Alef Logo
ضفـاف
              

الكتابةُ بين الهجرةِ والمنفى ترجمة:

مصطفى بدوي

خاص ألف

2010-08-18


تقديم:
نظمت مجلة ( ماغازين ليتيرير ) مناقشة أدبية رفيعة، دعت إليها كتاباً مهاجرين أو منفيين (سيان!) لمقاربة موضوع : (الكتابة بين الهجرة والمنفى) .وقد تكفلت( مدينة تاريخ الهجرة) بطبع انطولوجيا تضم خمسين أديباً يعرضون فيها آراءهم حول الهجرةِ ؛تحت عنوان :( أوديسات جديدة ) .ضمت على سبيلِ الذكر مثلاً :( أوليفيي أدام- أندري ماكين –يمينة بنجيجي- فرانسوا شانج-أغوتا كريستوف-الطاهر بن جلون-ادواردو مانيت-عتيق رحيمي..الخ).
وفي هذه المناقشة، يستعرض ثلاثة من هؤلاء الذين تجمعهم جائزة( الغونكور) الشهيرة آراءهم انطلاقا من كتاباتهم وتجاربهم في المنفى الباريسي. قد تكون الانطولوجيا المذكورة مقصرة من حيث الكم العددي، إلا أن ما قاله( ادوراردو مانيت ) الذي أشرف على تقديم (أدويسات جديدة) قد يشفع للانطولوجيا ״ تقصيرها ״ ؛ ما دام : (هناك منفيون أو مهاجرون بعدد حبات الرمل على الشاطئ)!!
-المترجم-



سؤال: كلُّ واحدٍ منكم عبَّر عن المنفى بطريقته الخاصة.فيمَ شكّلت تجاربكم الفردية نظرتكم بخصوص هذا الموضوع..؟
ــ جواب:
*عتيق رحيمي(1): باستمرارٍ، أروي نفسَ الحكايةِ لتعريفِ المنفى انطلاقاً من شخصيةِ نصرِ الدين الخرافية في ثقافتِنا (الأفغانية /المترجم)
-:( ذات مساءٍ اكتشفَ أحدُ الرجالِ نصرَ الدينِ وهو بصددِ البحثِ عن مفاتيحِ بيتهِ تحت ضوءِ حاملةِ مصباحٍ .بدأ الرجلُ بمساعدةِ نصر الدين إلا أنه توقف قائلاً: ״هل أضعتَ المفاتيحَ هنا..؟ فأوضحَ نصرُ الدين للرجلِ أن الأمرَ ليس كذلك، بل أنه أضاعَ المفاتيحَ بالقربِ من بيتهِ فسألهُ الرجلُ : (لكن لماذا تبحث عنها هاهنا إذا؟ ..) فأجابهُ نصرُ الدين: (لأنه لا يوجد ضوء هناك!!)) .
هذه الحكاية تحدِّدُ جيداً المنفى.لقد غرقت بلادي في أعمالِ الرعبِ ،وهناك إذا أضعتُ مفاتيحَ هويتي وحريتي . لذا، اخترتُ طريقَ المنفى كي أستعيدهما .فالأدبُ يسمحُ لي باستعادة هذا المفتاح وخلقِهِ من جديدٍ في مخيلتي.إنه بالأحرى السببُ الذي من أجلهِ بدأتُ أكتبُ بالفارسية ، بحيث سنحت لي لغتي الأصلية بخلقِ رابطٍ بين بلادي وجذوري ونفسي.
* الطاهر بن جلون : لقد وجدَ النبي محمد حياتَهُ موسومةً بالمنفى .ففي مكةَ كان مضطهداً من قِبَلِ قبائل لم تؤمن برسالتهِ .إذا، كان عليه أن يهاجرَ نحو المدينةِ ،هناك حيث دُشِّنَ التقويمُ القمري الإسلامي .
لقد وِلِدَ المسلمون مع المنفى، وهذا الرحيلُ سنحَ للنبي بإنقاذِ أصحابه وحياته ورسالته .بالنسبةِ لأصحابِ الثقافةِ الإسلاميةِ فانَّ الهجرةَ لديها منذُ البدءِ معنى مقدس.

* ادواردو مانيت(2): بالنسبةِ إليَّ فأنا منفي أبدي.ولدتُ في كوبا من أبوين اسبانيين ،وخلال طفولتي كلها كنتُ محاطاً باسبانيين نوستالجيين غادروا بلادهم خلال الحربِ الأهليةِ.هذه الوضعيةُ تَجَسََّـدت عن طريقِ تعَايُشِ لغتين في محيطي : الاسبانية الكلاسية والكوبية .إذاً، كنتُ منفياً في بلدي الأصلي ، بالأساسِ بعدها غادرتُ مرتين نحو باريس : الأولى بسببِ الديكتاتور باتيستا ، والثانية بسببِ عدمِ اتفاقي مع كاسترو . بالنسبة إليّ ،كلنا منفيون ولكن بدرجاتٍ مختلفة .
ـ سؤال: إذاً ، تسمح الكتابة لكم باستعادةِ الوطن الضائع ، وبالمقابلِ فيمَ أغْنَى المنفى كتابتكم..؟
ــ جواب:

الكتابةُ بين الهجرةِ والمنفى ترجمة: - مصطفى بدوي

*ادواردو مانيت: عندما اخترتُ باريس منفى فإني تركتُ في نفسِ الوقتِ بلدي وأمي .كانت روايتي الحقيقية الأولى إهداءً لأمي وهي امرأةٌ جميلةٌ جداً وأصيلةٌ بشكلٍ لا يُصَدَّق. هذه الحكايةُ كانت تُمثِّل اتصالي الأدبي الفعلي بأمي وأمتي. ومنذئذ ،وأنا أواصلُ تطويرَ هذا الإرثِ بالأدبِ وحدَهُ لأني لا أستطيعُ العودةَ إلى كوبا، لأنه ليس لدي جواز سفر ولا تأشيرة دخول إليها. فعلاً المنفى جارحٌ !!
*الطاهر بن جلون(3): يهتمُ الأدبُ بالجِراحات قبلَ اهتمامِهِ بالسعادة .إنَّ تاريخَ الهجرة هو موضوعٌ يفرضُ ذاته على كاتبٍ مثلي يأتي من بلدٍ حيث الكثيرُ من الناسِ كان عليهم أن يختاروا المنفى. بعد أنْ عاشرتُ مهاجرين لدى وصولي إلى باريس، فهمتُ أنهم محتاجون لأن نوْصِلَ أصواتَهم . في بداية سنوات 1970 قدمتُ دروساً في محو الأميةِ لصالحِ عمالٍ مغاربيين .في تلك المرحلة، لم نكن نتحدث عن الهجرةِ كما هو الشأنُ اليوم. لقد شعرتُ أنَّ هؤلاء العزاب يحملون حزناً كبيراً: ذلك الحزنُ الذي هو الشخصيةُ الأساسيةُ لكتابي الأخير :
(في البلاد ِ).بالنسبةِ لهذا الرجلِ الذي أمضى حياتَه باستقامةٍ وكرامةٍ،أن يجدَ نَفْسَهُ متقاعداً فتلك صدمةٌ بالنسبةِ إليه. وفي نفسِ الوقتِ، فإنَّ هذا الرجل يعترفُ بالجميلِ نحو هذا البلد الذي ساعَدًهُ وأنقذهُ . إنه شخصيةٌ غالباً ما نجدها في أوساطِ المهاجرين ،وهذه الشريحةُ كانت محتاجةً لأن نحكي عنها. فالأدبُ يسمح للمجتمعِ أن يدخلَ في حميميةِ هؤلاء الأشخاصِ الذين نراهم يمرون دون أن نعرفَ مشاعِرَهم ولا انفِعَالاتَهم ولا مُعَاناتَهم. الأدبُ وسيطٌ بين حقيقةٍ ما ومجتمعٍ ما.

الكتابةُ بين الهجرةِ والمنفى ترجمة: - مصطفى بدوي

*عتيق رحيمي : النوستالجيا هي داءُ المنفى، فالمهاجرُ يحافظ على علاقةِ الجرحِ والقطيعةِ مع أرضهِ الأصلية ، مع لغتهِ وثقافتهِ.هذه الصفحةُ البيضاء هي التي تغدو، إذاً، أرْضَهُ .عشتُ هذه التجربة بشكلٍ ملموسٍ عندما غادرتُ أفغانستان في دجنبر 1984.بعد تسعةِ أيامٍ من المشي توقفنا في الحدودِ الأفغانيةِ –الباكستانيةِ ،أوْقَـفَنَا المهربُ كي نُلقي نظرةً أخيرةً على أرضِنَا الأصليةِ ، رأينا وراءنا آثارَ خطانا، وفي الجانبِ الآخرِ من الحدودِ كانت هنالك الصحراءُ والثلجُ النقيُ، ساعتئذٍ ، قلتُ لنفسي: (هذا هو مُستَقْبَلُكَ .هناك، وعليك أنْ تملأ هذه الصفحة البيضاء!).بالنسبةِ إليَّ، كانت الكتابةُ وسيلةً لتعبئةِ هذه الصفحة البيضاء بفضلِ المسافة التي أخذتها إزاء بلادي. لقد غيَّر المنفى نظرتي إلى بلدي الأصلي، فالعلاقةُ مع ثقافةٍ أخرى ، آدابٌ أخرى، سَمَحَ لي بالنظرِ إلى أفغانستان بعينٍ جديدة.

ـ سؤال: هل كان للعودةِ إلى أفغانستان أثر على طريقتك في الكتابة ؟
ـ جواب:
*عتيق رحيمي : إلى حدودِ عودتي إلى أفغانستان في سنة 2002، كنتُ أكتبُ بالفارسية . بعد هذه العودة إلى البلادِ لم أعد قادراً على انجازِ ما باشرته بالفارسية وبدأت في الكتابةِ بالفرنسية . لم يُمحَ هذا الجرحُ النوستالجي ، لكني الآن أنظرُ إلى بلدي بطريقةٍ أخرى بفضلِ الفرنسية .

* الطاهر بن جلون: يذكر(بتشديد الكاف وكسرها -المترجم) ميلان كونديرا في كتابهِ الأخير بألمِ كافكا الذي كان عليه أن يختارَ المنفى في اللغةِ الألمانية ، في الوقتِ الذي كان فيه تشيكياً.عندما غادرَ كونديرا تشيكوسلوفاكيا بدأ يكتب بالفرنسية .هذه اللغةُ الجديدةُ صارت نوعاً من التهدئةِ، من الانقاذِ، من (حميميةِ-المترجم) العائلة التي نستعيدها، لأنه وهو خارجُ البلادِ كان محتاجاً إلى أن يُعَبِّرَ ويتحدثَ بلغةٍ ليست هي لغةُ بلادِهِ . بالنسبةِ إليَّ ،هذه اللغةُ صارت ملاذَ الجراحاتِ التي أعَبِّر عنها أفضلَ بالفرنسيةِ أكثرَ من العربية .

*ادواردو مانيت: في سنوات1950 كان لدي الحظ في معاشرةِ ( صامويل بيكيت )
في باريس . ذات يومٍ قلتُ له :(إني قررتُ عدمَ العودةِ مطلقاً إلى كوبا ).كنت أنوي أن أكتبَ بلغةٍ أخرى لكن هجرانَ اللغةِ الاسبانية معناهُ هجرانُ أدبٍ تغذيهِ أعمالٌ أدبيةٌ رفيعةٌ . كان لدي الشعورُ بارتكابِ خيانةٍ وأنا أتَّخِذ مثل هذا القرار .فكَّرَ (بيكيت) مدةً طويلةً قبلَ أنْ يبادرني بقولهِ :( شخصياً ، بدأتُ الكتابةَ بالفرنسية ،لأنَّ الكتابةَ بلغةِ جيمس جويس كان عبئاً ثقيلاً جداً ).(كان (بيكيت) السكرتير الخاص لجيمس جويس). بعدها أضافَ أنه عليَّ أن أعودَ إلى لغتي الأصلية، وأنَّّّ اللغاتِ لا أهميةَ لها ، والأهمُ هو العالمُ الذي يَنْقلهُ الكاتبُ. وطننا هو اللغةُ التي نُعَبٍّرَ من خلالِها، لكن يمكن أن نتوفَّرَ على وطنين، كما يمكن أن نتوفَّر على ثلاثةِ نساءٍ أو أربعةٍ أو خمسة...
ـ سؤال: طبعاً، هناك العديدُ من كتاباتِ المنفى بالمقارنةِ إلى تجارب الهجرةِ. مع ذلك تعبرون كلكم – باعتباركم منفيين-عن نفسِ الألمِ، نفسِ التمزقِ، أليس هذا ما يربط بينكم ويجعل منكم كتابَ هِجْرَةْ ؟؟
ـ جواب:
*الطاهر بن جلون : بالنسبةِ إليَّ، فإنَّ صنفَ (أدبِ الهجرة) لا يوجد .فالأدبُ هو الأدبُ .انه يعالجُ ثيماتٍ متباينةٍ ليس إلا . فرغم تباينِ حكاياتنا الفردية لدينا الحقُ والواجبُ أيضاً في الاهتمامِ بأشياءَ أخرى من غيرِ المنفى والهجرةِ .هذا يعني أن هذه الثيماتية تفرضُ نَفْسَها علينا لأننا مَعْنيون بها. لكن ،إذا كان بالإمكانِ إيجاد متحفٍ للهجرةِ ،فإنه لا يمكن أن يوجدَ أدبٌ أو سينما للهجرةِ . يتحدثُ الأدبُ قبل كلِّ شيءٍ عن الشرطِ الإنساني وعن القضايا الكونية . إنها حالةٌ تشبهُ بصيصَ الأوديسة : بحيث وِجِدَ على الدوامِ أشخاصٌ يريدون الذهابَ إلى موضعٍ آخر .
*عتيق رحيمي: أجدني غيرَ منسجمٍ مع تعريفِ أدبِ الهجرةِ .أستطيعُ القولَ اليوم إني فرنسيٌ لأني متجنسٌ .أكتبُ بالفرنسية عن موضوعٍ يَهمُ أفغانستان، لكني أستطيعُ أيضاً أن أجدَ كتباً مكتوبةً من لدن فرنسي تتحدثُ عن بلادي .
فالأديبُ ليس لديه سوى أرض واحدة، هذه الأرض هي الصفحة البيضاء.
ـ سؤال: هل كلُّ الكتابِ مهاجرون ؟
ـ جواب:
*الطاهر بن جلون: يجب وضع فرق واضح بين الدراسات السوسيولوجية المُنجَزةِ حول هذه الظاهرة الكونية التي هي الهجرة وبين الإبداعِ الأدبي الذي يتحدث بطريقةٍ غير مباشرةٍ عن مواضيع مثل الهجرةِ .فكلُّ الكتابِ يحملون في ذواتِهم استغراباً من قدرتِهم على خلقِ كونٍ آخر . من هذا الجانب، تستطيع أن تقولَ الحقيقةَ بشكلٍ أفضل. في نفسِ الوقتِ ،فإنَّ الواقعيةَ مستحيلةٌ والحقيقة الوحيدة التي تسكنُ فينا هي حقيقةُ الشرطِ الإنساني . وهذا ما أحاول فعله في كلِّ مرةٍ . شخصيتي الأساسية في روايةِ :(في البلاد) ليست مهاجرةً ، فقط كان يمكن أن تكون شخصيةَ أي إنسانٍ آخر.
سؤال: في روايةِ (في البلاد) هناك مسألةُ الهجرةِ، لكن أيضاً هناك نتائجها ومضاعفاتها . تتحدثون تحديداً عن الهوةِ بين الأجيالِ وهذه القضية تتجاوز إطارَ الهجرةِ..ألا يُحرك هذه الهوة فعلُ التشتتِ بين ثقافتين ؟
*الطاهر بن جلون: في هذا الكتاب، أتَحَدَّث عن رجلٍ ينتمي إلى الجيلِ القديمِ الذي وصلَ اليوم إلى سنِ التقاعدِ، ومأساتُه أنه لم يُعايش ما حَدَثَ خلال أربعين سنة في عائلتِهِ .خلال كلِّ هذه المرحلة، كَبُرَ أبناؤه في لغةٍ أخرى مغايرةٍ وقرروا أن ينطلقوا في مشاريع ذاتية . هذا ما يفهمه يومَ تقاعده.وباختلال مع عائلته، يقرر أن يعودَ، إذن، إلى المغرب لبناءِ بيتٍ كبير .يعتقدُ أن أبناءَه سيعودون للعيشِ معه فيه ، كما هو العرفُ عادةً في العائلةِ البطريركيةِ المغربية . لكن هذا لم يتحقق طبعاً. لم يكن لهؤلاء الأبناء ما يؤاخذونه على أنفسِهِم ، لأنهم فرنسيون أسَّسوا حياتهم وتزوجوا من زوجات و أزواج ذوي أصولٍ مجتمعيةٍ أخرى .إنها حقيقةُ هذا البلد(فرنسا-المترجم)، إذ لدينا أكثر من 26 في المائة من الزواجِ المختلط في أوساطِ الهجرةِ.إنَّ هذا الخليطَ يتأسس بمعزلِ عن الإرادةِ السياسيةِ والاجتماعيةِ . وهذه الوضعية تتيحُ الفرصةَ لسوءِ فهمٍ تستغلهُ وسائلُ الإعلامِ . إنهم يخلطون بين المهاجرين الذين قاموا بالرحيلِ من أجلِ العملِ وأبنائهم الذين ليسوا مهاجرين . مستقبلهم وحياتهم كانا هنا على الدوام وليس في بلاد آبائهم.
ادواردو مانيت: في روايةِ :( رابسوديا كوبية) (4) هنالك شخصيةٌ توْضِحُ هذا الشرط : شخصيةُ شابٍ كوبي يصل إلى ميامي ،فيصير طالباً متوهجاً في هارفارد، يُقْتَرح عليه عمل يشهد باندماجهِ الجيد في مجتمعِ( بوسطن)، فيرفضه بدعوى أنه سيغتال جزءاً منه . فهل يتطلَّب الاندماج تضحية بالذات؟
جواب:
*ادواردو مانيت:حالياً، أعيشُ ثقافتي المزدوجة بشكلٍ جيد . مررتُ بمرحلة شيزوفرينية خلالها لم أكن لأتكلم أو أقرأ أو أكتب بالاسبانية على الإطلاق؛ لأني كنت أريد أن أصيرَ فرنسياً : فرنسيُ الأبراجِ، لأنه كان يقال لي : (هناك(في فرنسا/المترجم ) يتحدث بأحسنِ فرنسيةٍ في العالمِ !). وبفضلِ لقاءاتي ورحلاتي فقط عرفتُ أنه من الغنى أن يمتلكَ الإنسانُ لغاتٍ متعددةً .أحسُّ بأمانةِ كليةٍ إزاءَ فرنسا؛ إنها بلادي . أيضاً ، لا أستطيع أن أنكرَ أني كوبي اسباني .أتحدثُ عن الأملِ في روايةِ : (راسبوديا كوبية) وعن كوبا المستقبل ، كوبا الديمقراطية حيث المنفيون وكوبيو الداخلِ، وبمقدارِ ما نريدُ الاندماجَ ننتهي إلى إنكارِ الجذورِ.
*الطاهر بن جلون: طبعاً، لكن لا أحد يطلب منَّا أن نتخلى عن جذورِنا .هناك فقط ملاحظةٌ حول كوبا : لقد صَوَّتت فلوريدا ب53في المائة لصالحِ أوباما . إنها أولُ مرةٍ منذ عهد كينيدي يُصَوَّتُ فيها بشكلٍ ديمقراطيٍ هناك.إنه فشلٌ مثيرٌ للشفقةِ بالنسبةِ للشيوخِ الأمريكيي- كوبيين، فأبناؤهم هم من صوَّتوا لصالحِ أوباما، وكوبا الغدِ سيبنيها شبابٌ بأفكارِ جديدةٍ. لقد أعطت ظاهرةُ أوباما أجنحةً لمجتمعاتٍ أخرى للعيشِ بشكلٍ مختلف؛ والمنفى الذي كان سياسياً في عيونِ الآباءِ صار نقطةَ انطلاقٍ من أجلِ بناءِ نموذج آخر، سيجعل من كوبا دولةً ديمقراطيةً خاليةً من عاداتها القديمة.
*عتيق رحيمي: طبعاً؛ أن أعيشَ في فرنسا فأنا مَحْم ٍ من طرفِ قانونِ هذا البلد المضيف. أستطيع،اذاً ، أن أسائلَ أخلاقَ بلدي الأصلي بحريةٍ أكبر ، وبالتحديدِ وضع النساء ونفاق النظام الديني والسياسي. بالإضافةِ إلى أنَّ اللغةَ الفرنسية تسمحُ لي بالحديثِ بحريةٍ أكبر .فلو كتبتُ هذا الكتاب بلغتي الأم لكانت الرقابةُ قد مورست عليّ. لقد سَنَحَت لي الفرنسيةُ باستعمالِ لغة أكثرَ جرأةٍ بواسطةِ قصائد ايروتيكية وجريئة . فيما يخصني ،فقد ولدتُ تحت الديكتاتورية وكان من المستحيلِ عليّ أن أعبِّر بوضوحٍ عن الرغباتِ أو العلاقاتِ الجنسيةِ. إن لغتي الأم تفرضُ علي حدوداً وطابوهات.
سؤال: يقول الكاتب المسرحي : (وجدي معوض)׃( حتى لو استعملت كلمات فرنسية فان اللغة والإيقاع والعقل تبقى كلها عربية).ماذا تعتقدون ؟
جواب:
*ادوارد مانيت : لدي شرط ٌ،وهو أني عندما أكتبُ بالفرنسية: أفكرُ بالفرنسية وأحلم بها .لكن رغماً عني، أستعملُ الفرنسية مطعمةً بإيقاعٍ وكلماتٍ تأتي من الاسبانية والإيطالية والبرتغالية...
*عتيق رحيمي: عندما كنتُ أكتبُ بالفارسية لم تكن لدي نفسُ الكتابةِ كما هو الشأنُ بالنسبة للكُتَّاب الأفغان؛ لأني كنتُ أطبق تركيباً فرنسياً على لغتي الأم . مثلاً في الفارسية، يأتي الفعلُ دائما في نهايةِ الجملة.عندما أكتب بالفارسية أكْسِّر هذه البنية : أضعُ الفعلَ في بدايةِ الجملةِ أو وسطها والعكسُ صحيحٌ .إن الأدبَ الفارسي شعري بامتيازٍ تستعمل فيه القوافي كثيراً وكذا الإيقاعُ.عندما أكتبُ بالفرنسية يجب أن يكون لدي إيقاعٌ للكلماتِ، لهذا غالباً ما أستعمل الموسيقى عندما أكتب .بالنسبةِ لروايةِ : (صخرةُ الصبرِ ) كنتُ أنصت فيها إلى
( شوبيرت)(1) للحصولِ على بنيةِ للجملِ وللروايةِ .
*الطاهر بن جلون: إن هذا المزج بين لغتين هو ما يمنح خاصيةً للأدباءِ الذين يكتبون بالفرنسية في الوقتِ الذي ليست الفرنسية فيه لغتهم الأم. شيءٌ طبيعيٌ : لأننا نستحمُ في نهرين .هذا التياران ليسا متناقضين بل يغنياننا ؛لاسيما وأننا نحاول أن نحملَ حساسيةَ الطفولةِ إلى هذه اللغة .وكاتبٌ أضاعَ في الطريق طفولتَه،قد أضاعَ الكثير ..

هوامش:
- (1)-عتيق رحيمي كاتب ومخرج أفغاني كتب( فيلم أرض ورماد )ولد في كابول هاجر بلاده خلال الحرب الأفغانية الأولى وأقام في باريس سنة 1984.أول رواية له بالفرنسية هي :( صخرة الصبر) التي نال عنها جائزة الغونكور سنة 2008.
-(2)-ادواردو مانيت: روائي وكاتب مسرحي ومخرج كوبي .حاز على جائزة( الغونكور) عن روايته: (جزيرة العظاية الخضراء ( سنة 1992
-(3)-الطاهر بن جلون: كاتب وشاعر وصحافي مغربي حائز على جائزة( الغونكور) عن روايته :( ليلة القدر) سنة 1987 عضو في أكاديمية الغونكور .آخر عمل له هو رواية : (في البلاد)/ غاليمار .
-(4)الرابسوديا :قصيدة ملحمية ينشدها رواة محترفون.
-(5)شوبيرت: ( فرانز) 1797-1828 : مؤلف موسيقي نمساوي قضى حياته في فيينا لم ينصف للأسف خلال حياته رغم عبقريته الاستثنائية.من أعماله: -رحلة الشتاء 1827-- الفتاة الشابة والموت 1824/1826-تراجيدي 1816...
المصدر: مجلة ماغازين ليتيرير –عدد: 489- أيلول /شتنبر 2009- ص: 12/13/14/15 العنوان الأصلي: هل الكاتب منفي على الدوام؟
من إعداد: تام فان ثي.
××××××××××

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف





















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الشعر والفلسفة..أية علائق ممكنة؟ مهدي بلحاج قاسم ترجمة:

19-آب-2017

الزمن المتبقي (سيرة الحاضر الغائب) لإيليا سليمان / فانسان ثابوري ترجمة :

31-آب-2010

الكتابةُ بين الهجرةِ والمنفى ترجمة:

18-آب-2010

نص / هنا في اللاذقية تصحو الكمنجات

05-أيلول-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow