Alef Logo
المرصد الصحفي
              

فكّر ثم أجب.. هل تريد حقاً أن تبقى شخصاً طبيعياً؟

سوزان إبراهيم

2010-07-06


في روايته ( الرابح يبقى وحيداً) الصادرة مؤخراً بطبعتها الثانية, عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر – وبترجمة سيئة كما أعتقد إذ تحتشد فيها الأخطاء اللغوية والنحوية – يتسلل باولو كويلو إلى كواليس مهرجان كان السينمائي, حيث الكل يود أن يكون مغناطيسَ جذبِ الأضواء والعقود, وتسلق سلم الشهرة بأي وسيلة أو أي شروط.
لا أريد الخوض في مقولات الرواية وفنيتها, بل التوقف عند حوار قصير يدور بين بطل الرواية ( جافيتس) المليونير أو الملياردير الذي جاء إلى مدينة (كان) في محاولة لاستعادة زوجته- حبيبته التي هجرته, وأقسم أن يفهمها رسالة انتقامه, ليس منها مباشرة, بل من آخرين يثير قتلهم ضجيجاً, على أمل أن تعود إليه صاغرة, لكن الأمر ينتهي بمأساة.
يدور الحوار بين جافيتس وحارسيه الشخصيين, إذ يسألهما: ما معنى أن يكون المرء طبيعياً؟
يجيب الأول: الحياة أشبه بشخص يفتقر إلى أي طموح!
ولأن جافيتس مهتم بالأمر على ما يبدو منذ بعض الوقت, يُخرج من جيبه لائحة يضعها أمامه على الطاولة, فهو يحملها دوماً ويضيف إليها كل جديد.
قرأ جافيتس اللائحة بصوت مسموع – وتضم اللائحة 46 بنداً اخترت لكم منها ما يلي:
- الطبيعي هو كل ما من شأنه أن ينسينا من نحن, وما نريد, ويمكننا بهذه الطريقة أن نعمل لننتج, وننجب ونكسب المال!
- تعمل من التاسعة حتى الخامسة من كل يوم في شيء لا يوفر لك أي لذة, بحيث تتمكن من التقاعد بعد ثلاثين عاماً!
- تتقاعد وتكتشف أنك لم تعد تملك ما يكفي من الطاقة للتمتع بالحياة, فتموت من الضجر المحض بعد ذلك ببضع سنوات!
- الاعتقاد أن السلطة أهم من المال, وأن المال أهم بما لا يقاس من السعادة!
- توجيه النقد إلى كل من يحاول أن يكون مختلفاً!
- التصديق المطلق لكل ما يظهر مطبوعاً!
- وضع قصاصة من القماش الملون حول عنقك, برغم أنه لا فائدة منها سوى أن اسمها ربطة عنق!
- الاحتفاظ بابتسامة على شفتيك حتى عندما تكون على وشك البكاء, والشعور بالأسى على من يظهرون مشاعرهم!
- استخدام جميع الوسائل الممكنة لتظهر أنك فوق غيرك من البشر, رغم أنك لست إلا كائناً عادياً!
- الذهاب إلى حفلة شاي خيرية, والاعتقاد بأنك قمت بما عليك, لوضع حدّ للتفاوت الاجتماعي في العالم!
- الزواج بأول شخص يوفر لك موقعاً محترماً في المجتمع, ويمكن للحب أن ينتظر!
- تفادي الكآبة بجرعات يومية كبيرة من مشاهدة التلفزيون!
- انتقاد الحكومة على كل الأمور السيئة التي تقع!
- الاعتقاد أن كونك إنساناً جيداً طيباً محترماً يعني أن الآخرين سيرون فيك إنساناً ضعيفاً سريع العطب, وسهل التلاعب فيه!
- أن تقتنع بالتساوي بأن الفظاظة والعدوانية مرادفتان للتمتع بشخصية قوية!
والآن هل بيننا شخص ليس طبيعياً وفق كل هذه المقاييس أو بعضها؟ أشك بذلك!
هل تعتقدون أن هذه الطبيعية التي نتمتع جميعنا بها – والتي للسخرية المرّة باتت ضد الطبيعة الحقيقية في الكون أي أمنا الطبيعة - هي سبب مباشر أو غير مباشر للنزاعات في العالم؟! هل نحتاج إذاً إلى أشخاص غير طبيعيين ليحل السلام في الكون؟! وإن كان الطبيعي برأي كويلو هو كل من وصفه عبر بنوده ال 46 فمن هو الشخص اللا طبيعي؟
أرى أن الكون بحاجة إلى مفكرين, وذلك بالاستناد إلى ما قاله المفكر الانكليزي " الفريد نورث هويتهد" في كتابه " مغامرة الفكر":
" إن الإنسان العادي – أي إنسان – تشغله اهتمامات محدودة ومركزة, وهي اهتمامات محصورة دائماً في نطاق له ثلاثة أبعاد: الزمان, المكان, والذات وما يتعلق بها.... أما المفكر فإنه يكسر هذا المثلث المحصور, فيخترق بفكره كل أبعاد الزمان الذي يعيش فيه متجهاً بصفة دائمة إلى المستقبل, ويرتفع بأفكاره فوق البيئة الفكرية التي عاش فيها, ليبذرها فوق الأرض, كل الأرض, ويعكس كل الأحداث القريبة المحدودة التي تصيبه, أو تصيب من حوله, ليكسبها الطابع الإنساني الواسع الشامل."
أو لعلّ الكون بحاجة إلى شاعر..! فلنذهب معاً إلى الشرق الأقصى قليلاً ولنقرأ ما يقوله ويدعو إليه طاغور:
عقيدة طاغور كما سمّاها هي (عقيدة شاعر) وخلاصتها أن "الإنسان الأزلي" هو نفسه الله الذي حقّت على الناس عبادته, والمقصود به هو فكرة الإنسانية, فالأفراد فانون, أما الإنسانية فأزلية البقاء, لأنها الروح الكلية الخالدة التي ما جئنا كأفراد, إلا لتحقيق أهدافها – هكذا يقول طاغور –
ويرى أيضاً أن الوحدة بين الإنسان الفرد من جهة, وبين الروح الإنساني العظيم الشامل من جهة أخرى, لا تتحقق عن طريق العقل, لأن العقل أداة أعدت للعمل, أو للنظر في عالم الظواهر البادية من حولنا. من هنا يؤكد طاغور أن هناك معرفتين نقارب بهما العالم: معرفة الشاعر الذي يصاحب ذلك العالم مصاحبة القلب للقلب, ومعرفة العالِم الذي ينظر إلى العالًم نظر العقل لما ليس منه.. المعرفة الأولى معرفة حب, والمعرفة الثانية معرفة من بعيد, فليس ما يبرز حقيقة الشيء هو ذراته التي ينحل إليها, بل هو روابطه وصلاته التي تربطه بما عداه في حقيقة شاملة!
هما طريقا العقل والروح لمعرفة العالم: العقل كمٌّ, والروح كيفٌ, والكمّ لا يفسر الكيف!!
يعيدني هذا إلى ما أورده الباحث فراس السواح في كتابه (لغز عشتار) إذ يقول:
تدعو الشمس إلى التفكير المنطقي الصاحي, أما القمر فهو سيد الإلهام الذي يهبط دون تصميم أو تدبير.. لذلك يتلمس الرجل طريقه للمعرفة بالتأمل العقلي المنطقي ( معرفة العالِم عند طاغور) أما المرأة فتتلمس طريق الإحساس الباطني والغريزة والكشف القلبي ( معرفة الشاعر عند طاغور) ويتابع السواح: طريقان لفعالية العقل أطلق عليهما التصوف الإسلامي اسم المعرفة للأول, والعرفان للثاني!!
في ضوء ما سبق أود أن أسأل: لماذا تلتهب أرجاء الكون بالحروب والقتل والقهر والظلم؟ ثم لماذا يبقى عالمنا العربي متخلفاً عن ركب الحضارة؟
أترك إجابة السؤال الأول لكم لاستنتاجه من كواليس الكلام السابق, ودعوني أتفاصح في الإجابة على الثاني:
يبقى العالم العربي متخلفاً – وببساطة - لأنه ينفي مفكريه ممن تحدث عنهم البريطاني هويتهد ويمارس ضدهم كل أشكال النفي!..
يبقى العالم العربي متخلفاً لأنه يسوّق نسخاً كربونية مشوهة كبديل عن عمالقة الشعر الصافي الحقيقي الذين لن يكونوا إلا مفكرين في النهاية وعلى خطى إنسانية طاغور..
يبقى العالم العربي متخلفاً لأنه أضاع إحساس النساء, وعزلهن, وحولهن إلى مصارف لشيكات الشهوة, وقتل كشفهن القلبي ( العرفان) وما كانت زرقاء اليمامة إلا المثال..
لماذا لا نبقى متخلفين عن الركب الحضاري إذاً, والكمّ لدينا هو الرباّن الذي احتجز الكيف في خزانات السفينة السفلية! لماذا لا نبقى متخلفين ولم يتبق منّا جميعاً سوى أناس عاديين طبيعيين 100% بمقياس بنود اللائحة التي أعدها ( جافيتس) بطل كويلو!!
سوزان ابراهيم
[email protected]

جريدة الثورة
خاص ألف ألكترونيا

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

قنابل مسيّلة للوطن

17-آب-2011

لقطات سريعة

10-آب-2011

وما زال الموت مستمراً

03-آب-2011

لماذا الأشهر الحرام؟

27-تموز-2011

اللعب بالنار وأصابع الوطن

20-تموز-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow