(1)هيراقليطس.. وبارمينيدس
أعتقد أن هيراقليطس كان على حق حين قال: لن تسبح في النهر مرتين.
أعتقد أن بارمينيدس كان على حق أيضاً حين قال: لا جديد تحت الشمس.
كل الماء= H2O ... كل الهواء= CO2 + O2 + H2 وخليط من غازات قليلة أخرى!
والشمس قديمة جداً ونحن كذلك!
هيراقليطس أنت على حق.. لكنك تملك نصف الحقيقة! بارمينيدس أنت على حق.. لكنك تملك نصف الحقيقة أيضاً!
كان هيراقليطس يرى الدولاب... وكان بارمينيدس يرى المحور.
كل شيء آنيّ... كل شيء مؤقت.. وحدهُ قلبكُ هو الحقيقة.
****
العقل ينظر إلى الكل ويحلله.. العقل كيمياء.. القلب يرى الأجزاء ويجمعها.. القلب روح
لا دولاب (نصف حقيقة) دون محور (نصف حقيقة)
ما فائدة دولاب دون محور؟! أي قيمة للمحور دون دولاب؟!
فاخترِ الصمتَ لأنك لا تملك إلا أنصاف حقائق!
***
(2)قتل جماعي
في كتابه (أثر الفراشة) يقول محمود درويش:
"من يدخل الجنة أولاً من مات برصاص العدو, أم من مات برصاص الأخ؟! بعض الفقهاء يقولون: ربَّ عدوٍّ لك ولدته أمك". ويقول:
"البيت قتيلاً هو أيضاً قتل جماعي حتى لو خلا من سكانه.. مقبرة جماعية للمواد الأولية....
وتقتل ذاكرة الأشياء.. أشياونا تموت مثلنا لكنها لا تدفن معنا"
عزيزي محمود درويش إن ( أنايَ ) تقرؤك السلام وتقول لك:
البيوتُ واقفةٌ.. فاليوم ثمة قتلٌ جماعي لأشياء البيوت.. لذاكرة البيوت.. لذاكرة الأحياء.. الشوارع.. المقاهي.. الحافلات.. اليوم ما عادَ نفسُ الإحساسِ يراودني وأنا أعبر أي شارع إلى بيتي.. إلى عملي.. إلى الحديقة.. إلى فنجان قهوة على ناصيةٍ هنا أو هناك...
صرختُ: أريد ذاكرتي القديمة بكل ما فيها.. يا سامعين الصوت ذاكرتي تنزف أنجدوني قبل أن تلفظ آخر ذكرى! يا سامعين الصوت أين سيارة الإسعاف؟ أين طبيب الطوارئ؟ قد يقومون بنقل ذاكرةٍ أخرى لي! أنقذوا بعضاً من خلايا ذاكرتي القديمة ليزرعوا لي ذاكرةً تشبهني..
كي أعرفني .. كي أعرف أن هذا جاري.. وذاك صديقي.. وأن هؤلاء أبناء حيي..
***
(3)النكرة والتعريف
( نكرة 1) يفتي.. يتبعه قطيع.. ( نكرة 2 ) يفتي.. يتبعه قطيع.. نكرة 3.. نكرة 4..نكرة......
تتكاثر النكرات.. وتختنق المُعرّفات.. يتناسل الفعل المبني للمجهول.. ويكثر نوّاب الفاعل..
المعرَّفُ تحديدٌ.. والنكرةُ إطلاق.. في اللغة الشعرية يحبّذون النكراتِ لأنها تطلق للخيال حرية البحث عن معرّفاتٍ تستوطن خلف النكرات.
لكنْ.. للنهر حياة بين ضفتين.. ولا بد لها من معرّفات لا نكرات.. ليبقى النهر في مجراه.. فإن تنكرت الضفاف.. تاه النهر وفاض وتشعب وذهب ماؤه هدراً!
سوزان ابراهيم
[email protected]

بالتزامن مع جريدة الثورة