أسوارنا من لحم ودم
2012-11-19
المدن المحاصرة في التاريخ لا تُعد ولا تحصى، ولعل طراوادة أشهرها، لو تجاوزنا الأمثلة الكثيرة من الماضي والحاضر وتناولنا فقط بطولات المدافعين عن المدن والبلدات السورية التي حوصرت، سوف نكتب الكثير حتى نستطيع أن نوضّح صور الصمود الباهرة.
لا تُستنفد أرواح المدن، من حصار إلى حصار، يلاحق الجزّار أرواح المدن السوريّة بالراجمات والطائرات والجيوش، يصرّ واهماً على نفادها، يقتلع البيوت من جذورها، يقصف الأشجار والأحجار والبشر وبقيّة الكائنات، طاش جنون كلابه الذين لم يتركوا وسيلة للقتل والدمار، المدن لها أرواح لا تُهزم، يتجاهل الطاغية هذه البديهة، ويستمرّ بعنجهيّته الفارغة.
دير الزور إحدى هذه المدن البطلة، المدينة المحاصرة منذ أشهر، تتصاعد الحرائق من جسدها المنهك وتناثر أشلائها، تلتقط خبزها كما تفعل الطير، تتغرغر بمياه مطر الفرات وتهب شهداءها للأرض، شهيداً وراء شهيد، ومع ذلك، تستمرّ أرواح المدافعين عنها بالتنفّس والحياة، رغم هوائها الملوّث بالدخان وغبار الأنقاض، رغم عتادها الضئيل وسمائها المقيّدة بغربان الحديد. تبقى الصورة ناقصة في وصف صمود شبابنا، دون أن نسمع أصواتهم أو نقرأ رسائلهم الأخيرة، شهيد حيّ يبلّغ عن شهيد، يحمل وصيّته وحلمه بالحرّية التي قد لا يراها ولا يسمح له التراب الذي ينام تحته بالاحتفال بها مع الآخرين حين تنتصر الثورة:
"أكثر الأصدقاء صاروا شهداء وبموتهم صار دافع الاحتفال بالنصر أكبر، على حسب اتفاقنا معهم وهم أحياء، ورغبتنا جميعاً بهذا الشيء، فعدم وجودنا بالحياة يجب أن لا يلغي فرح أحدنا بيوم النصر، نتفق الآن ونحن أحياء، على الذين يتبقون منّا، أن يدبكوا ويرقصوا ويهلهلوا في ساحه الحرية، حتى لو بقي شخص واحد على قيد الحياة، عليه أن يبلّغ أهلنا بالاحتفال مع الناس، نحن نعرف أن فاتورة الحريّة ستكون كبيرة وأرواحنا جزء من هذه الفاتورة، أمانة احتفلوا بالحرية كما تستحق، هذه وصيتنا الوحيدة." تختصر رسالة هذا الشهيد الحيّ الكثير مما يجب أن يقال حول صمود السوريين في وجه آلة القتل التي قلّ نظيرها، وما علينا إلّا أن نردد معهم:
" أسوارنا من لحم ودم
وطروادة أسوارها من حجر"
**
تقول القصيدة
حرب تنطّ على حبال الأرواح
كبهلوان بارع
مجازر على قفا من يشيل:
سكاكين تولّهت بأعناق النساء
راجمات تعجن لحم الناس بالحجر
جرحى يتعالجون بالموت!
تتعب القصيدة من التعداد
قبل أن تُعرّف بقيّة الشهداء
ترفع يديها
عاجزة أنا تقول:
لا أقدرأن أودّع جميع الشهداء
تغلق الكلمات على نفسها
دون أن تستأذن أحداً.
08-أيار-2021
31-آب-2019 | |
20-نيسان-2013 | |
05-كانون الأول-2012 | |
19-تشرين الثاني-2012 | |
14-تشرين الأول-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |