Alef Logo
يوميات
              

الشيوعي الطنط

فارس البحرة

2008-03-17

كيف يعرفه الجميع ما عداي ؟
يتكلم عنه أولاد الحارة و بنات خالي ، ألتقط إسمه من حديث صبيين يتنزهان في الشارع ، وباء أصاب الجميع دفعة واحدة و بقيت منيعا ً عليه ، أو فلنقل تمنّع هو علي .
أحضر أخي فيلم thriller من محل الفيديو ، لم أتوقع أنه أسود ، تخيلته أبيض ضخما ً بوجه رجولي ،
لا يهم ، فهذا هو، و هاهو المخرج يمسك بقدمه و يقول : " هذه قدم مايكل جاكسون ! ".
كم بحثت بعد ذلك عن جورب ذي معينات كالذي كان يرتديه .
سأذ كره بأحاديثي ، سأصير من عارفيه ، سأغمض عيني في فيديو كليب أغنية " ثريلر " ينزاح غيم عن قمر مكتمل ، جاكسون يتحول إلى وحش ، ومأخوذون يخرجون من القبور ليرقصوا خلفه.
أنا أيضاً أريد الخروج من تحت الأرض و الرقص خلفه ، أو حتى محله ، كالملسوع ، كالمتذئب ، كأنما أصابني جنون القمر ، رحت ألهج بمايكل جاكسون ليل نهار .

" لماذا تزعق الفتيات عندما يظهر على الخشبة ؟ " لم أسأل نفسي آنذاك ،
الجواب كان بديهيا ً، بل هو البداهة نفسها ، " تزعق الفتيات لأنه ظهر على الخشبة "
فهو الملك
لماذا هو الملك ؟
ربما لأن الفتيات يزعقن عندما يظهر على الخشبة !
أبي و أمي يقولان : هيستريا و تسويق و شذوذ جنسي .
انقسم الناس بين محبين وكارهين ، سرعان ما انضم أخي الذي يكبرني بست سنوات إلى فريق أمي
و أبي .
أنا اخترت النفاق ، أو فلنقل التقية ـ مثل كثيرين ـ أعلنت كرهي ، و أضمرت إعجابا ً، بل انذهالا ً.

كان التعبير الفني عن بدء عصر جديد : عصر لا تسل ، أو لا تتعمق بالسؤال ، عصر قد يكون الجواب فيه رقصة ، أو زعقة ، أو بوضع راحة اليد اليسرى على عضل الذراع الأيمن و ثني الساعد الأيمن عليهما .

الجواب الشعبي على هذه الظاهرة كان عبقريا ً في سخريته و بلاغته واختزاله و قسوته ،
كل من يتشبه بمايكل جاكسون ومن لف لفيفه ، أو يعلق صورهم ، أو يسمع أغانيهم : طنط !
قُسّم الشبان و المراهقون في فسطاطين : طنطات و غير طنطات .
و أذكر فيما بعد أننا في أجواء اتحاد الشباب الديمقراطي طرحنا موضوعة : ما هو تعريف الطنط ،
و من هو الطنط الحقيقي ، كما أخبرني أحد الرفاق أيامها أنه عضو مؤسس فيما كان و أصدقاؤه يدعونه : جمعية تحويل الطنطات إلى أبطال . يستخدمون الضرب كوسيلة تحويل .
كان لهذه الكلمة على نفوسنا ـ نحن الطنطات ! ـ وقع الفيروس الكفيل بتدمير جميع البرامج التي أنزلناها في رؤوسنا من محلات الكاسيت و مجلتي برافو و سالوت ، أستخدم هذا التشبيه مع أنه في ذاك الزمان لم يكن الكمبيوتر قد أخذ من الأهمية ما ناله في التسعينات و بعدها .
كحل توفيقي عفوي للبقاء ( مميزين و عصريين ) لكن (غير طنطات ) ارتأينا التضحية بمايكل جاكسون : هو الطنط !
خاصة بعدما تناهى لسمعنا تصريح نسب إليه فيه أنه لو عرف أن العرب سيستمعون إليه ما غنى .
ثم أن ( مايكل ) بدأ يصير قديما ً، و لم يكن إنتاجه وحده كافيا ًلسد الجوع الذي أشعله فينا ، أنا شخصيا ًأخذت باستبعاد كل من تلوح عليه شبهة المثلية الجنسية من قائمة النجوم الذين أحبهم ، لأصير بذلك أكثر انسجاما ًمع مثلي العليا ، و قبولا ًمن قبل أبي ، و أتجنب الطيف الأكثر إيذاء الذي تحمله ـ فيما تحمل ـ كلمة طنط .

لكن جاكسون كان أول الغيث ، أول الأعراض فحسب .
سرعان ما ترددت صيحة : كومنشيرو.. في باحات المدارس ، سوزانا ، لايف إز لايف ، تردد إسم فريق مودرن توكنغ ، والصيحة المميزة لأغنية سيلف كونترول: أوو وو و ، أوو وو و ! الأغنية التي تم تحريفها ، أو بالأحرى صناعة أغنية على قدها ، فبينما تقول الأغنية :
Oh the night it,s my world
يصدح ولد من الشارع عبر نافذة غرفة المعيشة بالقدّ الذي يقول :
بوط النايك أحسن بوط

لم تكن كلمات الأغنية تهمنا كثيرا ً ، نادرا ًما حفظت أكثر من مقطع أو اثنين من أغنية ، ما كان يهمني هو جوها و ما توحي به لخيالي من حرية و انفتاح و عصرية .
حذاءNIKE كان التجلي الأعلى للحرية و الانفتاح و العصرية ! من لديه حذاء نايك ـ هكذا كنا نلفظ الماركة ـ حتما ً يعيش ، به تطأ أقدامك العصور الحديثة و تفشخ فوق حدود المكان . النايك ملكٌ مثله مثل مايكل جاكسون . من يضع قدميه في نايك يقف في أميركا حتى لو بدا قبالتنا !
عندما كنت طفلا ًإبن ستة كنت أبدأ برسم الأشخاص من أقدامهم ، عندما صرت مراهقا ًلم أعد متفردا ًبذلك ، فتميزالإنسان يبدأ من ماركة الحذاء ، فتصفيفة الشعر ، فالثياب ، فالموسيقا التي يسمعها ، ولمسة الكمال تأتي من الرقص .
لم يكن سهلا ًتعلم البريك دانس من أفلام الفيديو ، و ممارسة هذا الرقص في مكانه الطبيعي أي الشارع ،
وكل من مرّ و لمحنا يسارع بالتشخيص : طنطات !
كنا نعاني كأصحاب القضايا و الأديان الجديدة ، فالتخلي عن الرقص كان يعني أن نضيع في الحشود ونفلت الخيط السري الذي يصلنا بالعالم ، يومذاك لم يكن هناك إنترنت ولا فضائيات ، ولا هوائي تلفزيوننا يلتقط الأردن ، مع ذلك التقطت رؤوسنا ذبذبات العولمة الأولى التي راحت تسيرنا أمامها كالزومبي .
نسير في الشوارع ، نركب الباصات ، نتناول الطعام مع أهالينا ، و رؤوسنا في مكان آخر . أكثر ما نكون انسجاماً قبالة مدارس البنات ، أو عندما نطلب سندويشة همبرغر من محل عصير، أو نرقص في الشارع أو في باحة المدرسة ، الأمر الذي كثيرا ًما انتهى بتبادل لكمات كنت أنخرط به بشراسة ، عساي أثبت أنني لست طنط ، و أفضل ما أحرزته شهادة :هذا الطنط قبضاي !
لا فائدة
كالغنوصيين ، كأن الواقع الذي نعيشه حجاب للحياة التي نتمنى ، الحياة التي كنا نظنها في الغرب وتسرق منا في كل لحظة .
كنا نعلم أن هذا الرقص يخص قاع المجتمع الغربي ، لا بأس أن نكون في قاع المجتمع ، لكن الغربي !

بنهاية المراهقة و الدراسة الثانوية تخليت تدريجيا ًعن الرقص ، بدأت أبحث في الموسيقا الغربية عن الأقل شهرة و صخبا ً، لا بقصد التميز فحسب ، بل لأن ذوقي الخاص بدأ بالتشكل ، و لم تعد تنطلي علي أسطورة نجوم البوب بعد أن رأيت شهرتهم مؤقتة متهافتة .
ثم إنني انغمست بالعمل ضمن إتحاد الشباب الديمقراطي ، فصار صعباً أن أدافع عن نفسي ضد تهمتين في وقت واحد : طنط و شيوعي .

في برلين ، و بعد حوالي عشرين سنة ، على طاولة الغداء ، قال لي أحمد ـ الشاب العشريني من رام الله ـ بعد أن لمح تغير ملامح وجهي ما أن ارتفع صوت أليسا من المسجلة : ألا تعلم أنها حصلت على جائزة عالمية ؟ أتطن أنك تفهم بالموسيقا أكثر ممن أعطوها الجائزة ؟
أجبته مباشرة : " أجل ! " . فأنا متأكد أنني أفهم بالموسيقا أكثر من أي لجنة تمنح أليسا جائزة .
بهذه الكبرياء أجبت أحمد
لكن هل استطعت التفاهم معه ؟
هل يمكن التفاهم معه ؟
هل يمكن التفاهم معي ؟
بل هل يمكن التفاهم مع فارس ؟
ذلك المراهق ، إبن العائلة الشيوعية ، الذي كان حلمه أن يحصل على حذاء نايك ؟ .
كإبنة خالي و أرافقه عندما يبدأ بأغنية Say say say
سأدخل العصر، وأتخلص من تهديد أن أُنسى في إحدى زوايا العالم كأي شخص عادي

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سروال سوبرمان الداخلي

17-تشرين الثاني-2010

إسرائيل النسيان

30-آذار-2010

بعض الشمس يكفي ونصوص إيروتيكية أخرى

16-آذار-2010

عن جدنا الأكبر: بيتهوفن.

23-كانون الثاني-2010

الشرموطة

19-حزيران-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow