في افتتاحية مجلة المعرفة العدد 523 نيسان 2007 جاءت مقالة الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة تحت عنوان " حركة الحداثة العربية " وقد عرض الدكتور في هذه المقالة رؤيته ونقده لحركة الحداثة العربية ،تاركا ً الباب مواربا ً لشعاع ينفذ تمثله رؤية أخرى أحاول تقديمها من خلال مناقشة الأفكار التي طرحها الدكتور آغا .
تنتهي المقالة إلى أن الفشل الذي حصدته حركة الحداثة العربية في أن تتحول إلى حالة فكرية وحياتية معاشة ،كان طبيعيا ً نظرا ً لغربة هذه الحركة عن الذات العربية ،وما تمثله من إرث ومن هوية ، فاقتصرت هذه الحركة على الفنون ،يقودنا هذا الاستنتاج إلى سؤال يصاغ بشكل آخر ،هل من الطبيعي أن تفشل حركة نهضوية تنويرية ـ على الأقل كما تدعي ـ في مرحلة مفصلية من تاريخ العالم الحديث وفي منطقة أحوج ما تكون إلى حراك ما ،يخلخل حالة ركود وسكون عاشتها منذ زمن ؟ ألا يحيلنا هذا السؤال إلى مفارقات موجعة ؟
هذا بشكل عام ، أما في التفاصيل ،فمن المآخذ على الدكتور آغا نظرته عن الحداثة وكأنها كائن واحد
يتحدث وينظـّر بصوت واحد ، مع العلم أن تنظيرات الحداثويين حملت تباينا ً ،حتى في موضوع القطيعة المعرفية ،إذ تراوحت الآراء بين دعاة القطيعة التامة ، وبين دعاة محاورة الإيجابي من التراث ،والدليل على ذلك الإضاءة على النصوص الصوفية ،بل والتعويل عليها جماليا ً فيما يخص الكتابة الإبداعية .
بالعودة إلى موضوع اقتصار الحداثة على الفنون وعدم انتقالها إلى أن تصبح آلية تفكير ونمط عيش ،أتفق مع الدكتور آغا في وجود هذا الخلل ,ولكن لننظر إلى حركة الحداثة الغربية ،كم من الزمن استهلكت وكم من الأثمان دفعت ـ ابتداءً بمواجهة سلطة الكنيسة إلى أن انتهت بتسيد العقل كنهج حداثوي ـ حتى أرست المفاهيم الفلسفية النهضوية الجديدة كأرضية يبنى عليها للانطلاق نحو المناحي الأخرى الفنية والحياتية ،بمقارنة تلك الحالة مع الحالة العربية ـ وهي مقارنة غير جائزة ولكن لا بد منها ـ نرى أن الحالة السكونية اللانقدية ،بل الثابتة العصية على التغيّر ،كما عبّر الدكتور ،هي السائدة ، إذا ً هي حالة من الانفصامية عاشتها الذات العربية ،بوجود تلك الهوّة بين الفنون وبين الواقع الحياتي .
الموضوع الأخطر الذي تحدث فيه الدكتور هو موضوع الهوية ،فتحدث عن قيام حملات لإحياء الإثنيات والأقليات بداعي حمايتها ،وهذا يقود إلى التساؤل هل كانت الأقليات ميتة أو مذابة أو مجبرة على الذوبان ؟ وهذا السؤال يولـّد آخر ..
من نحن ؟ ما هويتنا ؟ هل نحن كيان واحد ذو خلفية فكرية وثقافية ودينية واجتماعية واحدة ؟ أقول جازما لا ،فمجتمعاتنا تحمل من التنوع والاختلاف والتعدد والتلون ،ما يؤهل هذا التنوع لأن يكون أهم نقاط قوتنا التي لم نستطع الاستفادة منها إلى اليوم .
في موضوع آخر يشير الدكتور إلى دعوات حداثوية لاعتبار القرآن الكريم نصا ً تاريخيا ً ،وهذا موضوع حساس جدا ً نظرا ً لقدسية هذا الكتاب لدى المسلمين باختلاف مذاهبهم ،ولكن هل تُمس قدسية القرآن إذا تمت دراسته جماليا ً ـ أدبا ً وبلاغة ـ وتاريخيا ً ـ كنصوص تاريخية ؟ خاصة وأن الدراسات الدينية التي تناولته كثيرة جدا ً ،أليس من الإغناء لهذه الثقافة إضافة هذا النوع من الدراسات التي تضيء على جوانب جمالية في القرآن لم يتناولها أحد من قبل .
يختتم الدكتور آغا مقالته بقوله إن الحداثة العربية تجاهلت التجربة العلمية الضخمة في التراث ،بعدم الحديث عن العلماء العرب المسلمين الأقدمين ،طبعا ً إن هذا التجاهل حالة سلبية نظريا ً ، ولكن لنرى الموضوع بشكل عملي أكثر ،إذا كان الغرب قد استفاد من الإرث العلمي العربي الإسلامي ،وكان هذا الإرث ركيزة أساسية لتطوّره العلمي ،فما هو العيب في أن نأخذ من الحالة العلمية الغربية أخذا ً غير استهلاكي ، ولكن أخذا ً بنائيا ً تطوريا ً ، سؤال آخر يولد لماذا يبرع العلماء العرب اليوم علميا ً خارج بلادهم ـ مثال لمناسبة الحديث إذ نستطيع أن نقول في مجالات كثيرة ـ ولا تظهر قدراتهم داخل بلادهم ؟؟
ختاما ً : لعلنا ننتمي إلى ثقافة الاستثناء شئنا أم أبينا ، ولعل هذا الاستثناء نفسه ،يعاني الغربة والنبذ بل والقطيعة .

حسن أبو الشملات