Alef Logo
يوميات
              

قداس جنائزي مفترض ،قبل القيامة...

الفارس الذهبي

خاص ألف

2012-01-18

هي رحلة يومية في السيارة ،مشوار التنزه والهروب من الحواجز والباصات والإغلاق ،رحلة العودة إلى المنزل البعيد ...كان يمضي بسرعته المعهودة البطيئة ،لا يدري لم تهرع الناس بهذه السرعات نحو وجهاتها ؟هل هي الأعمال والأشغال ،حتماً لا :فالبلد في حالة ركود والبورصة متعبة والسهم موجهة إلى الصدور وليست إلى الصعود ولكن الناس تتسابق ربما هو تفريغ ،ربما هو الغضب المتزاحم في صدور الناس تفرغه في سياراتها ،أو لنقل هو رغبة دفينة مبهمة منهم للانتحار أو لقتل النفس هرباً من الواقع ،فما من عاقل يقود سيارته بهذه السرعات في المدينة إلا المجانين .
وما هي إلا لحظات حتى اكتظ الشارع ،أووف .
يا الله لم كل هذا الزحام ..لعله رمضان والناس تتسوق أو ربما خرج المصلون من المسجد بعد صلاة التراويح ...لا لا ...هو ازدحام عادي في هذه المنطقة من المدينة ...اقترب واقترب ...حتى وصل إلى منتصف الساحة ..كان يتقدم رتلاً من السيارات الأحادية يقف في الواجهة ...حينما رأى وجوه الناس في السوق تبدأ بالتغير ...النساء تجهمت والرجال حملوا أطفالهم وقاربوا الجدران ...أصحاب المحلات أدخلوا بضائعهم من الخارج إلى الداخل ..ووقفوا منتظرين ..أخفض هو صوت المسجل العالي لصوت فيروز في الجمعة الحزينة ...بينما توقفت الباصات خضراء اللون في كل مداخل الساحة الصغيرة المؤدية إلى طريق بيته مغلقة إياها بالكامل ...في الخلف سمع هديراً لأصوات ذكورية كانوا في العمق البعيد بينما الباصات من الأمام وهو في المنتصف.
وانتصب الكورال ...المينور كانوا الأهالي على الأرصفة ،بينما الباص العريض كانوا في الخلف يراهم هو ..
اندفع من الباصات المئات من الشبان المدججين بالعصي والهروات الذين كانوا يرنون إلى ذلك العمق بوجل وخوف باد وصارخ في أعينهم ،خوف امتزج بالغضب ،رعب اختلط بالعنف ..شراسة الخائف والمذعور كانت غريبة لمن يفترض بهم أن يكونوا أصحاب اليد العليا في القوة والسيطرة ...
واندفع هؤلاء أشباح رجال بلدي ، نحو أصوات الرجال الآخرين ..كانت المعركة منتظرة والمسرح مجهزاً ..ولا مفاجآت ...الناس لم تهرب بل على العكس اندفعت من الشرفات المطلة على الساحة بأصوات السوبرانو الصامتة ، والمتسوقون وقفوا مستندين إلى الجدران يرمقون المعركة بين الصوت والشبح بأياد مقيدة طوعاً إلى خلفهم لا يريدون التصفيق ...صوت عالي يصرخ بالحرية ،خائف مذعور وانتحاري...وشبح إنسان يقف في مواجهته ،مدجج، خائف أيضاً ...خائف على نفسه وأسرته ...وعلى إنسانيته التي تنتقص ..الأرغن والكمنجات تداخلت ،لكن الصوت البشري كان أقوى .
وبدأ الصراع..وتسارعت الحركة من بطيئة إلى سريعة ..الصراع على الساحة بين الصوت والصوت وبين الهراوة والدم ..وبين الفكرة والفكرة ...وهو في المنتصف...
أرغم على المشاهدة وخلفه رتل طويل من المتفرجين العالقين بدورهم معه ...رتل لا ينتهي من الناس علقوا مثله ..في عرباتهم ...فلا هم قادرون على الخروج والهرب وترك عرباتهم للمسائلة ولا هم قادرون على النزول ولا المضي بدورهم إلى وجهاتهم ...
وتعالت الأصوات ودارت الرحى والكورال يصدح بجنازه حتى أتت على الصوت تماماً ...بينما كان رعب ركاب الباصات يزداد والخوف بعيونهم اشتعل أكثر عن لحظة وصولهم ...اندفع أحدهم يصرخ كالمجنون ...يصرخ على الأهالي في الشرفات أن ادخلوا ..ويعيدها ادخلوا ...الى الداخل ...كان خوفه من الموبايل اللعين ...أن يوثق لحظة التخلي الإنسانية تلك ...هم يريدون أن يستبقوا على فكرة أنهم بشر يدافعون عن قضيتهم ..ولكن بأسلوب ...عنيف قليلاً ...!
وما هي إلا لحظات حتى اقترب خمسة منهم يجرون شاب يلبس قميص أحمر ... مع انحسار وانخفاض الطبقة العالية للحركة ما قبل الأخيرة ،رآهم عبر المرآة ..من الخلف ..واقتربوا حتى عبروا من أمام السيارة ..وعندها تباطأ الوقت ...خمسة شبان بألوان زيتية يحملون شاباً بقميص أحمر ...والستة ساقطين في بئر الخوف المدقع ...اقتربوا واقتربوا ..كانت خطواتهم سريعة بينما هو كان يمشي فوق الهواء محمولاً من الإبط.. ..
عبروا يرمقون الجميع بنظرات .أرأيتم هذا ما يحدث لمن يرفع الصوت ...بينما هو رمق راكب السيارة ...صديقنا ، بنظرة بطيئة مكللة بالدم ...نظرة مدججة بالمعاني ..ومضى ... كان ربما يقول :تذكرني فربما لن أعود ... أو ربما :كل ما فعلته كان من أجلك .. أو من الممكن أنه قال :أين أنت وأين صوتك ... بل :دعك في قعودك هكذا ... لكنه حتماً كان ليقول :سلامي لأمي ...أرأيت ما فعلوه بي يا ابن أمي ...
مضى الباص واختفى الجميع وفتح السير مجدداً ..وقبل أن يمضي صديقنا كان الدمع يرتجف بعينيه ...ولكنها لم تنزل أبداً فتهمة التعاطف أخطر من تهمة المشاركة ..مضى وقد احتقن في عينيه ماء ..وقد امتلأ فمه أيضاً،مع انتهاء هذا القداس ... أهو قداس جنائزي لما كنا عليه ،ام قداس احتفالي لما نحن أتون نحوه ...؟

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقالة في ديكتاتورية الفن ...

27-تموز-2012

قداس جنائزي مفترض ،قبل القيامة...

18-كانون الثاني-2012

سلام إلى مداح الشام العتيق...

08-كانون الثاني-2011

إعادة قراءة المأثور

20-كانون الأول-2010

مرثية من أجل مايكل جاكسون....

06-تموز-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow