Alef Logo
يوميات
              

عندما تصير النوافذ علب كبريت

رنا سفكوني

خاص ألف

2012-10-14

كان يعبر الطريق حين كنت أتابعه بعيني ، بين أصابعي، تتقلب علبة الكبريت الصغيرة.
دون انتباه، سقطت مني.. هوت من نافذة كنت أراقب العابرين أسفلها.
لم ينتبه لي.. لكنه انتبه للعلبة التي استقرت على ناصية الرصيف.
التقطها.. وضعها في جيبه.. ومشى إلى البعيد.
اشتعلت في رأسي فكرة أن أتبعه.. أن أراقب كل عود ثقاب كيف سيشعله.. راح الملل يمد جذوره إلى فضولي.. انتعلت حذائي وسقطت في الشارع كقشة تدفعها الريح.
قرب الحانة في نهاية الطريق، اتصل بأحدهم، ثم دخل حاملاً ظلّه إلى كرسي في ركن بعيد..
من خلف النافذة رحت أتلصص عليه.. طلب كأساً من البيرة.. نقّر بأصابعه على خشب الطاولة.. تمعّن في وجوه الجالسين.. تحركت شفاهه مع الموسيقا.. راقبتها.. التقطت جملة سقطت من شفتيه إلى مسمعي.. (تخمين بيتك صار ريف العين.. يا عصفورة النهرين).
أصابني ارتباك وتسربت البرودة إلى جسدي.. ربما لأني أحب تلك الأغنية.. أو ربما لأني كنت أراقب تلك الشفاه تطحنها على مهل.. أو ربما لأن الملل غادرني حين انشغلت به يغني.
هو مثلي .. لا يرتدي ساعة في يده.. بل يراقب الوقت عبر خطا العابرين دون قصد.. ويقيس الدقائق بحسب تنفسه..
تنفسنا سوية.. وكانت الحادية عشر ليلا.. هو خلف النافذة.. وأنا خارجها.. وكأننا تبادلنا الأدوار وتواطأنا على المصادفة.
أخرج علبة السجائر من جيبه.. انتظرت أعواد ثقابي.. لكنه لم يخرجها.. نظر إلى النادل الذي قذف له بقطعة بلاستيكية .. أشعل سجائره.
زاد ارتباكي حين فكرت بأن علبة الكبريت لا تعنيه.. وبأني أشتعل قلقا بدل أعواد الثقاب..
لما أهملها..؟؟
تحركت على إفريز النافذة كعصفور يلتقط فتات الخبز.. ورحت أنقر شفاهي بزجاجها.
النادل أخفض الضوء، فامتد ظله المرمي على الكرسي إلى إفريز النافذة.. اقتربت.. لامس ظلي ظله..
وهمست: أن انتبه هناك من يشتعل انتظارا..
حين عبر أسفل نافذتي في الظلمة.. لم يكون واضحا منه سوى الظل.. ذاك ما كنت أراقبه.
وهذا ما تذكرته حين أخرج علبة سجائره.
أثناء شرودي بظله المطفأ، دخل أحدهم وجلس إلى جواره.. ألقى تحية عابرة.. أخرج علبة سجائره.. وعلبة الكبريت الصغيرة..
أخذني المشهد.. علمت أني أخطأت في تتبع الظل.. وسمعت أحدهم يهمس لي من الخلف فيقول:
الليل مصيدة .. والملل فخ يتربص بالعاشقين.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

"القارئ والكاتب واللغة ثالثهما"

12-كانون الثاني-2014

صار الجرح مقبرة

16-كانون الأول-2012

السيدارة والفولار والصدريّة.. لعنةٌ أبدية

24-تشرين الثاني-2012

العمر حصتنا من هذا... العبث

18-تشرين الثاني-2012

ويسألني جبران عنها

11-تشرين الثاني-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow