Alef Logo
المرصد الصحفي
              

والأسباب دوماً رسمية

سوزان إبراهيم

2010-11-05

غيّر طريقة تفكير الناس, فلا تعود الأمور كما كانت!
" دونالد وودز" صحفي أبيض ناصر قضية " ستيف بيكو " الزنجي المناضل الذي قتله نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا, هكذا يقدمه فيلم
( cry freedom )
ويعرض لنا ما واجهه ذلك الصحفي نتيجة مساندته للزنوج, من أبناء جلدته ولونه, لأنه يملك فكراً إنسانياً و لأنه خرج عن إجماع الظلم. يهرب وودز بطريقة مثيرة, بمساعدة الزنوج, ليكتب عن القهر والعذابات التي كان شاهداً عليها, وهكذا خرج كتابه ( بيكو ) للنور عام 1978 .
في مشهد ثورة الطلاب في سويتو الذين خرجوا للتنديد بالتمييز العنصري وليصرخوا: تحيا أفريقيا, سقط 700 طالبا وجرح 4000 آخرين. ينسدل الستار على مشهد القتل والدماء, بينما تتوالى قائمة بأسماء القتلى الزنوج في سجون نظام الفصل العنصري في بريتوريا, ممن ازدحمت بهم سجلاتها, مع قائمة مماثلة بأسباب موت ( قتل ) كل منهم ومن تلك الأسباب:
وفاة طبيعية, نوبة صرع, سقوط من الطابق السادس أو التاسع أو ..., قتل أثناء الفرار, انتحار, نوبة قلبية, .....إلخ. أسباب الموت- القتل هنا تتشابه, وكذلك الضحايا الزنوج!
فهل تسنى لأحد منا الاطلاع على سجلات سجون الأنظمة العربية, وقرأ قوائم مشابهة بأسماء المعتقلين الخارجين عن الإجماع القسري وأسباب موتهم - قتلهم؟ وماذا عن أولئك الذين تهرّأت عظامهم في عتمة ورطوبة وبشاعة السجون, ممن لم نعرف لهم أسماء أبداً! ماذا عن أولئك الذين أفرجت عنهم الأنظمة وقد اقتربت أرواحهم من عتبات الموت, فقط ليموتوا خارج الأسوار وبما يعتبر مبادرة إحسان وكرم أخلاق منها!
بين البيض والسود تاريخ من الظلم والقهر والاستعباد والرق والسخرة, ولكن أي تاريخ هذا الذي يجمع الشعوب بحكامها في المنطقة العربية؟!
ألا يمكننا وبجرأة أن نقول إن اشكالاً عديدة من الفصل تمارس في عالمنا العربي خلف شعارات براقة نرفعها في فضاء الاحتفالات, وأمام عدسات الكاميرات, ومسؤولي المنظمات العالمية؟ فأي حفل يقام بعد إطفاء الأضواء ورحيل مندوبي وكالات الأنباء؟ أظنه حفلاً يشبه تماماً ما حفظه التاريخ العربي من مآثر عن بعض خلفائه, ممن أولموا للضيوف طعاماً وشراباً, ثم غدا هؤلاء وليمة دسمة للسيوف! أي اسم قد نطلقه على الفصل بين الفقراء والأغنياء؟ بين الرجل والمرأة وبمساندة ومباركة من حكّام الظل- رجال الدين؟ بين المسلم وأخيه المسلم؟ بين المسلم و جيرانه من أهل الذمة كما يسمّون؟ بين الحاكم والمحكوم؟ بين وبين وبين .....
غيّر طريقة تفكير الناس... بلى إنهم يفعلون, ولكن ليس باتجاه المستقبل, بل باتجاه الماضي, إنهم يشدون الماضي من أذنيه شداً ليدسّوه بيننا بكل مستحاثاته ومحنطاته ومقدساته التي ربما كانت صالحة لزمان غير زماننا, ولناس غير ناسنا, ولفكر غير فكرنا!
كم عدد الذين رحلوا ( كي لا أقول قتلوا ) لأسباب رسمية كتلك التي برر بها نظام الفصل العنصري جرائمه بها؟ والأسباب هنا تأتي دائماً رسمية.
حسن.. أين ذهب رصيد الراحلين من الأحلام والطموحات؟ أين ذهبت حصصهم من أراضي المستقبل؟
هل نحتاج اليوم إلى الفراغ!
أشكال متعددة أيضاً من الفراغ السلبي تحكم قبضتها على معظم فكرنا المعاصر إن جاز لي أن أسميه كذلك: فراغ روحي, فراغ فكري وفلسفي, فراغ قيمي, فراغ إنساني, وكثير من الفراغ السياسي.
قيل يوماً إن الفراغ قد يعني البراءة, وذلك عبر إنهاء الفكر أو الماضي, والبراءة كما تعلمون مشتقة من كلمة لاتينية تعني ( غير قادر على التأذي ) فأي فراغ أو أي براءة نعيش اليوم, و أي تناقض ساخر ومرّ بين البراءة- الفراغ الذي نحتاجه بإلغاء سطوة الماضي, وبين الفراغ الذي تحشى به العقول والحياة العربية!؟
أعتقد أن الأنظمة العربية تتمتع بذكاء غير مسبوق, حيث تدفع بنا بكل قوة إلى الجنون, ولأنها حريصة على سلامة (المواطن) كعدد انتخابي – إن وجدت انتخابات - سرعان ما تفتح لنا المصحات للمعالجة, وهكذا يقضي العربي معظم وقته بين مكانين: المصحة العقلية, أو المعتقل!! ثمة مكان ثالث بالتأكيد لكل الطيبين المسالمين: تحت الأقدام!
أتذكر الآن سركون بولص وهو يقول:
" البرق يخيط السماء بأسلاك من الفضة, المطر يغسل النوافذ بماء المعجزات, هذه الساعة التي ستدنينا أو تفرقنا, أو تذكرنا بأن ليلتنا هذه قد تكون الأخيرة, ونعرف أنها خسارة أخرى, سيعتاد عليها القلب مع الوقت, فالوقت ذلك المبضع في يد جراح مخبول, سيعلمنا ألا ننخدع بوهم الثبات: أقل مما يكفي.. أكثر مما نحتاج "
كلا يا صديقي الشاعر ليس الثبات على الأرض العربية وهماً, إنه خبزنا اليومي, فكل شيء في حياتنا ثابت حتى الخسارة,
من أهم عمليات الفكر الديني: التمجيد والتجميد, وقد واظب رجال الدين في كل زمان ومكان على نشر ذلك الفكر عبر شدّنا وتوثيقنا إلى جذوع تلك المقولتين, ولم يجد النظام السياسي العربي خيراً منهما لاستكمال عملية تطهيرنا وتعقيمنا من كل طموح بواقع مغاير منفتح حر نمارس فيه أبسط الحقوق, وأعني التطلع إلى الغد.
عن أي تغيير يتحدثون؟ عن أي ديمقراطية؟ عن أي حرية؟!
نحن يا سادة نعيش في قلب آلة ضحمة لتدوير نفايات الماضي, لأن الفكر الديني والسياسي يرى خلاصنا في تمجيد الماضي, وتجميد حدود تفكيرنا لتنطبق على حدوده.
قالوا في الحرب الباردة كان هناك سباق للتسلح, وبعد انتهائها هناك سباق للتدين! أين نهرب إذاً من فكي كماشة تجوس بحثاً عن أجسادنا وعقولنا وأرواحنا؟
سوزان ابراهيم
[email protected]

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

قنابل مسيّلة للوطن

17-آب-2011

لقطات سريعة

10-آب-2011

وما زال الموت مستمراً

03-آب-2011

لماذا الأشهر الحرام؟

27-تموز-2011

اللعب بالنار وأصابع الوطن

20-تموز-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow