Alef Logo
يوميات
              

طائفة كريمة، طائفة كريهة

دلور ميقري

خاص ألف

2012-12-07

حكاية الشبّيح:
في السبعينات، حينما كنتُ في سن المراهقة، أتذكرُ كيف دأبت ما تسمّى " الصحافة الفنية " على إطلاق ألقابٍ على الممثلين والمطربين، سواءً أكانوا من الشرق أو الغرب. وبما أن أشهرَ نجوم تلك الحقبة، كانت الممثلة الفرنسيّة " بريجيت باردو "، فقد اختارت صحافتنا وَسْمَها آنذاك بالحرف الأول لاسمها وكنيتها: " ب. ب". ولكن، ماذا عن أشهر نجوم هذه القحبة.. أعني، الحقبة ؟؟
" ن. ن "، ولا ريب، كان أكثر معتقلي سوريّة صِلة بالإعلام، وفي التالي، بالشهرة. ولم يؤثر في تألق نجوميّته هذه الحقيقة، ألا وهيَ أنه ما كان معروفاً بالمرّة قبل اعتقاله لا كأديب ورسام ( احم ) ولا كسياسيّ. إننا لسنا هنا، بطبيعة الحال، في وارد تصديع رأس القارئ بتكرار الحديث عن معاناة مناضلنا العتيد مع سنوات السجن أو ما تبعها من سرطان العمود الفِقَري. هذه الكلمة الأخيرة، قمنا بتشكيلها كي لا تصبح مترادفة مع الجملة الشهيرة " يلعن أبو الفقر "، للمطرب علي الديك، الشهير بدَوره. هؤلاء " العلوشيّون "، بالمناسبة، كلّهم مشهورون: إنهم مثل الأواني النحاسيّة، فما أن ترمي الواحد منهم في أيّ ميدان، حتى يُصدر رنيناً عالياً يدلّ على أصالة موهبته. فما بالك، إذا كان المَقدورُ قد اختار أحدهم، من بين كل مخلوقات قريته، لقصف رأس الخلق بصَوته، الصيّاح، أو آخر من بلدياته مع قاذف موقعه الالكترونيّ، النبّاح..
قلنا أن " ن. ن "، ما غيره، قد شعت أنوارُهُ العليّة بفضل الإعلام. إلا أننا يجب التنويه، بكون شهرته في أوروبة قد سبقت ظهوره على فضائية " الجزيرة ". ذلك، كان بفضل مناضل آخر، هوَ " هـ. م "، الناطق باسم المنظمة العربية لحقوق الانسان ( واليوم باسم هيئة التنسيق )، الذي استفاد أيضاً في هذا الشأن من تعاون رئيس تحرير صحيفة " النهار " السابق، المغدور. هذا الأخير، بقيَ على صداقة مع " ن. ن " في باريس، لدرجة أنه أسرّ له بموعد عودته إلى بيروت؛ ثمّة أين تمّ تفجيره في صباح اليوم التالي مباشرة ً بعبوة ناسفة، من قبل مجموعة ارهابية سلفية.. أعني، مسلحة.
فضائية " الخنزيرة " ـ بحَسَب نعت الإعلام الأسديّ منذ تاريخ 15 آذار 2011، كانت لا تستضيف في برامجها ولقاءاتها سوى أولئك السوريين، العلوشيين، من ذوي الرنات النحاسيّة، المَوْصوفة، وبصفتهم معارضين بطبيعة الحال. ثمّة، إذن، في الاستديوهات الهائلة ( أمكن فيها اليومَ صنعُ مجسمات كاملة لمدن كبرى كدمشق وحلب وحمص.. )، أضحى ظهورُ " ن. ن " دورياً واعتيادياً حدّ أنه صارَ بشهرة مواطنه؛ صاحب " الاتجاه المعاكس "، الذي كان يفتخرُ آنئذٍ باتصاله اسبوعياً مع " السيّد الرئيس ". من خلال تلك الفضائية، المَغضوبة، عرفَ الرأيُ العام حكاية مناضلنا " ن. ن "، مذ أن كان ناشطاً في تنظيم ماركسيّ، تروووتسكيّ، لحين اعتقاله و.. ما بينهما من انجازات أدبية وفنية، غزيرةٍ ومتنوّعة. آنذاك، كان مبدعنا يَظهَرُ متوكئاً على عكاز، كون السجن قد أورثه سرطان العمود الفقريّ.. بالكسرة والفتحة إياهما.
فاصل قصير:
" أ. ح "، كان من جهته صديقاً قديماً لي، خلال فترة دراسته في شام أوائل الثمانينات. لقد ترك آنذاك الحركة الكردية لكي يؤسّسَ تياراً يسارياً، تروتسكياً، كان على ما يبدو مُتصلاً مع حزب العمل الشيوعيّ بشكل أو بآخر. في الحملة الأمنية ضد هذا الحزب، خلال منتصف الثمانينات، لوحق هذا الصديق مما أجبره على اللجوء إلى بيروت. هناك، كان " ن. ن " يقضي فترة سجنه في " سجن تدمر "، الأمنيّ الكنعانيّ، وفي فيلا على شكل زنزانـــــة منفـــــردة.. الخ الخ. على ذلك، لم يلتق مؤسّسُ التيار الماركسيّ مع معتقلنا العتيد؛ الذي كان، كما هوَ معروووف، من أبرز شخصيات هذا التيار. لدرجة أن خالد بكداش بنفسِهِ ( كمــــــا صرّحَ فيما بعد معتقلنا في احدى مقالاته )، قد أوصى حافظ الأسد بضرورة التنكيل بالتروتسكيين بزعم علاقتهم مع الصهيونية وكذا وكذا.
وها أن العالمَ في هذه الألفية الجديدة، وبفضل وسائل النقل والاتصالات المتطوّرة، قد صارَ أصغرَ من قرية مناضلنا " ن. ن ". على ذلك، ما لبث أن التقى أخيراً بمؤسّس تنظيمه، التروتسكيّ. وبحسَب ما علمته لاحقاً من صديقي هذا، القديم، فإن اللقاءَ كان غير وديّ بالمرّة. جرى ذلك في أثينا، خلال أحد مؤتمرات حقوق الانسان، عندما اقتربَ " أ. ح " من مواطنه، المعتقل الأشهر، لكي يُعرّفه بنفسه. فما أن علِمَ " ن. ن " أنه في حضرة مؤسّس التنظيم التروتسكيّ، حتى تلجلجَ واصفرّ واخضرّ. ثمّ ما عتمَ أن احمرّ، مثل عبوة ناسفة، لينفجرَ في وجه مُحدثه: " من أنت، يا هذا؟ وماذا تريد مني؟ ومن أرسلكَ كي تتعقبني؟ ".
فيما بعد، التقيت بدَوري مع المعتقل التروتسكيّ، الأشهر. جرى ذلك في باريس، على خلفيّة مؤتمر من تنظيم صديقه، " هـ . ن "؛ مُتعهّد حقوق الانسان العربيّ في أوروبة. حينما أخبرني المناضلُ المعتقلُ عن خلفيّته الفكريّة، فإنني ذكرت له ما كان من صلتي الوثيقة بأولئك التروتسكيين، وخصوصاً بمسئولهم ذاك. بيْدَ أن " ن. ن " كان أكثر هدوءاً وثقة بالنفس، حينما نظرَ إليّ في تمعن بعينيه الوَديعتيْن، الشبيهتيْن بعينيّ الذئب: " آه، هوَ صديقك إذن ؟.. ". ثمّ راحَ يقصّ عليّ بايجاز حكاية اللقاء في أثينا. ليختمَ كلامه بالقول في نبرَة بريئة " بحَضّي ما عرفت وقتها مَطلوبه مني. اعتقدت أنه أحد أزلام الأمن، العاملين بالسفارات السورية في أوروبة ".
حماية الشبيح:
اليوم، بل ومنذ تاريخ 15 آذار 2011، استبدلَ معارضنا " ن. ن " عكازه بقاذفٍ من نوع آر بي جي؛ بموقعِهِ الالكترونيّ، التشبيحيّ، الذي يقصفُ عبرَه قذائفَ " الحقيقة " نحوَ مواطنيه، السوريين. هؤلاء، هم المَنعوتون من قبله بالحاضنة الشعبية للإرهاب، مُحيياً الجيش العربيّ السوريّ على مآثره في التعامل معهم طوال أكثر من عشرين شهراً. إلا أن مُعارضنا، للحقيـــــقة، كان يقوم بالتشبيح على طريقته منذ بداية وجوده في الغرب؛ حدّ أن أحد بلدياته ( من اللاجئين السياسيين في لندن )، اتهمه بأنه " يستعوي " الأجهزة الأمنية على الناشطين في الداخل، مُستدلاً بمثال المناضل الدكتور علي برازي من بلدة السلمية. ومن أمثلة تحريض " ن. ن "، وتقاريره الأمنية، يُمكن المرءُ أيضاً ذكرَ مسألة اعتقال ميشيل كيلو: إذ اتهمه مناضلنا بالتنسيق مع زعيم تنظيم الاخوان المسلمين خلال زيارة له للخارج، وأنه على أثرها عاد بأوامر من هذا الأخير كي يتم تحضير " اعلان بيروت ـ دمشق ".
قبل ذلك، ومع بداية حلول " ن. ن " في باريس، كان قد بادرَ على الفور لوضع مواهبه، الأمنية، لمحاولة اختراق تنظيم الأخوان المسلمين. إذ زعمَ وقتئذٍ أنه يملك وثائق تدين رفعت الأسد، بخصوص مجازر الثمانينات، مما جعل هذا الأخير يرفع عليه دعوى قضائية. غير أن الأخوان، وقد أضجرتهم ربما تلك المسرحيات الأمنية، ما عتموا أن قطعوا صلتهم بمؤلّفها، الموهوب. هوَ الذي يتهم اليومَ المعارضين للنظام الأسديّ بالطائفية، يتناسى مقالاته في " ايلاف " وغيرها من المواقع الخليجية ( الوهابية )، التي كان يتملق فيها آنذاك لجماعة الأخوان المسلمين؛ حينما قسّمَ العلويين إلى جماعتين: احداهما محتلة للوطن كالاستعمار سواءً بسواء، والأخرى جاهلة وخادمة مطيعة للأولى.
الآن، فإن معارضنا الذي يتبجّح بأنه حصل على حماية البوليس البريطانيّ على مدار 24 ساعة خوفاً على حياته من العرعوريين، يدعو إلى إبادة غالبية الشعب السوريّ حتى بالأسلحة الكيماوية. هوَ من قسِّم طائفته العلوية، نفسها، إلى جماعتين: الأولى، المُطهَّرة العلمانية المثقفة الحضارية؛ أيْ على مثاله في التشبيح الدمويّ والإعلاميّ. أما الأخرى، وهيَ على مثال المُنشقات والمعارضات ـ كسمر يزبك ورشا عمران وفدوى سليمان ولويز عبد الكريم ـ فإنه لا يتورع عن وصفهن بالعهر والنصب والاحتيال والارتزاق؛ أيْ الأوصاف، التي لا تليق سوى بمن هم على شاكلته من الشبّيحة القتلة.
للحديث صلة..
[email protected]

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

حكاية من كليلة ودمنة 8

04-آب-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 7

27-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 6

18-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 5

11-تموز-2013

حكاية من " كليلة ودمنة " 4

06-تموز-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow