Alef Logo
كشاف الوراقين
              

حول تشيخوف / ترجمة

زياد الملا

خاص ألف

2011-04-26

صدر عن الهيئة العامة للكتاب في سورية كتاب حول تشيخوف لقاءات وانطباعات ذكريات ميخائيل تشيخوف عن شقيقه الأكبر أنطون تشيخوف، وتأتي أهمية الكتاب من ندرة ماكتب عن حياة تشيخوف الشخصية، وإنها تأتي من شقيقه ميخائيل.. ستقوم ألف بنشر مقتطفات من هذا الكتاب الهام والذي ترجمه المترجم الأساذ زياد الملا عن الروسية .على حلقات

ألف


مقدمة

اكتشفت في إبداع تشيخوف روحاً أميل إليها بحميمية . فهو لا ينطوي على سطوة وحشية مثل دوستويفسكي الذي يدهش ويلهم ويروع ويحيّر بل هو كاتب تستطيع أن تعقد معه صلات أليفة. وأشعر أنني تعلمت منه أكثر مما تعلمته من أي مبدع آخر. لقد تعلمت منه سرّ روسيا. بهذه الكلمات المعبرة لخص كاتب القصة البريطاني الشهير سومرست موم رأيه في أنطون تشيخوف.
وأما انغمار برغمان فقد كثف رأيه في جملة قصيرة للغاية قائلاً:
" تشيخوف مثل شكسبير. إنهما قدري في المسرح" .
ولعل آرسكين كالدوين قد ذهب أبعد من غيره في تقويم تشيخوف إذ يقول:
" إليه يعود الفضل الأكبر. فهو الذي ألهمني وأعطاني منذ أن اكتشفته وأنا تلميذ صغير."
ويرى الكثيرون من النقاد أنه لا وجود لكاتب مبدع ومتحرر من تأثيرات كتابات تشيخوف لأن الفن عنده هو، كما يقول برغمان:" أشبه باختراق أعماق الحياة من خلال جدران صماء عالية.. "
وكان يوسف ادريس قد قرر التخلص من التأثير التشيخوفي عليه ومزق إحدى قصصه ثم مزق عدة قصص أخرى لأنه كان يرى أنها تشيخوفية للغاية. ولكن سرعان ما قطع الأمل وكتب بهذه الروح التشيخوفية. والحال نفسها تنسحب على الكاتبين المبدعين سعيد حورانيه وحسيب كيالي.
كتب ليف تولستوي: " تكمن قيمة إبداع تشيخوف في أنه ليس مفهوماً وقريباً جداً من كل روسي فحسب بل، أيضاً، من سائر البشر في كل أرجاء المعمورة..."وهو ، والكلام لتولستوي" فنان الحياة الذي لا يقارن به أحد". ويمكن لتشيخوف، كما يقول جون بريستلي: أن يكون نموذجاً مميزاً لإنسان من طراز جديد، لإنسان يحتاج إليه عصرنا حاجة ملحة للغاية" .
ولد أنطون تشيخوف في عائلة تاجر متوسط الحال من مدينة تاغانروغ الروسية الجنوبية وله ستة إخوة. وقد ورث من هذه الأسرة حب الحياة والموهبة الساطعة إلا أنه لم يرث فلساً واحداً من النقود. وأصبح بسرعة خيالية، إنساناً بحرف كبير بفضل دأبه الذاتي إضافة إلى موهبته الفطرية الأخاذة .
وما أن استقر به المقام في موسكو حتى أخذ ينشر المقالات والزوايا الصغيرة والفكاهية ثم انتسب إلى كلية الطب دون الانفصال عن عالم الأدب وصار الطبيب الشاب يعالج المرضى ويبدع قصصاً قصيرة لنشرها بالاسم المستعار( أنطوشا تشيخونته) وتتالت المسرحيات القصيرة الخفيفة (الفودفيل) ومنها "ايفانوف) عن (هاملت الروسي) الباحث عن مغزى الحياة و (السهب) وغيرهما من القصص والمسرحيات القصيرة.
لاقت قصة (العسل البري) نجاحاً منقطع النظير في عواصم أوروبا لاسيما على خشبة مسرح ليتلتون بلندن. وفي عامه العشرين نشر( الصياد) و ( كآبة) و ( ترتيلة الموت) . وفي تلك الفترة بدأ يشغل اهتمامه الشأن السياسي والاجتماعي.
وفي عام 1883 نشر (فرحة) و (الكبش والآنسة) و (المغفلة) و (وفاة موظف) و (الصبي الشرير) و (البدين والنحيل) وغيرها. وفي عام 1885 صدرت له (الدبلوماسي) و (المتمارضون) و( مع سبق الإصرار) و (المصيبة)
في عام 1888 نال تشيخوف جائزة بوشكين لقاء مجموعته القصصية ( الغسق). وفي عام 1889 يصاب بالسل فيسافر إلى منتجع يالطا حيث يشاهد هناك لهو الأثرياء وعبثهم وسخافاتهم. ونشرآنذاك قصة (حكاية مملة) عن المثقفين الروس والتي رأى فيها توماس مان ( قصة خارقة لم يشهد الأدب العالمي مثيلاً لها) .
وفجأة يقطع الكاتب روتين حياته فيترك الدار والمدينة ويشد الرحال عابراً روسيا كلها إلى ساخالين في الشرق الأقصى وحيث تقع سجون الأشغال الشاقة والنفي القيصري وحيث الأمطار الهائلة والصقيع والرياح الشديدة والقحط والحرائق والأنهار الخطرة. كانت ساخالين ضرورية له بصفته( فنان الحياة) ليطلع، عن قرب على (جزيرة الأشغال الشاقة) وعلى الآلام والعذابات البشرية. والتقى ببعض السجناء والمنفيين. وبعد هذه الرحلة صدر له كتاب وثائقي عنوانه ( جزيرة ساخالين) ضمنه مشاهدات حقيقية ومرة للغاية.
شارك تشيخوف مشاركة نشيطة في الحياة الاجتماعية والإنسانية. ففي قرية ميليخوفو القريبة من موسكو والتي كانت تعيش فيها أسرته تم فتح دائرة بريد ومستوصفين كما بنى تشيخوف ثلاث مدارس بجوارها، وتابع، في الآن ذاته، ممارسة مهنة الطب بالمجان. وفي أثناء انتشار وباء الكوليرا قدم تشيخوف خدماته وحيداً لمنطقة فيها ست وعشرون قرية وأربعة معامل ودير واحد وأسهم، بذلك في وضع حد لانتشار هذا الوباء الفتاك.
كتب تشيخوف في ميليخوفو أكثر من أربعين قصة ومسرحية منها"العنبر رقم 6" و "الرهيب" و" البيت ذو العلية" الكئيب و"النورس" الشاعري وأحدثت "النورس" انعطافاً هاماً في الحياة البشرية إذ تناولت مصائر البشر بذلك الاكتمال والبساطة والموسيقى مثلما هي الحال في الرواية. لقد تحدى تشيخوف الروتين المسرحي فتلقى ضربة مؤلمة إذ أخفقت النورس في عرضها الأول في بطرسبورغ إخفاقاً شديداً، "وما كان مني إلا أن طرت من بطرسبورغ كالقنبلة حسب قوانين الفيزياء..."
كانت الضربة غير متوقعة وقاسية في آن واحد وكان المرض قد تفاقم واضطره كي يغير مكان إقامته فأخذ يقضي وقته في القرم ويالطا بعيداً عن موسكو التي ازداد حنينه إليها. وبنى لنفسه بيتاً ( الكوخ الأبيض) في يالطا وزرع حديقته بيديه وصار يستقبل رجالات الثقافة والأدب والفن الذين كانوا يزورونه دوماً مثل تولستوي وغوركي وبونين ورحمانينوف وشاليابين وكتب في تلك الفترة" الشقيقات الثلاث" و "السيدة والكلب" وغيرهما.
وفي عام 1900 عرضت "الشقيقات الثلاث" على خشبة هذا المسرح وأخرجها ستانسلافسكي. كما أعاد في هذا المسرح عرض " النورس" وصار النورس رمزاً لا لمسرح موسكو الفني فحسب بل لمسارح عديدة في أوروبا. وفي هذا المسرح بالذات وجد سعادته الشخصية المتأخرة والصعبة إذ تزوج الفنانة المسرحية الشهيرة والرائعة اولغا كنيبر.
لم يفقد تشيخوف روح المرح والفكاهة والاهتمام بالحياة والعناية بالبشر حتى في أشد حالات المرض، وبعد تفاقم الانتفاخ في الرئتين سافر إلى ألمانيا للمعالجة وبرفقته شريكة عمره في السنوات الأخيرة ولكن دون أمل.
لقد فارق تشيخوف الحياة على الطريقة التشيخوفية بكرامة وبساطة إذ استيقظ في بداية الليل ولأول مرة في حياته، وطلب استدعاء الطبيب.. وعندما وصل الطبيب قال له تشيخوف: ( إنني أموت) ثم رفع كأساً من الشمبانيا وأدار وجهه نحو اولغا وابتسم ابتسامته العجيبة، قائلاً : لم أشرب، منذ فترة طويلة، الشمبانيا. وشرب الكأس كلها وتمدد بهدوء على جنبه الأيسر وسرعان ما صمت إلى الأبد بعد أن عاش أربعة وأربعين عاماً وترك تراثاً خالداً في ثلاثين مجلداً بحيث صار كما قال غوركي ( ضرورياً لكل إنسان بشكل عام).
وتعود العلاقة الوطيدة بين غوركي وتشيخوف إلى فترة بعيدة إذ حدث التقارب الأول بينهما في ساحة النضال المشترك ضد الأدب الانحطاطي وفي عام 1902 كتب تشيخوف رسالة إلى أكاديمية العلوم طالباً فيها شطب لقب العضوية الفخرية عنه احتجاجاً على الرفض الامبراطوري لقبول مكسيم غوركي فيها. يقول غوركي: ( تعود قوة موهبة تشيخوف الهائلة إلى أنه لم يختلق شيئاً كما لم يصور شيئاً لا وجود له في الحياة). هذا هو تشيخوف الطبيب والأديب والإنسان.
المترجم




تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

فصل من كتاب حول تشيخوف ترجمة

22-أيار-2011

حول تشيخوف / ترجمة

26-نيسان-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow