Alef Logo
ضفـاف
              

الزمن المتبقي (سيرة الحاضر الغائب) لإيليا سليمان / فانسان ثابوري ترجمة :

مصطفى بدوي

خاص ألف

2010-08-31

خفَّة في الدراما الأبدية للشعب الفلسطيني

قبلَ يومين من إسْدَالِ الستارِ على فعالياتِ مهرجانِ كان السينمائي عرضَ المخرجُ الفلسطيني إيليا سليمان فيلمَه (الزمنُ الباقي سيرةُ الحاضرِ الغائبِ) الذي شاركَ به في مسابقةِ المهرجانِ الرسميةِ .ولربما يمثلُ فيلمَ (الزمن الباقي) أنضجَ أفلامِ إيليا سليمان من حيثُ الاشتغال على البياضِ/الصمتِ وتأثيث الفيلم بشريطٍ صوتي تمَ تركيبه فوق هذا الصمتِ الذي تقابلهُ (باروديا) تنتصرُ على تراجيديا العذابِ الفلسطيني في الداخلِ والشتات. وقد يكونُ المزجُ بين عناصر الباروديا والموسيقى التصويرية (محمد عبد الوهاب ..أسمهان .. ليلى مراد .. نجاة .. صباح فخري ..) والتقطيع والتناوب بين الأبعادِ في هذه التجربةِ الفيلميةِ المتميزةِ من أجملِ ما شهدته السينما العربية من فتوحاتٍ تجريبية.والمقالُ الذي نترجمه اليوم يعكسُ الاحتفاءَ النقدي الكبير الذي قُوْبِلَ به إيليا سليمان هناك في الضفةِ الأخرى لشرقِ المتوسط ..
ـ المترجم -
في شكلِ استهلالٍ يتوجه إيليا سليمان(1) الراكبُ الوحيدُ في سيارةِ أجرةٍ تائهةٍ وسطَ المطرِ الغامرِ إلى سائقها ليسأله:( أين أنا؟). مقدمةٌ صريحةٌ تحددُ دفعةً واحدةً فيلمَ (الزمن المتبقي)(2) باعتباره رغبة في الأرضِ يتحولُ فيها الشعرُ إلى السياسةِ.المكانُ موضع السؤالِ هو مسقطُ طفولةِ إيليا سليمان : أرضُ عربِ 1948 أرضُ الفلسطينيين الذين بقوا في الناصرة التي صارت جزءاً من (الدولة العبرية).إذن نحن مدعوون لسفرٍ زمني يبدأ من 1948 وهو مستوحى من دفاتر شخصية لأبي المخرج ومن رسائل أمه الى أفرادِ العائلةِ في الشتات .هذه العدةُ المستمدةُ من الحياةِ لا تؤشر على الواقعيةِ بل تمنح الفيلمَ هالةً من نوستالجيا داكنةٍ مرصعةٍ بوقائعَ صغيرةٍ للمقاومةِ التي يمثل الأبُ وجهَهَا البطولي.إنَّ هذا الجزءَ الاستيهامي المكرس برؤيةٍ طفوليةٍ والملطخ بكآبةٍ لا يمكن إخمادُ جمراتِها ربما هو الأكثرُ ديداكتيكية والأقلُ دقةً رغم أن الحمولةَ الكوميديةَ غريبةٌ كما هو الشأنُ دائماً لدى إيليا سليمان.إن مسابقةَ الأغاني العبرانية أو عرض فيلم :(الوصايا العشر) لسوسيل دوميل(3) في المدرسةِ يؤشرُ على قدرٍ كبيرٍ من السخريةِ.

الزمن المتبقي (سيرة الحاضر الغائب) لإيليا سليمان / فانسان ثابوري ترجمة : - مصطفى بدوي

ومع ذلك يجب انتظار دخول المخرج نفسه في المشهد حتى يجد الفيلم اكتماله ليطبعَ جسده على الصورة سخريةً لا تقاوم.لو غضضنا الطرفَ عن الحضورِ الجسدي الوحيد الذي يعرض نفسه في مقابل الجدارِ الفاصلِ بين (إسرائيل) والأراضي الفلسطينية فإنه يلعب بسكونيةٍ شبه ثابتةٍ ونظرتهُ المذهولةُ تجعلُ وجهَهُ مطابقاً للعنوان الفرعي للفيلم : (سيرةُ الحاضرِ الغائب ).مهرجٌ حزينٌ ونسخةٌ فلسطينيةٌ لأسلوبِ (بوستر كيتون) (4)أو (جاك تاتي) (5)بحيث يوبِخ اليومي وينتزع منه عبثيتَه ويحول وجهتَه بحزنٍ ساخرْ.
يربط إيليا سليمان كما في صورةِ أعمالهِ السابقةِ (السانيات) * بالإثاراتِ الهزليةِ المعتمدةِ على المفاجأةِ (الجاجز) كما في توالي الرسومات الصحافية الملهمة جداً: آلة لإعادة الصوت انطلاقاً من أسطوانات مسجلةٍ (غراموفون) تَبثُ موسيقى على الغطاءِ المعدني الأول لسيارة (الجيب )وجار ببيجامته يحاول بانتظام التضحية بنفسه ومدفع يتابع بدقة تحركات رجل أعزل ..هذا التسلسل في التصوير يخلق معنى والتقطيع لا يفسد الحكي بل يمنح الخفة للدراما الأبدية لشعبٍ يعاني ويجعل (التقطيع/المترجم )لحظات الضحك والكآبة تتناوبان بشكلٍ لا يستطيع الجمهورُ توقعه .يتم التعامل مع الأبعادِ الطويلةِ الثابتةِ واللامبالاة المزعومة انطلاقاً من عمقِ الأرضية حتى تغذي الخلفية الصورة بنفس الفعالية التي تميز البعدَ الأول .تنبني آلية (الزمن المتبقي) أيضاً على تكرار الإثاراتِ الهزليةِ المعتمدةِ على المفاجأة (ينتهي الأمرُ بطبقِ العدسِ المطبوخِ إلى القمامة) وقلّة الحركات : فوحده التمايلُ الخفيفُ لرِجلٍ (بكسر الراء /المترجم) أمه العجوز يلمح الى كونها متأثرة فيما هي تنصت الى أغنية قديمة .

الزمن المتبقي (سيرة الحاضر الغائب) لإيليا سليمان / فانسان ثابوري ترجمة : - مصطفى بدوي

لا يتباهى هذا المشروعُ الجميلُ بالتذكرِ المبهمِ لكن حرماناً حميمياً ورمزياً وصمتاً متكلماً شبيهاً بزمنِ الأخرسِ هو ما يؤسسه من أجلِ مشروعٍ تدميري في غايةِ الكمال السينمائي التكويني.
هوامش:
1. وِلِدَ إيليا سليمان في الناصرة عام 1960. في سنِ 17 عاماً اعتقلته قواتُ الأمنِ الإسرائيلية بينما كان في تل أبيب وطُلِبَ منه الاعتراف بعضويتهِ في منظمةِ التحريرِ الفلسطينية، رَفَضَ إيليا ذلك وبعد هذه الحادثةِ بمدةٍ قصيرةٍ هاجرَ إلى لندن ومن ثم إلى فرنسا حيث أقام عاماً عادَ بعده إلى/ إسرائيل/. بعد أن أقامَ في الناصرة لعدة سنوات أبدى فيها اهتماماً في السينما هاجرَ ثانيةً إلى نيويورك عام 1982 حيث أقامَ لمدة 12 عاماً.
عام 1990 أخرجَ فيلمه الأول 'مقدمة لنهاية جدال' الذي حصلَ على جائزة ِأفضل فيلم تجريبي في مهرجان أطلنطا السينمائي بنفس العام.
عام 1991 أخرجَ فيلم 'تكريم بالقتل' الذي ينتقدُ فيه حربَ الخليجِ الثانيةِ وحصلَ الفيلمُ على العديدِ من الجوائزِ.
عام 1994 انتقلَ للعيشِ في القدسِ حيثُ دَرَّسَ في جامعةِ بيرزيت. وقد تمَ تعيينه لتأسيس قسم الأفلام والميديا في الجامعة بتمويل من المفوضية الأوروبية. كما أنه كان محاضراً زائراً في جامعات مختلفة في العالم.
عام 1996 قام بإخراج أول أفلامه الروائية الطويلة 'سجل اختفاء' الذي حصل على الجائزة الأولى بمهرجان فينيسيا للأفلام.
عام 2002 أخرجَ فيلم 'يد إلهية' الذي حازَ على جائزةِ لجنةِ التحكيمِ في مهرجان كان وأفضل فيلم أجنبي في جوائز الأفلام الأوروبية في روما.
2. فيلم:( الزمن المتبقي) : فيلم من إنتاج فرنسي فلسطيني 2009.مدته: 105دقائق.إخراج وسينوغرافيا : إيليا سليمان تصوير : مارك أندري باتيني.
تشخيص: إيليا سليمان ـ صلاح بكري- شفيقة بجالي- طارق قبطي-زهير أبو حنا-جورج خليفة- لينا جرجورة- بلال زيداني...
3. فيلم : (الوصايا العشر) من أشهر أفلام سوسيل دويل 1956 -219دقيقة-ويمثل عصارة 43 سنة من حياة دوميل السينمائية كما صرح هو نفسه بذلك.
تشخيص: شارلون هيستون- بول براينر- آن باستر-ايفون دي كارلو- جون ديريك- ادوارد روبنسون.
4. بوستر كيتون: اسمه الحقيقي جوزيف فرانسيس كيتون 1896-1966.مخرج وممثل أمريكي .وهو العبقري الكوميدي في فيلم (الرجل الذي لم يضحك أبدا).من أعماله : (قوانين الضيافة1923- رجل الكاميرا 1928..) منحه شارلي شابلن دوراً صغيراً مؤثراً في أحد أفلامه سنة 1952.ولم تكتشف عبقريته إلا بعد وفاته.
5.جاك تاتي :1907-1982 مخرج وممثل كوميدي فرنسي .يمثل في إبداعاته وتشخيصه نضجاً كبيراً .أخرجَ أفلاماً عديدةً منها : (يوم الاحتفال1949-
عطلة السيد هيلو1953- استعراض 1974..).
عن مجلة بوزيتيف- عدد تموز (يوليو) 2009-مزدوج--ص132
×××××××××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الشعر والفلسفة..أية علائق ممكنة؟ مهدي بلحاج قاسم ترجمة:

19-آب-2017

الزمن المتبقي (سيرة الحاضر الغائب) لإيليا سليمان / فانسان ثابوري ترجمة :

31-آب-2010

الكتابةُ بين الهجرةِ والمنفى ترجمة:

18-آب-2010

نص / هنا في اللاذقية تصحو الكمنجات

05-أيلول-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow