Alef Logo
مقالات ألف
              

الفعلُ الشعبيّ في فيلم رَيا وسُكينة

دلور ميقري

خاص ألف

2012-04-11

1 ـ " ريا وسكينة "؛ الذكرى:
أعتقدُ أن السينما، بالنسبة لكثيرين من البشر، أضحَت مرتبطة بذاكرتهم عن مرحلتي الطفولة والمراهقة، بشكل خاص. جهاز التلفاز، الذي صارَ بدوره جزءاً حميماً من الذاكرة الجمعيّة، كان من ناحية اخرى أحدَ أهم العوامل المساعدة في انتشار الفيلم على المستوى نفسه، الشعبيّ. هذا الجانب، كان تأثيره الإيجابيّ مُضاعفاً بالنسبة للمرأة في المجتمع الشرقيّ، المحافظ. فإذ حرّمت التقاليدُ خروجَ النساء من بيوتهنّ، إلا لشأن عائليّ أو معيشيّ، فكان من الطبيعي في ذلك الزمن أن يُمنعن من ارتياد صالات السينما؛ والتي دُعيت بالنبرَة العامّية، المُستريبة، " تاترو "؛ أيْ بالاسم الافرنجيّ للمسرح. على ذلك، فإن جهاز التلفاز، المنزليّ، أصبح وسيلة تسلية، شبه وحيدة، للمرأة المشرقية طوالَ عقود طويلة من التسلط الذكوريّ، البطرياركيّ. بالمقابل، شكّلت حقيقة تأخر دخول التلفاز إلى حيّز الخدمة، فرصة للعديد من الناس لكي يشاهدوا أفلاماً قديمة تمّ عرضها قبلاً في صالات السينما.
ربما أن فيلم " ريا وسكينة "، للمخرج العظيم صلاح أبو سيف، هوَ من أهمّ روائع السينما الكلاسيكية؛ حيث ما يفتأ يلاقي إقبالاً كبيراً من مشاهدي التلفزيون، وعلى الأخص في عصر الفضائيات هذا، على الرغم من مرور ستة عقود كاملة على انتاجه. حتى لقد بلغ من شعبيّة فيلم أبو سيف، أنّ حكاية " ريا وسكينة " قد تمّ انتاجها في زمن آخر تارة على شكل مسرحية، وتارة أخرى كمسلسل تلفزيونيّ. قبل ذلك، كان عملُ مخرجنا، الشهير، قد أصدى في الوسط الجماهيريّ لدى عرضه لأول مرة في صالات القاهرة ـ وكما لو أنه بفعل زلزال. النجاح الساحق للفيلم، حِرَفياً وتجارياً، بلغ أوجَه في العام 1953، حدّ أن يعمدَ في العام التالي مباشرة ً مخرجٌ آخر إلى التحضير لانتاج فيلم كوميديّ؛ هوَ " اسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة ". هذا العمل الأخير، حقق أيضاً شعبيّة هائلة، بالنظر لاسم بطله، الشهير، وكذلك لأن العديد من ممثليه الرئيسيين كانوا قد شاركوا في الفيلم الأول، الذي أخرجه أبو سيف. بعد ذلك بثلاثين عاماً، شاءَ أحدُ المخرجين أن يعيد تكرارَ انتاج فيلم كوميديّ عن حكاية " ريا وسكينة "، بيْدَ أن هذا الفيلم، الذي أخذ العنوان ذاته وكان من بطولة شريهان ويونس شلبي، أخفق من الناحية الفنية، وأيضاً تجارياً، في مجاراة فيلم اسماعيل ياسين الكوميديّ، الكلاسيكيّ.
2 ـ " ريا وسكينة "؛ الأدب:
يرقى تعاون صلاح أبو سيف مع مواطنه المبدع، الأديب نجيب محفوظ، إلى العام 1949؛ حينما كلّفه بكتابة سيناريو فيلم " مغامرات عنترة وعبلة ". منذ ذلك التاريخ، أضحى اسمُ نجيب محفوظ يتصدّر العديد من الأعمال السينمائية، سواءَ أكان كاتباً للسيناريو أو مؤلفاً للقصة الأصلية. كروائيّ واقعيّ، استلهمَ محفوظ أكثرَ من حادثة مشهودة، معروفة للرأي العام ـ كما في روايته " اللص والكلاب "، التي كتبها بمستهل أعوام الستينات من القرن المنصرم، واستنفضَ من خلالها شخصية منحرفة عُرفتْ شعبياً في حينه بـ " سفاح الإسكندرية ": في نفس هذه المدينة الساحلية، العريقة القِدَم، كانت قد جرَت في مستهل عام 1920 تفاصيلُ الجرائم الشنيعة، المرتبطة باسمَيْ الشقيقتين، ريا وسكينة. إنّ عدَمَ تجسيد محفوظ للحكاية تلك في عمل روائيّ، يُجيز لنا الافتراضَ بكون صديقه، المخرج صلاح أبو سيف، هوَ صاحبُ فكرة إعدادها كسيناريو لفيلم سينمائيّ.
" أعتقدُ عندما تنقل رواية إلى فيلم، تصبح كأنها منقولة الى لغة أخرى، وتصبح عملاً مستقلاً بذاته. وسوف يكون من الجهل، بالنسبة إلى الكاتب الذي يذهب لمشاهدة فيلم مأخوذ عن قصة له، إذا شعر أن هناك خيانة قد مورست ضده، لأن قصة الفيلم لا تشبه ما كتبه هو ": هذا ما قاله الروائي الإيطالي الكبير، انطونيو تابوكي، في أحد حواراته الصحفية، حول علاقته ككاتب مع السينما. قد يكون نجيب محفوظ متبن ٍ لمثل هذا الرأي منذ انطلاقته السينمائية، وتحديداً مع تعارفه برفيق الإبداع؛ المخرج صلاح أبو سيف. إن عملهما المشترك في فيلم " ريا وسكينة "، لهوَ دليلٌ على تبني تلك المقولة، السالفة الذكر، مما جعلهما يقدّمان تحفة فنية بحق، رائعة وخالدة. لنقل في البدء، أنّ محفوظ أعطى لنفسه الحق في التصرّف بالحكاية الحقيقية، محاولاً بذلك خلق نماذجه الفنية من أبطالها الرئيسيين. ولا ريبَ أنّ ما شجعه على تلك الخطوة، هوَ كون " قضية ريا وسكينة " قد أصبحت شبه مجهولة بالنسبة للأجيال الجديدة في زمنه، بعدما مرّ ما يزيد عن ثلاثة عقود على حصولها. غيرَ أنّ وَعي مبدعنا هذا، العميق، بالعلاقة المتواشجة بين العمل السينمائي والعمل الأدبي، كان أحدَ الأسباب الأساسية في نجاح فيلم " ريا وسكينة "، فنياً وجماهيرياً سواءً بسواء.
3 ـ " ريا وسكينة "؛ الفن:
على الرغم من حَصْر المخرج أبو سيف موسيقى " ريا وسكينة " التصويرية بالأعمال الغربية، إلا أنه اختارَ المقدّمة من مقطع لأغنية، محلية، سيحظى بها المُشاهدُ لاحقا في مَشهدٍ آخر، أساسيّ، من الفيلم. فمنذ البداية تتماهى صوَرُ مقدمة الفيلم مع كلمات تلك الأغنية، لتتوغلَ في شغاف مشاعر المتفرّج. وإذن لا بدّ للمرء أن يتخيّل الآن جمهورَ الفيلم في ذلك الزمن، المُنسدل عليهم عتمة الصالة، وقد اجتاحتهم قشعريرة رعبٍ، باردة، خلال متابعتهم لأسماء المساهمين في الفيلم، جنباً لجنب مع استماعهم للمطرب والكورَس المرددين معاً هذه اللازمة: " حسرَة عليها، يا حسرة عليها وعلى شبابها ".
منذ عمله السينمائيّ هذا، المُبكر، يُطالعنا المخرجُ بحِرَفيته العالية، إن كان لجهة التصوير أو الحوار. إنه يُدخل المُشاهدَ فوراً إلى الحالة الداهمة، الطارئة، التي تجتاح مدينة الإسكندرية على أثر توالي الأخبار خلل الصحف، والإشاعات، عن " عشرات " النسوة اللواتي اختفين في ظروف غامضة، مُلتبَسة. النجم أنور وجدي، يظهرُ مع اللقطات الأولى للفيلم، مُتقمّصاً اسمَ ووظيفة الضابط ابراهيم حمدي؛ الذي أسهمَ بالفعل في اكتشاف لغز الجرائم تلك. اختيارُ أنور وجدي كان صائباً ولا شك ، ليسَ فقط لأنه كان وقتذاك في قمة شهرته، بل وأيضاً لطريقته المحبّبة في التمثيل، الجامعة بين الرومانسية وخفة الظل. على أنه يجب التنويه كذلك، بكون " ريا وسكينة " فيلماً للنجوم: إذ ضمّ فضلاً عن أنور وجدي، بعضاً من أشهر الذين كانوا آنذاك على ساحة الفن السينمائي في أرض الكنانة.
مدّة هذا الفيلم، هيَ حوالي تسعين دقيقة. على ذلك، فإنه من المُلفت ألا يظهرَ توأمُ الإجرام، ريا وسكينة، في الفيلم إلا بعد مرور ما يقارب النصف ساعة على بدئه. ولكن، أيّ ظهور هذا؛ ما قدّمه لنا هنا المخرج أبو سيف: هوَ مَشهدٌ مُسَرَبلٌ بالضباب والعتمة؛ بالسرانيّة، بما أننا نعلم بأن ثمة موعدَ لقاءٍ، غراميّ، بين الفتاة الراقصة وأحد الشبان ( النجم شكري سرحان )، والذي هوَ في حقيقته كمين من تدبير عصابة شيطانية. فعلى حين فجأة، تلوحُ المرأتان المُوَشح كلّ منهما بملاءة سوداء، لتمسكا دونما نأمة بيد صاحبَة الموعد الغراميّ، ذات الملابس الناصعة، المبهرجة. هيَ ذي إحدى لقطات سينما أبو سيف، المعبّرة، المُتبدّية كما لو أنها مَشهدُ انقضاض حدأتين، جائعتين، على أرنبٍ متوحّد. الكاميرا تأخذنا إذن، متلاحقي الأنفاس، برفقة الموسيقى الغربية المُضافرة لإثارة الموقف، لكي نتابع من الأعلى مرورَ النسوة الثلاث عبرَ الحواري الفسيحة حيناً، والضيقة حيناً آخر، حتى يصلن إلى المنزل المطلوب. هنا حَسْب، تقتربُ الصورة السينمائية من عيون المُشاهد رويداً إلى أن تتوضح بشكل جليّ. يفتح أحدهم بابَ الدار، الخارجي، فتصابُ الضيفة بالرعب لمرأى هذا الشبح الخارج بغتة من العتمة: " ماتخفيش ياختي.. ده حسب الله، زوجي "، بهذه العبارة تخاطبُ " ريا " ضيفتها بهدف بث الطمأنينة في نفسها. ولا تلبث شقيقتها، " سكينة "، أن تتدخل بدورها لتقول للضحية باللهجة السكندرانية المميّزة، فيما هيَ تجسّ مصاغها الذهبيّ: " اتفضلي يا شابّة، هوّ احنا هنعزموك فبيتك؟ ". منذئذٍ، فإن الكثيرَ من الجُمَل التي تفوهتْ بها احدى هاتين المرأتين، السفاحتين ( قامت بدوريهما الممثلتان نجمه ابراهيم و زوزو حمدي )، ستصبحُ أمثولة يُرددها الناسُ على مرّ الأجيال والحقب.
قبل أن نتعرض للمشهد التالي من الفيلم، الذي يكشف حقا عبقرية المخرج أبو سيف، علينا التذكير بكتاب انطولوجيا، شهير، هوَ " ألف فيلم وفيلم؛ عليك مشاهدتهم قبل موتك ". هذا الكتاب، الذي يختفي منه اسمَ أبو سيف وأي مخرج آخر من العالم الثالث، يدفعنا عنوانه بالمقابل لكي نحث القراء على مشاهدة فيلم " ريا وسكينة " ـ المتوفر في اليوتيوب، بطبيعة الحال ـ بما أن العمرَ قصيرٌ كما يُقال. كذلك يتوجبُ القولَ، في هذه المناسبة، بأن صلاح أبو سيف تخطى المخرجَ المعلم، أحمد بدرخان؛ الذي أرسى صرحَ الفيلم الغنائيّ منذ أن بدأ في الثلاثينات والأربعينات إنتاج أفلام لأم كلثوم وأسمهان وليلى مراد وغيرهن من المطربات.
وإذن، هيَ ذي الضيفة، المفترض أنها غجرية ترقص وتغني في خمارة الحيّ، تدخل إلى قاعة فسيحة نوعاً، يتناثرُ على أرضيتها عددٌ من الرجال، علاوة على أخرين ممن سنعلم أنهم أفرادُ تختٍ شرقيّ. بإشارة من " ريا " تبدأ الجوقة بالعزف، ممهّدة للمطرب ( وهوَ شفيق جلال ) أن ينشدَ أغنيته " يا بنت الحارة "؛ الأغنية نفسها، التي سبقَ الإشارة إليها عند حديثنا عن مقدمة الفيلم. كلمات الأغنية، تتوافق بشكل لافت مع الأحداث المتواترة سريعاً في تلك الليلة، الليلاء. بدورها، فالكاميرا تنتقل بسرعة على صوت موسيقى الأغنية بين حجرات بيت الجريمة، الرهيب؛ أين خطى " ريا " التي تقود المُشاهدَ إلى أكثرها هولاً: حجرة التربة، حيث تقوم هيَ بركل أحد معاونيها لأنها فاجأته وهوَ مسترخ يدخن، فيما زميله يقوم بحفر الأرض لكي تستقبل جثة الضحية، الجديدة.
وكم هيَ معبّرة لقطة قيام الأمّ، السفاحة، بالانحناء بحنان على طفلتها النائمة لكي تغطيها باللحاف، في ذات اللحظة التي ينطلق فيها مطلعُ الأغنية: " بنت الحارة، يا بنت الحارة.. حبيتك، يا أم حلق طارة ". ثمّ تأخذنا الكاميرا إلى حجرة المطبخ، ثمة حيث تتناولُ " ريا " زجاجة خمرة وتشرب من فمها مباشرة ً. ثمّ عندما تبدأ هيَ بتحضير الشاي، وخلطه بجرعة منوّم، يكون المطربُ قد وصلَ لهذا الدَور: " شِبْه الخوخة، شبه الخوخة.. وكلامها موصوف للدوخة ". ما أن يختتم المغني مناجاته، حتى ينتقل لدور جديد. إذاك، يدخل المجرمُ ذو العصبة السوداء على عينه، والملقب بـ " الأعور " ( النجم فريد شوقي )، مع رفيقين آخرين وهم يقرعون على المزاهر بدويّ مزلزل؛ فيما الجوقة تردد مع المغني هذا المقطع: " والمَلاّحة والمَلاّحة، وحبيبتي ملوَ الطراحة.. أنا إيه ذنبي، حدفتلي المنديل البمبي ".
عندئذ، تقدّم " ريا " قدحَ الشاي الملغوم للراقصة، ثم لا تلبث أن تعبّرَ بحركة نزقة حينما يصطدم رأسها بالثريا الواطئة. هنا، يقع ذلك المشهد البليغ، المؤثر، الذي زعمتُ في مقال لي سابق، عن المخرج ابو سيف، بأنّ رفيقه في الإبداع، المخرج العالمي هيتشكوك، قد اقتبسه في فيلم " سيكو "، المنتج في عام 1961: إذ عندما تقوم السفاحة بدفع الثريا إلى أمام، فإن ذلك يؤدي إلى توزع الإضاءة على وجوه الحاضرين من عصابتها، فضلاً عن ضحيتهم.
في ذات اللحظة، إذن، تكون الأغنية قد تناهت إلى هذا المقطع المشؤوم: " فين أراضيها، فين أراضيها.. فلتانة، يا حسرة عليها ". هنا، يكون مفعول المخدر قد ظهرَ على الراقصة، المسكينة؛ القتلة المتربّصون، تصدر عن سحناتهم شرارات الغدر المتماهية بالطمع وربما الشبق؛ ابريق الشاي يفور بخاره بقوّة، منذرة؛ دَوسات قدَم العازف، تصير أكثر عصبية؛ وجه " ريا "، تنطق فيه عيناها الحول بتصميم ضار ٍ؛ سحنة " حسب الله " الشديدة السمرة، مفعمة بالشرّ؛ الدائرة، تضيق حول الضحية، فلا يلبث الوحوش البشرية أن ينقضوا عليها من كلّ جانب: " حسرة عليها، وعلى شبابها ".
من بين الجرائم، التي تناهز بحسَب الفيلم الثلاثين ـ كذا ـ لا نشهد سوى تفاصيل قتل تلك الراقصة. بينما ثمة مشهد آخر، تكون ضحيته امرأة متسوّقة هذه المرة، حيث تمّ عرضه باختصار شديد: هذا، لعمري، هوَ اسلوب الفنان الحِرَفي، المتميّز. إذ أنّ هدفَ هذا الفيلم، كما غيره من أعمال أبو سيف، ليسَ الإثارة الرخيصة؛ بل الفن الخالص، المُسَلِط الضوءَ على الواقع بكلّ صدق، وفي آن، بكل شاعرية. لعلّ مشهد نهاية الفيلم، لا يقلّ في تعبيره، وعبرَته، عن ذاك المَشهد السالف العَرض لمقتل الراقصة. إننا هنا، ثانية ً، في منزل الجريمة. الضابط، يكون متقمّصاً دورَ أحد المنحرفين وينضمّ بهذه الصفة لعصابة ريا وسكينة. يُفاجأ ضابطنا بأن الشاب، الذي خدع الراقصة، يدخل الآن إلى البيت بصحبة فتاة سبق لها أن حضرت للتحقيق على خلفية جريمة سابقة ( الممثلة برلنتي عبد الحميد ). وإذ تعلمُ الشقيقتان، السفاحتان، بأنّ الفتاة قد أخبرت صديقة لها عن نيّتها في مرافقة ذاك الشاب إلى منزلهما، فإنهما تأمرانه بالتوجّه حالاً لإحضارها. هذه الصديقة ( الممثلة سميرة أحمد )، لا تلبث أن تأتي مصطحبة شقيقها الصغير، فتقع عيناها على الضابط وتعرفه بدورها. قبل ذلك، تكون " ريا " قد وزعت مهام القتل على جماعتها، دونما أن توفر الصبيّ الصغير. على الأثر، تقع معركة حاميَة، حينما يُبادر الضابط لإنقاذ الضحايا. وإذ يتمكن من شلّ اندفاع العصابة بوساطة مسدسه، فإنه يطلب من الصبيّ أن يهرع لطلب المساعدة من قسم الشرطة، القريب من المنزل.
الكاميرا، تجعلنا نتابع هذا الطفل، على وقع الموسيقى التصويرية المثيرة، وهوَ يستنجدُ عبثا بأحد حراس المخفر، ثمّ خلال ركوبه الحافلة العمومية متوجّهاً نحوَ حارَته. ثمة، يذهب فوراً إلى والد صديقة شقيقته تلك، وهوَ تاجر مواشي، ليخبره بأن ابنته محجوزة لدى العصابة التي تخطف النساء. فلا يلبث التاجرُ بدوره أن يصرخ بعماله، لكي يساعدوه في انقاذ الابنة. في الطريق، ولدى توجه الجمعُ المسلّح بالسكاكين والسواطير والفؤوس إلى حارة " ريا وسكينة "، ينضمّ إليهم أناس جدد بعدما عرفوا هدفَ مسيرهم. بعدئذٍ تتدخل الشرطة، فتقتحم منزلَ القتلة فتتمكن من اعتقالهم في نفس القبو؛ الذي اعتادوا ان يدفنوا فيه ضحاياهم.
وكما في أفلامه، ذات الطابع الملحميّ ـ مثل " الأسطة حسن " و " لك يوم يا ظالم " ـ يلجأ صلاح أبو سيف إلى ما يمكن تسميته بـ " الفعل الشعبيّ "؛ سواء بسواء حينما يتعلق الأمرُ بالمشاهد الفاصلة أو النهاية المقترحة. هنا أيضاً، في ملحمته الكبرى " ريا وسكينة "، تعمّد مخرجنا إطالة مشهد الصراع المصيريّ، الذي تخوضه العصابة مع مهاجميهم من الجماهير الغاضبة. وعلى رأيي البسيط، فإن تلك الإطالة، المَوْصوفة، كانت خدمة ً من المخرج لهدف عمله، الفنيّ والتعبيريّ: فمن ناحية، يُدين أبو سيف الحلّ الفرديّ للخلاص من الفقر والحاجة والبؤس والذل، والمُعبّر عنه بالقيام على تأليف العصابات الإجرامية أو المنظمات الإرهابية. ومن ناحية أخرى، يريد المخرجُ من جمهوره أن يتأملَ كيف يتضامن الناسُ مع بعضهم البعض، حينما يتعلق الأمر بعصابة تنشر الرعب والفوضى في حياتهم من خلال جرائم تتصف بالغدر والخسة والجشع والوحشية. هذه الرؤية ـ المُفترَضة من قبلي على أيّ حال ـ من الممكن أن يكون نجيب محفوظ مسهماً فيها؛ كونه هوَ كاتب السيناريو. بيْدَ أنني أميلُ إلى كون صلاح أبو سيف هوَ المؤصّل لرؤية " الفعل الشعبيّ "، طالما أنه بنفسه كان يشترك في كتابة السيناريو للكثير من أفلامه؛ ومنها " ريا وسكينة ".

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

حكاية من كليلة ودمنة 8

04-آب-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 7

27-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 6

18-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 5

11-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 4

06-تموز-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow