجة الانكسار و الانفلاش المبررين في التركيبة الشعرية المعقدة المتلعثمة للجملة الشعرية التي غالباً ما تسطع و تشع كماء جريح خارج جسده , و ربما هو تصادم الكلمة ( الهواء ) كوزن و ( الثقل ) كوصف له و ذوبان في تشكيلات بنائية خارج السياقات اللامحسوبة بتراص أو بتراخ يختلق الشاعر من خلالهما رئات إضافية للمفردات المستنسخة برغاب البهاء و الجمال المائلين إلى بوح يسحر و يبكي : ( تَمَامَاً أُُدْرِكُ الدَّربَ , الطَّائِرُ مُجَدَّدَاً يُرْشِدُني لـ .نَافِذَةٍ, تَطلُ أنثَى, بِأصَابعَ ورَقٍ تَدْفَعُ زُجَاجَاً كَذاكِرَتي, « لَنْ قْبِضَ السّحَابَ» قَالَت . الهَواءُ يُخَاتِلُ , « مَاكِرٌ أيُّها الهَواء «....) يقوم نص جوان كما جاء في مقدمة اللجنة المانحة (على استخدام الأداء النثري في بناء القصيدة، كما في الثقافات الأخرى، كما يدفع النص نحو مناطق جديدة وهامشية وغير مطروقة وإن كانت اللغة أكثر سيولة والتراكيب مفتوحة الدلالة ويسيطر السرد بكل آلياته المعروفة مما يهدّد بعض النصوص بقلة الشعرية أو غيابها، ولا يمثل هذا الاتجاه إلا ديوان «هواء ثقيل» للشاعر السوري «جوان تتر» وهو ما يعكس تداخل النصوص وتأثيرها كما يعكس دور المعرفة بطريقة ما في التمايز الشعري.) لكن رغم هذه السيولة اللفظية ثمة نظام شعري عام يسيطر على السياقات و يرتبها خاصة الصور التي يقشرها بخراميش الوحشي الذي يكشف المستقبل ( الهواء الجديد ) و يتدبر كمائن أخرى للحاضر , بلا إنذار يسطو على منازل العدم و يستعرض أحوال الزمن بعين الزمن الناطقة حيث يستوي المرئي مع المتخيل و المبصر مع المعمي, أحوال العقل في مخاطبة طنينه المتعالي وشؤون الحيرة المحتبسة فيه كظلال قابعة في الظلال نفسها ( الحُلُمُ, المَغَارَةُ الوَاسِعَة فُنيَ كُلُّ شَيء , دَفَعْتُ بِعُمْريَ الثّاني إلَى النّار , رَجَوتُ السَّمَاءَ , كَدَّرتُ نَقَائَهَا, جَعَلْتُ النُّجومَ تَعْطُس وَتَفركُ عَينَهَا السّابِحَة في الدُخَانِ الأبَيَضْ, « حَقَّاً لا تَثِقوا بِيّ) .‏
( هواء ثقيل ) أو أرض ثقيلة أخرى بحجم ريشة لافرق طالما تلك عصارة فكر يتعجل في ملامسة النور أو نشاء خيال نضر متحرك , مخلوط برذاذ ذلك الطيف الصبياني الغريب الممسك بغصن ذاكرة تكبر و تبتكر مع بزوغ القصيدة نفسها و انهمار التأويل و التنويعات على المعنى الواحد لتستقيم السياقات على عضلة المعنى الحياتي المتعدد الفاقد و المفتقد بلا نهاية أو هاوية تلبس القصيدة طباعها و رخاوة هوائها البسيط التي تصل في محاوراتها المجازية لأن تكون أقاويل في هندسة الشعر و تأريخه و تفلسفه, و قد تمنح هذه النصوص إلى قارئ جالس على قارعة المقهى شكل وجوده ونمطية أخرى للعيش في لغة يعرفها لكنه لا يجيدها و لن يجيدها .‏
مقاطع من ( هواء ثقيل ) :‏

( أ )‏

فيمَا مَضَى , ارتَابَ بَجدوَاي . هُنَا . في المَاضي . « الآنَ تَيَقَّنْتُ»‏
أُديرُ كَلامَاً بينَ بَابٍ عَطوفٍ ونَافذَةٍ لاتَمْلِكُ غيرَ هَواءٍ حَزين , بينَ مَقعَدِ روحي الذي أمْقُتُهُ وَدربٍ يُحيلُ العُبورَ مَوتَاً‏
( ب )‏
الآنَ مُبْتَعِدَاً, أُمَسِّدُ شَعْرَ دُميتي الفِضّيّ, أُحَيّيِّ وَبِخفَّةٍ لا تُجَارَى الرَّغيفَ الذي نثَرَهُ صَاحِبُ الّلحيةِ السّودَاء قِبَالَةَ الفُرْنِ ليَبْرُدَ,‏
أُحَطِّمُ الرُّقَيمَ الثّابِتَ عَلى سَطْحِ الكُوخِ العَميقِ في التراب .‏
أُبَدِّلُ ذِكرَى الميِّتِ ثُمَّ وِلادَتَهُ.‏

( ج )‏
« لَكن, مَا هَذهِ الأعدَادُ الغَامِضَةُ, مَحْفورَةً, أعلَى الجُمْجُمَة, أيُّها الطَّيف ؟ «‏
هَل تَرَاءَت الوِلادَة , لِتَنْحَتَ المَوتَ بِأنَامِلِ طِفل؟‏
أَوَ لَم أتَمَرَّن كِفَايةً عَلى الغيابِ ؟ صَرَخْتُ.‏
جوان تتر ( هواء ثقيل ) - جائزة ملتقى قصيدة النثر في القاهرة 2010‏
جريدة الثورة كتب
الأربعاء 30-6-2010م

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

عندما كنتُ مع نفسي

10-تشرين الأول-2020

( سلطانات الرمل ) للروائية السورية لينا الهويان الحسن .. الراوية في تبصرها الباذخ

28-آب-2010

(على مسافة قبلة) لمعاذ اللّحام رحلة الأنا المؤلمة

25-تموز-2010

جوان تتر في ( هواء ثقيل ) ظلال الشعر المستأنسة

03-تموز-2010

الأشياء في لحظات انكسارها

25-تشرين الثاني-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow