بين الرمل والماء مسافة ظمأ, وعناق مستحيل...
ولأن الرمل صحراء, ولأن الماء حضارة, كيف للعرب أبناء الرمل, أن يأتلفوا مع الحضارة؟
هم أبناء العطش والترحال والغزو, فكيف يأمنون سلاسة الماء وقدرته العجيبة على اتخاذ كل الأشكال والألوان أينما استقر؟!
هم أبناء الفلاة التي تضيع فيها الجهات, ويتوقف الزمن عاجزاً عن السير لأنه لا يحمل بوصلة الشمال! هم أبناء الحذر والخوف والتربص من مخلوقات واقعية, وأخرى اخترعوها, ليبرروا خوفهم وتربصهم!
هم أبناء اللامطر فكيف يخصِبون؟ أبناء القحط فكيف يجودون؟ أبناء القيظ فكيف يعتدلون؟
في معتقدات الصحراء يغدو حب الماء خيانة..
الماء كالمحبة لا يتكبر.. لا يتذمر.. لا يسأل مقابلاً فهل يفلح أبناء الرمل في تخطي امتحان الحب؟!
الماء لا يعرف حقداً ولا عصبية ولا شوفينية ولا قطرية ولا قومية.. لا هوية له.. لا جنسية .. لا حدود.. لا سفارات.. لا قنصليات.. لا علاقات دبلوماسية.. لا مخيمات.. لا أسوار.. مواطن اسمه الماء.. كل المكان وطنه.. فهل لأبناء الرمل أن يتخطوا كل تلك الحواجز والقفز فوقها ليصبحوا بشراً سوياً؟!
الرمل منافق لا يحفظ للود مكاناً في ذاكرته....هو قادر على استبدال آثار أقدام داسته, بآثار أقدام أخرى تدوسه.. يجيد التململ تحتها, وينخسف ليفسح لها مكاناً في قلبه... يبتسم ويحنو على قدميك طالما أنت تعلوه وتدوسه, وعند أول موجة يمحو ما كان ويستجد جديداً..
لا يمكن للرمل أن يتحول إلى كتلة واحدة متجانسة, ولو اجتمعت مياه الكون وقوة ضغطه العظيمة... لا يمكن لحبات الرمل أن تتوحد وتشكل كينونة مستقلة... ولهذا لا يمكن للعرب ورثة الرمل أن يتحدوا!
في الرمل تتحول الأوراق إلى إبر شوكية للتأقلم مع أحوال الطبيعة, في محاولة للبقاء ومنع نتح الماء من سطوحها العريضة, هكذا فعل العرب عندما تحولوا من أوراق خضراء عريضة تنتج الندى والخضرة, إلى إبر شوكية خائفة تملك شهوة إسالة الدم مستعدة دوماً للهجوم حتى ضد نحلة أو فراشة!
ما زال الوقت العربي الرملي منتشياً بخمرة الأمس منذ أن أعلن شاعرهم أن اليوم خمر... ونسوا أن غداً أمر...
في قوانين الفيزياء لا يمكن للماء أن يغلي في قمم الجبال, لكن العجيب أن الماء العربي لا يغلي حتى في المنخفضات, ولذا لا يمكن لبيض المستقبل العربي أن ينضج, مهما ارتفعت درجة الحرارة... لا يغلي الماء العربي أو العقل العربي أو الدم العربي مهما ارتفعت درجة حرارة الخطوب, لكن الشرف العربي يغلي ويفور عند درجة الصفر الشرعية!!
على مائدة الرمل العربي المضياف تتوفر كل أنواع الوجبات المعلبة واليقينيات اللذيذة المنكهة بفلفل الماضي العتيق.. أما الطبق العربي المفضل فهو وجبات خمس وأركان خمسة!!
في الرمل العربي لا وطن حقيقياً لجسدك إلا في الألبسة والأحذية!!
الرمل وطن التملق.. هنا يصبح كل الكتّاب رعاة, ويصبح كل الكلام خرافاً للتسمين
تعلف بتبن المديح والتبجح... لتستحق الذبح على موائد الأمير..
في الرمل العربي " لا ثقافة هنا إلا ثقافة الأثر " ولا قدم تنغرس عميقاً إلا قدم الله!!
سوزان ابراهيم
[email protected]